رئيس الجمهوريّة من لدننا … فإن قبلتم انتهى الفراغ وإن رفضتم فليدم الى الأبد!
“الرمادية” و”تطيير النصاب” في ميزان التفاهم الفرنسي- السعوديّ المنشود!
صوّت نوّاب “الثنائي الشيعي” وحلفاؤهم في الدورة الأولى للجلسة الثانية عشرة الخاصة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وسارعوا، قبل انتظار النتائج، الى مغادرة القاعة العامة لمجلس النواب، فطار النصاب، وخرجوا إلى الصحافيّين رافعين شارات النصر!
الإنتصار بالنسبة إلى “التعطيليّين” تجسّد في منع الكسب الممكن لجهاد أزعور على الخسارة المحتّمة لسليمان فرنجية، وإثبات أنّ الأكثرية التي ترفض التصويت لمرشّحها عاجزة عن إيصال مرشّحها الى رئاسة الجمهورية، ممّا يعطي “الثنائي الشيعي”، من خلال “حق النقض” القدرة على فرض تصوّره لما يجب أن يكون عليه المسار الرئاسي: رئيس الجمهوريّة من لدننا ولكم منّا الضمانات “التقنية”، فإن قبلتم انتهى الفراغ وإن رفضتم فليدم الى الأبد!
وهكذا، فإنّ “الثنائي الشيعي” يفرض فرضًا نسف النظام الديموقراطي بالآليات التي ينص عليها الدستور اللبناني، أي عقد دورات متتالية لمجلس النواب، حتى يخرج رئيس الجمهورية من صندوق الإقتراع بعد إجراء توافقات “إنتاجية” في كواليس القاعة العامة.
وهذا السلوك الإنتخابي الذي ينتهجه “الثنائي الشيعي”، منذ انعقدت أولى جلسات الإنتخاب مع حلول المهلة الدستورية، يأتي في توقيت مهم، إذ إنّ جهده ينصب على عدم إدخال تعديلات جوهرية على روح المبادرة الفرنسيّة مع التطور الذي سجّله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بتعيين وزير خارجيته السابق جان إيف لودريان موفدًا شخصيًا له الى لبنان، وبالتزامن مع وصول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى باريس حيث سيمكث لأكثر من أسبوع، وسيكون لبنان على جدول أعماله الذي حضّره مع المسؤولين الفرنسيين كل من المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا والسفير السعودي في بيروت وليد بخاري اللذين كانا في عداد “المفرزة السعوديّة السبّاقة”.
وإذا كانت السعودية، من خلال عدد من النوّاب السنة الذين سبق أن أعلنوا الولاء لها والوقوف على رأيها في الإستحقاق الرئاسي، قد تحوّلت الى “بيضة القبان” في الإنتخابات الرئاسية اللبنانية، في ضوء نتيجة الإقتراع أمس، إذ إنّه في حال أضيف ثمانية نواب على الأقل( رفضوا التصويت لأزعور وفرنجية) ب”تمنٍّ” من الرياض الى تسعة وخمسين نائبًا صوتوا لأزعور، يصبح هناك “بلوك انتخابي” مكوّن من سبعة وستين نائبًا يملكون القدرة على انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، فإنّ “الثنائي الشيعي” من خلال تأكيده على أنّه يتحكّم بالنصاب، يريد أن تبقى باريس على “واقعيتها السابقة” وتفاوض الرياض من منطلق “وجوب دفع الثمن للقوى التي تملك القدرة على توفير النصاب الدستوري”.
وفي حال توافقت الرياض وباريس على “تخصيب الأوراق” التي منحهما إيّاها تباعًا “نوّاب الإعتدال السنّي” ونوّاب “الثنائي الشيعي”، فإنّ “التسوية” هي التي سوف تفرض نفسها وتكون، من وجهة نظر “الثنائي الشيعي”، لمصحلته حتمًا!
ولو وافق “الثنائي الشيعي”، في مرحلة “شد الحبال” على التنازل عن ترشيح فرنجية لما وصلت الأمور الى هذا المستوى من التعقيد، لأنّ القوى التي تقاطعت على ترشيح أزعور كانت مستعدة للتوافق على شخصية ثالثة تتقاطع عليها القوى السياسية القادرة على إنتاج أكثرية ناخبة وعلى نصاب ضامن.
وهذا يعني أنّ “الثنائي الشيعي” لا يريد “تسوية” على إسم رئيس الجمهورية الجديد بل يريد فرض خطته على الجميع، مستفيدًا من دخول العامل الخارجي الذي يعتقد بأنّ باريس ستحوّله إلى مصلحته.
وعليه، فإنّ “الطابة الآن” في الملعب الخارجي، فهل ستتوصّل باريس الى تفاهم مع الرياض التي هاجمت عبر صحيفتها “حزب الله” ناسبة إليه التسبّب بكوارث لبنان، وتحاول من خلال لودريان تسويقه لبنانيُّا؟ وهل ستوافق القوى المسيحية التي قالت، في ضوء نتيجة التصويت في المجلس النيابي، إنّها استعادت حقها في تسمية رئيس الجمهوريّة، على هذا الإتفاق؟ وماذا سيكون موقف “الإتحاد الأوروبي” من معرقلي الإنتخابات، في ضوء التلويح بعقوبات؟ وماذا ستفعل الولايات المتحدة الأميركية، في حال أتى التوافق الفرنسي- السعودي لمصلحة “حزب الله” من خلال فرض “تحييد” سلاحه غير الشرعي عن كل نقاش؟ وهل يمكن الإكتفاء بتفاهمات سياسية برعاية خارجية أم ستكون هناك حاجة الى مؤتمر وطني شامل، حيث سيوضع النظام اللبناني برمّته على الطاولة، خصوصًا وأنّ الديموقراطية قد جرى نسفها من أساسها، مع نسف مبدأ الإنتخابات بفرض منطق …فرض التسوية؟!
فارس خشان- النهار العربي