«أزمة التفلّت و«الجزر الأمنية» في الضاحية: المطلوب أكثر من «رفْع غطاء»!
فتحت أحداث الشياح، السبت الماضي، الباب أمام النقاش حول واقع الأمن الاجتماعي في لبنان وخصوصاً في الضاحية الجنوبية لبيروت، مع تزايد وتيرة الانفلات الأمني فيها وظهور «جزر أمنية» يحكمها محظيون تخطّى تأثيرهم وسلطتهم الحيّز الجغرافي الضيّق الموجودين فيه، نظراً إلى شبكة «أمان» واسعة تمكّنوا من نسجها، بفعل السلطة والمال، بما يتجاوز الأحزاب وصولاً إلى ضباط كبار وقضاة ونافذين في الدولة.
ولمّا كانت الأعين مفتوحة على حركة أمل، ربطاً بأحداث الشياح الأخيرة، نظراً إلى كون المنطقة أحد معاقلها، والمتقاتلين على السلطة والنفوذ يتغطّون بغطائها، سارعت الحركة أمس، عبر قرار تنظيمي علني، إلى إعلان تبرّئها من المتسبّبين في الاشتباكات، من الطرفين. وأكّد بيان لرئيس «التنفيذية» في الحركة مصطفى فوعاني أن لا علاقة للأخوين عامر ويحيى محمد دمشق، وكذلك علي نمر الخليل، بالحركة، مخلية مسؤوليتها عن تصرفاتهم.
مصادر في أمل أكّدت لـ«الأخبار» أن القرار أتى من أعلى الهرم، وأن الرئيس نبيه بري «جادّ في عدم تغطية أي من هذه الحالات التي تسيء أولاً إلى الحركة وتاريخها». ولفتت إلى أن «الأزمة الراهنة لا تتعلق حصراً بآفة المراهنات والقمار، رغم خطورتها وآثارها المدمّرة وكونها باباً من الأبواب التي تؤدي إلى التجنيد والعمالة، بل تتعلق بمجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان والتي أنتجت ترهّلاً في الدولة ومؤسساتها المسؤولة عن متابعة الأوضاع الاجتماعية والمعيشية، وعن توقيف هذه العصابات ومحاسبتها». كما أكّدت على مسؤولية أحزاب المنطقة وأجهزة الدولة عن وضع خطط وبرامج رقابية وعقابية، وبرامج اقتصادية واجتماعية من شأنها أن تسدّ الفراغ الذي تتسلل عبره هذه الحالات إلى المجتمع وتجد أرضية مناسبة تتمكن من خلالها من ترسيخ وجودها وعملها». وشدّدت على أن المسألة لا تتعلق بالشياح وحدها، فـ«أزمة التفلّت الأمني والجزر الأمنية تعاني منها الضاحية ككل، كنموذج عمّا يعانيه لبنان عموماً».
وفي الحديث عن الأزمة الأشمل، يمكن إدراج نماذج عديدة تبدأ من الشويفات مروراً بحي السلم والليلكي والمريجة ولا تنتهي عند حدود الجناح، ما يفتح باب التساؤلات حول الجهات المسؤولة عن مثل هذه الأوضاع. وهنا، تقول مصادر الحركة، كما مصادر حزب الله إن كل إمكاناتهما مسخّرة للمساعدة بقدر المستطاع، بدءاً من رفع الغطاء عن أي حالة، فرداً كان أو جماعة، إلا أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية. وتروي المصادر أمثلة عن حالات تم فيها توقيف لصوص أو مروّجي مخدّرات من قبل الأهالي، غير أن الأجهزة الأمنية في المناطق كانت ترفض تسلّمهم بذرائع عدة كاكتظاظ أماكن التوقيف وغياب المحاكمات السريعة في المحاكم، وصولاً إلى تورط عدد من الجهات الأمنية في «رعاية وحماية» حالات وأشخاص معيّنين.
قرار تنظيمي لحركة أمل يتبرّأ من أطراف اشتباك الشياح
على أي حال، شكّلت أحداث الشياح الأخيرة بين أفراد من آل الخليل وآخرين من آل دمشق، امتحاناً جدّياً لأحزاب المنطقة في التعامل مع الحالات المماثلة. واذا كان الجميع في الشياح والضاحية متفقاً على أن بيانات الاستنكار والتبرّؤ من المرتكبين لا تكفي وحدها لحل المشاكل التي باتت تهدد الأمن الاجتماعي في الصميم، وتهدد بضياع إنجازات ومكتسبات دفعت ثمنها بيئة الضاحية دماً وتضحيات، فإن التكامل بين حركة أمل وحزب الله، وتضافر جهودهما و«ضغطهما» على الدولة وأجهزتها، كلّ ذلك صار أوجب من أي وقت مضى، فالهامش بدأ يضيق على الجميع، وأهل الضاحية عندها لن يغفروا لمَن فضّل «موتيراتها وإنترنتها ومياهها» وأشياء كثيرة أخرى، على أمنها وسكينة أهلها.
إلى ذلك، أعلنت بلدية الغبيري في بيان أمس، أنها تقدّمت بشكوى جزائية أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، ضد كل من يظهره التحقيق فاعلاً أو شريكاً أو متدخّلاً بجرم إطلاق النار وإرهاب الناس الآمنين وفتح مكاتب مراهنات من دون ترخيص قانوني، على خلفية أحداث السبت الماضي.
حمزة الخنسا- الاخبار