المعركة الصامتة بين رئيس «التكتل» وعدد من نوابه.. تتمة!
لا رئاسة في المدى المنظور. لا مؤشرات جدية حول تسوية دولية بمشروع إنقاذي قد تزيل العراقيل وتغطّي «المتمرّدين» أو «المترددين» فتفتح الطريق إلى القصر. المشهد الداخلي إلى مزيد من التأزم، والخلاف السياسي بين القوى المعنية إلى مزيد من التعقيد.
وقبل أن يحرق رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل المزيد من الجسور التي تربطه بـ»حزب الله» ليمدّ «خيطانا» باتجاه خصومه في المعارضة، كان بالإمكان الرهان على خرق ما في الاستحقاق الرئاسي من خلال توليفة أو صياغة يمكن الركون إليها لجلب المزيد من الأصوات المؤيدة لترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية… ولكن بعدما قطع باسيل شوطاً لا بأس به في مشاوراته مع القوى المسيحية وتحديداً «القوات» و»الكتائب» ليبرهن أكثر أنّ الرجعة إلى الوراء باتت مكلفة جداً إن لم نقل مستحيلة، صار الرهان على انجاز الاستحقاق في وقت قريب، ضرباً من ضروب الخيال.
في التفصيل يتبيّن أنّه، سواء خرج «تكتل لبنان القوي» بموقف واضح وصريح يتبنى فيه ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، عملاً بما تريده المعارضة من باسيل لكي يثبت صدقيته والتزامه الفعلي بالتفاهم الحاصل حول أزعور، أم لم يخرج، كما حصل يوم الاثنين على أثر اجتماع «تكتل لبنان القوي»، فقد باتت معركة فرنجية في الوسط المسيحي صعبة، نتيجة «حملات الشيطنة» التي مارسها الثلاثي المسيحي، أي «التيار الوطني الحر» وتحديداً باسيل، و»القوات» والكتائب.
فبسبب «الحُرم» الذي ألقته القوى الثلاث على ترشيح رئيس «تيار المردة»، ونجاحها بالحدّ الأدنى في الالتقاء عند خطّ وسطي يقضي فقط بمنع وصول القطب الزغرتاوي إلى بعبدا، ولو من دون اتفاق متكامل أو مرشح بديل، صار يستحيل على أي نائب أن يفكّر بالخروج عن هذا التقاطع المسيحي. واذا ما فكّر فيه، لن يجروء على الاقدام على أي خطوة تظهره وكأنه يغرّد خارج السرب. لكونه سيصير معرّضاً للتصويب المباشر. حتى باسيل نفسه، اذا ما قرر أن يعيد النظر بخياراته، ليعود خطوة إلى الوراء، فقد يتمّ «صلبه» من جانب الرأي العام المسيحي بعدما تمّت تعبئته ضدّ ترشيح فرنجية.
اذاً، إنّ أبرز ما صنعه التقاطع غير المباشر بين الثلاثي المسيحي على رفض فرنجية، هو تكبير حجر الرفض لدى الرأي العام المسيحي، وحمله إلى ضفّة الرفض المطلق بحيث ستحتاج معركة فرنجية إلى الكثير من الجهود لكسر هذا الطوق، ولكثير من الوقت لكي تبرد النبرة والخطاب.
ولهذا، يعتقد مؤيدو فرنجية أنّ الوقت كفيل بتغيير «الأمزجة» وتهدئة النفوس خصوصاً وأنّ عارفي باسيل يجزمون بأنّ الرجل لم ييأس من محاولة استمالة «حزب الله» إلى مرشح ثالث، وهو لذلك لا ينهي أي اتفاق لتبني مرشح مشترك مع المعارضة، فتراه يفاوض ويناور ويناقش ويدرس، وكلّ ذلك في سياق «كلام الجارة والكنّة». ما يريده فعلاً رئيس «التيار الوطني الحر» هو العودة إلى تفاهم معراب ولكن بشروطه. أمّا «الحزب» فيتركه يسرح ويمرح بانتظار أن يتعب… خصوصاً وأنّ مناوراته، وفق راصدي حركته، لم تثمر بعد أي نجاح.
يقول هؤلاء إنّ جلّ ما فعله باسيل إلى الآن هو فتح عدّة جبهات منها الجبهة الداخلية التي يقودها عدد من النواب المعترضين على أدائه، ومنها جبهة العلاقة مع «حزب الله» بفعل إصراره على التمايز في الخيار الرئاسي، فيما انعدام الثقة يسود بينه وبين القوى المعارضة. وهي مشهدية ستؤدي به إلى تكبّد المزيد من الخسائر، من دون أن يربح في المقابل معركة ايصال أزعور إلى الرئاسة، لأنّ باسيل أصلاً لا يعمل على ايصاله، ومن دون أن يربح أيضاً ثقة المعارضة.
بالنتيجة، هو يواصل سياسة زرك نفسه في الزاوية أكثر من خلال تبني خيارات لا عودة منها، قد تكلفه كثيراً، بعدما نجحت المعارضة في جنحه عن تفاهم «مار مخايل» ما أفقده هذا التحالف من دون أن يكسب في المقابل أي تحالف جديد.
ولهذا يتّسم أداؤه في هذه المرحلة بسمة «الحدّ من الخسائر». بهذا المعنى يمكن فهم الاجتماع الأخير لـ»تكتل لبنان القوي» والذي حرص باسيل على إشراك الرئيس السابق ميشال عون في مجرياته، من باب دعمه على تليين موقف النواب المعترضين، وعددهم سبعة من العونيين، غير نواب الطاشناق طبعاً.
عملياً، تدلّ الوقائع على أنّ الفريقين يستهيبان الخلاف أو الاختلاف بينهما ازاء الاستحقاق الرئاسي، ويحاذران بلوغ نقطة اللاعودة، أو المواجهة المباشرة أو الكباش المُدمي الذي قد يدفع إلى خطوات تصاعدية، يفضّل كلا الفريقين أن يتجنّباها. ولهذا انتهى الاجتماع إلى اتفاق على ترك أبواب النقاش مفتوحة، مع تسجيل النقاط الآتية:
تمكن النواب المعارضون من تحقيق الهدف الأول من تمايزهم الذي اتخذ في الفترة الأخيرة طابعاً علنياً بعدما كان ضمن الجدران المغلقة، وهو فرض الشراكة في القرار الرئاسي على باسيل بمعنى أنّ أي خيار يفترض أن يتخذ بقرار مشترك مع النواب، وهي خطوة إن حصلت تكون سابقة في تاريخ «التكتل». كما تمكنوا من ترك الخيارات الرئاسية مفتوحة تحت عنوان أنّ أحد نواب «التكتل» أحق بالترشح، وهو خيار لا يزال باسيل يهمله ما اضطر هؤلاء النواب إلى اخراج اعتراضهم إلى الخارج… وبالتالي للمعركة الصامتة بين رئيس «التكتل» وعدد من نوابه، تتمة.
في خلاصة المشهد الاقليمي: الرئاسة عالقة في خرم الاصطفاف الداخلي الذي حمل طابعاً طائفياً يزيد من تعقيده. الشغور مرشّح لأن يطول أكثر في ضوء انسداد الأفق، فيما غياب التسوية الاقليمية – الدولية يحول دون جذب مؤيدي فرنجية «المكتوميّ القيد» إلى ضفّته بشكل رسمي وعلني، ويترك الكرة في ملعب اللبنانيين الذي صار بمربعات كثيرة.
كلير شكر- نداء الوطن