البداية «صادمة»: انطلاقة المسلسلات المشتركة عادية والإبهار مؤجَّل… بإنتظار الحلقات المقبلة!

ترقّب الجميع جديد ماغي بو غصن بعد وداعها «سحر». أدّت لمواسم دوراً أصبح بعضَها، فعمَّق الفضول حول الدور المقبل. شخصية «يسار» نبيلة، تُبلسم آلام موجوعين، ولديها ما تقوله على مستوى «الرسالة». لكنها لوهلة، وقعت في الوعظ وارتطمت بالطرح «الإنشائي». القضايا في المسلسلات لا ينبغي أن يُغريها الخطاب فتنزلق إلى رتابته. لا بأس باقتصار ذلك على الحلقة الأولى للتعريف بالشخصية ودورها المجتمعي، لكنّ جرَّ الوعظ إلى حلقات مقبلة سينقلب إلى ضدّه. إشكالية العنف الأسري وقتل النساء، في دراما رمضان، «مغامرة». بعضٌ قد يملّ وآخرون قد يتململون. المسلسل «جريء» في الرهان على الواقع المُهمَل.

النُبل وحده، أحياناً لا يكفي. دخول مهيار خضور بشخصية «نبال»، يدفع السياق إلى الأمام. الكاتبة نادين جابر تُشعِّب الخيوط بما يجعلها مُحرِّكة. يمكن انتظار سرّ الجار الجديد غريب الأطوار ونياته المُضمَرة، وسرّ الابنة في الظلّ، المحجوبة عن المجتمع، بجانب أسرار أخرى تقيم في المنازل الفقيرة. نهاية الحلقة الأولى أخرجت المسلسل (إخراج رامي حنا، وإنتاج «إيغل فيلمز») من خطابيته إلى مسرحه الدرامي، بانتظار وضوح المسارات للحكم.

ماغي بو غصن ناجية من العنف، وصاحبة تجربة مُلهِمة تحاكي صلابة النساء. خيار الموضوع الاجتماعي المطروح في البرامج ونشرات الأخبار، «شجاع»، إنما له تبعات أوّلها أنه «معروف». الشطارة في جرِّه من مادّته الإخبارية وما «لا جديد فيه»، إلى ما يثير ويُرغم على انتظاره، وهو ما يبدو أنه يلوح في الأفق، بالتقاء «يسار» بشخصية «سيف» (عمار شلق) وأفراد أسرته المتكّئين على أوجاع تعمّقها الذكورية وما أصبح بالياً من تقاليد وموروثات.

النُبل مقدّر، والجرأة محسوبة. تبنّي قضية النساء المعنّفات، وفاءٌ للضحايا وموقفُ إنصاف. المسلسل يرفض السكوت عن الظلم، فيجعل العدالة أولوية، ويفضّلها على موضوعات قد «تُرضي» المُشاهد، مثل الجريمة والخيانة والحب. مكانته على هذا المستوى محفوظة، بانتظار القيمة الفنية للمعالجة الدرامية.

«نظرة حب»: انطلاقة هادئة

بدايته هادئة بانتظار عواصفه. يحلو ترقّب ما ستقدّمه ثنائية باسل خياط وكارمن بصيبص في مسلسل يجمعهما للمرة الأولى. مرّت حلقتان ولم يَحدُث لقاؤهما. الأول بدور «بحر»، والثانية بشخصية «قمر». كلٌّ من طبقة اجتماعية وخلفية ثقافية. لقاؤهما الآتي سيكون عنوانه العوَض بعد خيبة.

مسألة الانتخابات اللبنانية في المسلسلات تقريباً مستهلَكة. ثمة دائماً «الزعيم» المشغول بحسابات السياسة وصفقاتها، ومثل هذه الشخصيات قلّما يُغري. بيار داغر في هذا الدور، وتمثيلياً يؤدّيه جيداً. خَلْع خياط شخصية الثري، مُشوِّق ومُنتَظر؛ وبصيبص أيضاً مُنتَظرة لعفوية الأداء الطبيعي. العين على خروجها من مساحتها الآمنة نحو الجديد والمُفاجئ.

مقابل عالم المال والنفوذ، يكمن الحيّ الشعبي، حيث يقيم «بحر» ووالدته راوية الحكايات (رندة كعدي). النصّ لرافي وهبي والإخراج لحسام علي (إنتاج إيبلا). يؤدّي ميشال حوراني شخصية الساعي خلف مصالحه. رابط المصاهرة مع عائلة رجل السياسة يكشف وجوهه الخفية. أمام العمل فرصة إثبات حضوره خارج رهانه على تمثُّل الاستفزاز بمشهد رمي الأحذية في حوض السباحة، فقد بدا هشاً. البدايات الهادئة أحياناً ظالمة. وحدها الحلقات المقبلة تُبيّن صواب الانطباع الأول من عدمه.

«نقطة انتهى»: إرجاء الجديد

ثغرته الأجواء شبه المنسوخة عن دراما «النار بالنار» في رمضان 2023. اختيار المخرج نفسه، محمد عبد العزيز، لإدارته، تسبّب في تشابُه لا يصبّ في مصلحته. البطولة لعابد فهد الذي من المبكر الحكم على خروجه من «عمران»، شخصيته الجدلية في المسلسل الذي حرّك الرأي العام بالموسم الماضي. ثنائيته مع ندى أبو فرحات مُرتَقبة، أسوة بترقُّب ما قد يجري.

يشير الانطباع الأول إلى أنّ العمل (كتابة فادي حسين وإنتاج «الصبّاح إخوان») يُرجئ جديده. الحلقات المقبلة مُخوَّلة نفي الزعم. فإشكالية «السوري – اللبناني» حاضرة بشكلها المباشر، وإنْ، حتى الآن، بإشارات أقلّ مما قدّمه «النار بالنار». ترسم الصدفة مسار القصة حين تقع الجريمة. الضبابية تولّد الفضول وتتيح انتظار فَهْم الأسباب. حضور عادل كرم في البطولة مشرَّع على جرّ السياق نحو مساره التصاعدي.

ارتكاب الصيدلي فارس (فهد) جريمة من غير قصد، يواجهه بمصير خارج حساباته. المفارقة أنّ المقتول أخو زوجته، ما يعيد امتحان العلاقة على مستوى الصدق. إخفاؤه فعلته، بمقابل سعيها إلى كشف الحقيقة، يولّد صراعاً يُرجَّح أن يرفع الأسهم. يبقى أنّ تيم عزيز، ابن المخرج، لم يُجدِّد في دوره القديم حتى الآن. يبدو أنّ «بارود» (شخصيته في «النار بالنار») يسكنه، وهذه هفوة الأب.

فاطمة عبدالله- الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة