ارتفاع عدد مرضى السرطان دون سن الـ 50 في لبنان

في دراسة جديدة تناولت أكثر من 200 دولة ظهر ارتفاع بنسبة 80 في المئة في حالات تشخيص الإصابة بالسرطان لدى من هم دون سن 50 سنة في مختلف أنحاء العالم. لم تتضح بعد الأسباب المباشرة للارتفاع الملحوظ، ويرجح الباحثون في الدراسة التي نشرت نتائجها في مجلة “بي أم جي أونكولوجي”، أن يكون التدخين وسوء التغذية والكحول والعوامل الوراثية والخمول والسمنة من عوامل الخطر الرئيسة بالنسبة إلى هذه الفئة العمرية، وفق ما تبين في النماذج البيانية، كما قد يكون النمو السكاني سبباً. فهذه القفزة الكبيرة في الإصابات بين من هم بين 14 و49 سنة ارتفعت من 1.82 مليون شخص إلى 3.26 مليون بين عامي 1990 و2019، لكن ما واقع الإصابات في هذه الفئة العمرية في لبنان والمنطقة؟

سرطان الثدي أكثر خطورة

أثبتت الدراسة التي حللت 29 نوعاً مختلفاً من السرطان في الدول المعنية أن أكثر من مليون شخص دون سن الـ50 توفوا بسبب الإصابة بالسرطان في عام 2019 مع زيادة قدرت بنسبة 28 في المئة بالمقارنة مع الأرقام التي سجلت في عام 1990. أما أكثر أنواع السرطان خطورة فتلك التي تصيب الثدي والقصبة الهوائية والرئة والأمعاء والمعدة. وكان سرطان الثدي أكثر الأنواع التي شخصت خلال ثلاثة عقود. ومعدلات الإصابة ارتفعت بشكل خاص مع زيادة معدلات التطور في الدول. وقد يكون السبب أن ثمة دولاً تتمتع بأنظمة صحية أكثر تطوراً، مما يسمح بكشف السرطان في مراحل مبكرة.

عوامل خاصة بلبنان والمنطقة

في لبنان والمنطقة العمر الوسطي للإصابة بسرطان الثدي كان دوماً أدنى من ذاك المسجل في باقي الدول، فينخفض إلى 55 سنة فيما يراوح ما بين 62 و65 سنة في غيره من الدول. يلاحظ ذلك من سنوات عديدة بحسب رئيس قسم أمراض الدم والأورام في مستشفى “أوتيل ديو دو فرانس” الدكتور فادي نصر. وقد يكون السبب معدلات السمنة والنظام الغذائي المتبع الذي يعتمد بنسبة عالية على الأطعمة الغنية بالدهون. على رغم أن النظام المتوسطي الخاص بالمنطقة يعتبر أكثر الأنظمة الغذائية صحية في العالم. ثمة مبالغة في الأكل وفي تناول الأطعمة السريعة التحضير، فيما كان النظام الغذائي في البلاد من عقود مضت صحياً يعتمد على الأكل الطبيعي والصحي. وهناك أيضاً ميل إلى عدم الحركة، مما يزيد من معدلات الإصابة في سن مبكرة في لبنان والمنطقة. وتنخفض معدلات النشاط الجسدي حالياً بالمقارنة مع الماضي حين كانت تتنوع الأنشطة الجسدية بين الزراعة والمشي وغيرهما. حالياً تزيد فترات الجلوس في المنازل أمام الشاشات والأجهزة الإلكترونية بين مختلف الفئات العمرية. ويعتبر ارتفاع معدل سنوات العيش من العوامل التي تلعب دوراً في معدلات الإصابة بالسرطان.

ويأتي سرطان القولون في المرتبة الثانية بعد سرطان الثدي في سن مبكرة في لبنان والمنطقة، خصوصاً أنه يتأثر حكماً بالتغيير الحاصل في النظام الغذائي المتبع، مع انعدام التركيز على الخضراوات والفاكهة، الذي من المفترض أن يحصل.

لكن، بحسب نصر، يبدو لافتاً بشكل خاص ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان “اللمفوما” بالمقارنة مع دول أخرى، بسبب الإصابة بفيروس EBV الذي قد يتحول إلى “لمفوما”. وتحصل هذه الإصابة نتيجة عادة تبادل القبل عند إلقاء التحية في لبنان، وهي من العادات المنتشرة في ثقافة الشعب اللبناني. تكثر الإصابات بهذا الفيروس لدى معظم الناس، لكنه يتحول لدى البعض إلى “لمفوما”. قد يكون السبب مرتبطاً بالمناعة، لكن لم تعرف حتى الآن الأسباب الحقيقية وراء هذا التحول في بعض الأجسام دون غيرها.

وضع مقلق للأعوام المقبلة

لا تتوافر أرقام في لبنان تعكس الواقع وتدل على معدلات الإصابة الفعلية بين من هم دون الـ50، لكن يبدو واضحاً أن ثمة ارتفاعاً ملحوظاً في معدل الحالات المتقدمة في مختلف الفئات العمرية. فنتيجة الأزمة والوضع المعيشي الصعب بات المواطن اللبناني يهمل استشارة الطبيب في الوقت المناسب، ولا يجري الفحوص إلا في مراحل متقدمة من المرض. أما فحوص الكشف المبكر للسرطان، كالصورة الشعاعية للثدي من عمر 40 سنة، والمنظار من عمر 45 سنة للكشف المبكر لسرطان القولون، وفحص PSA لكشف سرطان البروستات من عمر 50 سنة، فلم يعد هناك مواظبة على إجرائها على رغم دورها المهم لتفادي الأسوأ. ينصح نصر “في حال وجود إصابة بسرطان الثدي في العائلة” بلجوء الفتيات إلى الصورة الشعاعية قبل 10 سنوات من السن التي ظهر فيها المرض لدى الأم أولاً. وفي حال وجود الطفرات الجينية BRCA1 وBRCA2 يجب إجراء الصورة الشعاعية من سن مبكرة. كذلك بالنسبة إلى سرطان القولون يطلب من أفراد العائلة إجراء فحص التنظير.

ويشير نصر إلى التخوف الكبير مما يمكن مواجهته في الأعوام المقبلة من ارتفاع في معدلات الإصابة بالسرطان في لبنان نتيجة إهمال الفحوص الروتينية والرعاية الطبية وفحوص الكشف المبكر.

ما يبدو مقلقاً أيضاً لطبيبة أمراض الدم والتورم الخبيث في مركز “بلفو الطبي” راشيل الفرخ الارتفاع الكارثي في معدلات التدخين في لبنان في مختلف الفئات العمرية، سواء بالنسبة إلى التدخين التقليدي أو السيجارة الإلكترونية أو النرجيلة. هي من العوامل التي أسهمت في ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الثدي في لبنان، إضافة إلى دورها كسبب مباشر لسرطان الرئة في سن مبكرة. علماً أن معدلات التدخين ترتفع في لبنان بشكل خاص بين النساء من سن مبكرة بالمقارنة مع مجتمعات أخرى. وبعكس الاعتقاد السائد عن السيجارة الإلكترونية، فهي تسبب أضراراً رئوية خطرة. “تظهر إصابات سرطان الرئة في الـ30 والـ40 من العمر، فيما المعتاد أن يظهر هذا المرض بعد الـ60 من العمر. وللأسف، هو من السرطانات القاتلة التي يتأخر تشخيصها عادة”. وتضيف الفرخ “نصادف شباباً في مقتبل العمر مصابين بسرطان الرئة في مراحل متقدمة، ولا تكون الحالات قابلة للشفاء. وينطبق ذلك على سرطان الثدي بسبب معدلات التدخين الكارثية والنمط الغذائي غير الصحي المتبع، إضافة إلى تأخير سن الإنجاب وتراجع معدلات الرضاعة في المجتمع اللبناني، وهي من العوامل التي تؤمن الحماية للمرأة”.

يعتبر العامل الوراثي من عوامل الخطر التي لا بد من التدقيق فيها في حال الإصابة بسرطان الثدي قبل سن الـ40، ولكن هناك عوامل أخرى يجري البحث عنها منها هرمونية ومنها ما يرتبط بنمط الحياة، وكلها تؤثر بنسب متفاوتة.

وتشير الفرخ أيضاً إلى سرطان البنكرياس الذي من المفترض أن يظهر بعد سن الـ60، لكن تزيد الحالات بين الشباب من سن 35 إلى 40 سنة في لبنان. والمشكلة في هذا النوع من السرطان أن أعراضه تتأخر إلى مراحل متقدمة عندما يبدأ الورم السرطاني بالضغط على الأعضاء المحيطة.

اندبندنت

مقالات ذات صلة