“الثنائي” استنفد الداخل فاستدار… يترقب الترياق الخارجي!
تبرير رئيس البرلمان نبيه بري تريّثه في الدعوة إلى الجلسة النيابية الـ13 لانتخاب الرئيس، بترقبه نتائج المداولات الخارجية الجارية، ولا سيما المحادثات الفرنسية السعودية وما خلصت إليه زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إلى طهران، يبدد المنطق الذي طبع الحملات الإعلامية كافة التي ساقها فريق «الممانعة» حول وقائع الجلسة الـ12. وبدا أنّ فريق الممانعة مثل الفرقاء الآخرين في المعارضة والسياديين، يترقب الترياق الخارجي.
هذه الحملات قامت على الترويج لهزيمة الفريق الآخر بعد حصول رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية على ثمانية أصوات أقل من أصوات الوزير السابق جهاد أزعور، مرشحة للارتفاع. استند هذا الترويج إلى تقديرات الفريق الآخر بأن الأول سيحصل على 46-49 صوتاً على الأكثر، وإلى أن أزعور سيحصل على 62-65 صوتاً. بدا الأمر على أنه أقرب إلى الجدل البيزنطي، فيما الجميع كان يدرك سلفاً أنّ تعطيل النصاب حاصل حتماً، للحؤول دون الانتقال إلى الدورة الثانية مهما كان تعداد الأصوات، لأنّ ما يضمره فريق الممانعة هو إبقاء الرئاسة معلقة في انتظار اتضاح المعادلة الخارجية التي يمكن أن تأتي بالرئيس. فالقياس الفعلي للانتصار أو الهزيمة، أو للتعادل السلبي يفترض أن يتضح في الدورة الثانية من الاقتراع، التي كان يمكن لفرقاء رماديين أن ينتقلوا عندها إلى إحدى الضفتين. فالدورة الأولى كان معروفاً أن أياً من الفريقين لن ينتصر أو ينهزم، حتى لو تقدم مرشحه على خصمه بعدد الأصوات.
أوحى الرئيس بري بقوله أيضاً إنّ البلد نجا من أزمة كبرى استناداً إلى معطيات لدى فريقه بأن جبهة المعارضة والسياديين وبعض التغييريين، بتقاطعها مع «التيار الوطني الحر» كانت تأمل بحصول أزعور على 65 صوتاً، فيعتبره النواب الذين صوتوا له فائزاً بالرئاسة حتى لو نسف الممانعون نصاب الجلسة، ثم يمتنعون عن الخروج من قاعة البرلمان، إلى أن يُعلن أزعور رئيساً، أو يعتصمون فيه مطالبين بدورة الاقتراع الثانية من أجل تكريس فوزه، ما يسبب توتراً بين المحورين ويعمق الأزمة السياسية ويحولها إلى أزمة دستورية تزيد من التشنجات الطائفية. وثمة من يقول إنّ تضخيم «الثنائي الشيعي» مخاوف من هذا النوع رغم أنّ بعض السياديين كان يلوّح بأفكار من هذا النوع، هدفه تعظيم الأمور من أجل تسويغ لغة «الانتصار» على مخطط «جهنمي» كان يستهدفه، فيما «الثنائي» مثل الآخرين يعوّل على الخارج، من باب إمساكه بالرئاسة معلقة على حبال التسويات الإقليمية، لعل إيران تستفيد منها كورقة في السياق التفاوضي وفي المقايضات بين الملفات، من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، ناهيك عن السعي الإيراني إلى الإفراج عن بعض الأرصدة المالية العائدة لها والمحتجزة بسبب العقوبات الأميركية.
بالنتيجة التي انتهت إليها الجلسة الـ12 أمكن لفريق الممانعة أن يعتبر أنه لم ينهزم، لأنّ المعادلة الداخلية لم تتمكن من إيصال رئيس غير مرشحه. لكن الجلسة أثبتت أيضاً، أنّ كل المحاولات الداخلية من أجل استمالة المزيد من النواب لصالح مرشحه قد استنفدت، وأنّ الاصطفاف الداخلي الرافض لدوره في السلطة السياسية واسع ويصعب اختراقه وأبواب تعديله لصالحه مقفلة، فلم يبقَ له سوى المراهنة على المعادلة الخارجية التي يأمل من خلالها أن تحصل إيران من السعودية على القبول بفرنجية.
مثلما يرى الفريق المعارض و»التيار الحر» أنّ تقدم أزعور بعدد الأصوات ثبّته كمرشح مستمر في المعركة، مقابل اعتقاد «الثنائي» أنّ خيار أزعور سقط، فإنّ معسكر الممانعة وجد في الإبقاء على مرشحه حاضراً في المشهد السياسي انتصاراً، يتمسك به في أي تفاوض يجري في الخارج حول الرئاسة وتركيبة السلطة في لبنان، حتى لو اقتضى الأمر القبول بمرشح ثالث تفرضه التسوية الخارجية المفترضة.
انتظار الخارج الذي سيتأخر التفاته إلى الملف اللبناني، لتقدّم الملفات الأخرى عليه، يطرح على جميع الفرقاء إدارة امتداد «الشغور المؤسساتي» كما وصفه بيان الرئاسة الفرنسية بعد محادثات الرئيس إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في وقت بات خفض خسائر الشلل في تلك المؤسسات بالغ الصعوبة. مع ذلك فإنّ أقل الخاسرين من هذا الشغور هو «الثنائي» الذي يتولى إدارته مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، من دون أي حرج.
وليد شقير- نداء الوطن