عن ثنائية منطق “اللامنطق” و”شرعية” اللاشرعي.. فصام سياسي

يشهد مسرح لبنان السياسي على العديد من المواقف غير المنطقية من حيث الشكل ومن حيث احترام الدستور والقوانين، فتارةً يهرب بعض “نواب الأمّة” من جلسات انتخاب رأس الدولة وطوراً يُحاضرون بـ”قانونية” التشريع غير القانوني وفقاً للدستور، فازدواجية المعايير هذه باتت تتخطّى “الدهاء السياسي” وانتقلت إلى مرحلة الإحتيال السياسي، عبر استخدام الشعب المنكوب كدرعٍ بشري بوجه المعارضة التي لا توفّر جهداً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية “صنع في لبنان”.

يتعالى فريق الممانعة إذاً على باقي الفرقاء على الساحة السياسية، ويتصرّف بحكم فائض القوّة الذي يعتبره شرعية “de facto” وفق أدائه ومواقفه وسلاحه، فالفريق المذكور خاض الإنتخابات الرئاسية فعلياً على مدى 11 جلسة لمدّة 6 أشهر بمرشّح التعطيل أي الورقة البيضاء، من ثم خاض الجلسة الـ12 بمرشّح الفرض تحت مُسمّى “تكريس مُرشحنا أو الفراغ”، وما لبث أن انتهى فرز الدورة الأولى بفضيحةٍ لا مثيل لها بتاريخ الجمهورية اللبنانية، إلى أن سارع صاحب مقولة “صوت واحد ما بيفرق” إلى تعطيل الدورات المتتالية تحت ذريعة “حاورونا لنقنعكم بمرشحنا، أو لا أحد”، ودعا إلى جلسة تشريعية في الأيام القليلة التالية، أمّا بما يخصّ بدعة تشريع الضرورة، فتنصّ المادّة ٧٥ من الدستور اللّبناني على أن: “المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة او اي عمل آخر”، أي أنه يستحيل على المجلس القيام بأي خطوات وأهمّها التشريع في ظلّ الفراغ الرئاسي، لكن لرئيس الميليشيا رأي آخر، فالترهيب بعد فشل الترغيب يأسر الشعب ويستعمل ورقته للضغط على المعارضة للتنازل وإيصال مُرشّح الممانعة.
وقال برّي في ثاني جلساته المُبتدعة في ظلّ “هذا الفراغ”: “هناك أطراف ترى أنه لا يجب للحكومة أن تجتمع ولا للمجلس النيابي الإنعقاد والتشريع وعليه إذا أردنا السير بما يريده هؤلاء عندها لن نعمل أبداً”، لكن يا استاذ بري، فكيف لدولةٍ ذات “سيادة” ولديها دستور وقوانين أن تقوم بكلّ أعمالها من دونِ رأسٍ لها؟ أي وقاحةٍ هذه؟ وكيف لكم أنتم المؤتمنون على دستور البلاد أن تُفسّروه وفقاً لمصالحكم الضيّقة والتي يُمليها عليكم الخارج؟ من نصّبكم أكبر من الكتاب وقوانينه ومن أعطاكم الحق لفرض سياساتكم على الآخرين بقوّة السلاح وأنتم تنادون بوحدة البلاد؟

وعقب الجلسة اليوم قال عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب علي فياض: “هذه الجلسة تشريعية بالكامل دون اي لبس ويحق للمجلس ان يصدر قوانين ولا مشكلة في عقد هذه الجلسة والسجال هو سياسي شكلي، ومن يشكك بدستورية الجلسة “مش قاري الدستور بالمادة 85 ولا قانون المحاسبة العمومية” فهذه الجلسة تشريعية بالكامل”، أمّا المادّة الذي ذكرها النائب فياض فتنصّ على: “لا يجوز ان يفتح اعتماد استثنائي الا بقانون خاص. اما اذا دعت ظروف طارئة لنفقات مستعجلة فيتخذ رئيس الجمهورية مرسوما، بناء على قرار صادر عن مجلس الوزراء، بفتح اعتمادات استثنائية او اضافية وبنقل اعتمادات في الموازنة على ان لا تتجاوز هذه الاعتمادات في الموازنة على ان لا تتجاوز هذه الاعتمادات حدا اقصى يحدد في قانون الموازنة. ويجب ان تعرض هذه التدابير على موافقة المجلس في اول عقد يلتئم فيه بعد ذلك”، وبالتالي نتقدّم من فياض بنصيحة اللجوء إلى طبيب نظر لقراءة المادّة جيّداً خاصّةً عندما تُعطي رئيس الجمهورية صلاحية اتّخاذ مرسوم “بناء على قرار صادر عن مجلس الوزراء..”، ونُذكّره أننا في فراغٍ رئاسي وبظلّ حكومة تصريف أعمال ومستقيلة أيضاً، وإن كان يظنّ أن سلطة ميليشيا حزبه باتت “de facto” لتفسير الدستور على مزاجه فليتفضّل إذاً بتوقيع هدنة مع المنطق وعقول الناس أسوةً بـ”هدنة ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل”، لأن منطق الإستعلاء هذا يجرّ البلاد نحو الإنفجار.

إذاً الدستور ليس وجهة نظر ولن يكون، فهو كتاب الدّولة ومؤسساتها المُقدّس، ولو كان للبنان قضاءً مستقلاً بالفعل، وهيئات رقابية حقيقية لا تعمل تحت الضغط، لاكتظّت سجوننا بالمخالفين والمتعالين وزعماء الميليشيات، ولو علم المُشرّع الأوّل أنه سيأتي يوماً وسيتحايل به البعض على مصالح الدولة وشعبها، لنفض عن نفسه هذه المسؤولية ورفض أن يقوم بعمله، لأن ما يحصل اليوم يُعاكس التاريخ وجغرافيا لبنان الكبير.

الكتائب

مقالات ذات صلة