مُسيّرات تستهدف العاصمة الروسية… العين بالعين!
اتهم وزير الدفاع الروسي أوكرانيا الثلاثاء بتنفيذ “هجوم إرهابي” على العاصمة الروسية باستخدام طائرات مسيّرة، مؤكدا في نفس الوقت بأن نظام الدفاع الروسي المضاد للطائرات كان يعمل على أحسن وجه.
وفي المجموع، أعلنت السلطات الروسية عن اعتراض خمس طائرات مسيّرة وعن تعطيل ثلاث أخرى كانت في نفس المسار، من خلال عمليات التشويش الإلكترونية. لكن حسين علييف المتخصص في النزاع بأوكرانيا في جامعة غلاسكو، لفت إلى أن العديد من وسائل الإعلام المحلية الروسية “ذكرت أنه كان هناك ما بين عشرين وثلاثين طائرة بدون طيار استهدفت موسكو”.
طائرات مسيّرة بعيدة المدى
في ظل هذا التباين في المعلومات الواردة من روسيا، من الصعب رسم صورة واضحة ودقيقة عن حجم الهجوم. في حين أظهرت عدة صور ومقاطع فيديو تم تداولها على المنصات طوال صباح الثلاثاء، سحب الدخان المتصاعدة في منطقة موسكو، وتضرر العديد من المباني بشكل جزئي إثر الهجمات التي شنتها هذه الطائرات المسيّرة.
في هذا السياق، نشر النائب الروسي ألكسندر خينشتاين لائحة بخمسة مواقع في العاصمة الروسية ومحيطها أين تم إسقاط الطائرات المسيّرة. من جانبه، أوضح غوستاف غريسيل المتخصص في القضايا العسكرية الروسية في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية ومقره برلين: “يبدو أنهم اتجهوا نحو الجنوب الغربي من موسكو، حيث توجد أكثر الأحياء الراقية في العاصمة” الروسية.
في المقابل، وفيما رحّبت بالهجوم، نفت كييف أي تورط لها في هذه الهجمات. وقال ميخايلو بودولياك أحد أقرب مستشاري الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: “نحن طبعا سعداء بمراقبتها ونتوقع زيادة في عدد الهجمات. لكن، طبعا، لا علاقة لنا بهذا بشكل مباشر”.
يقول حسين علييف إن “الصور والفيديوهات المتوفرة تُظهر أجهزة تشبه كثيرا طائرات المراقبة المسيّرة المصنوعة في أوكرانيا”. بدوره، يرى دانيلو ديلي فاف المتخصص في الإستراتيجية العسكرية في الفريق الدولي لدراسات الأمن (ITSS-VERONA)، أن “كل شيء يشير إلى أن الأمر يتعلق بطائرة UKRJET UJ-22 المسيّرة للمراقبة المدنية الأوكرانية التي يمكن تجهيزها بعبوات متفجرة صغيرة”.
لكن ما مدى أهمية هذه الأجهزة؟ يقول دانيلو ديلي فاف إنها طائرات مسيّرة بعيدة المدى. وهو يوضح بهذا الصدد: “يمكنها الطيران لمسافة 800 كلم، وحتى 1000 كلم إن تم تعديلها”. لهذا، فمن الممكن أن يكون قد تم إطلاقها من الجهة الأخرى من الحدود الأوكرانية-الروسية، التي تقع بالتحديد على مسافة ألف كيلومتر من العاصمة الروسية.
العين بالعين، والعاصمة بالعاصمة؟
من غير المستبعد أن يكون هذا الهجوم جزءا من حملة أكبر للتوغل الأوكراني في الأراضي الروسية. فقد وقعت مؤخرا غارة لفيلق “حرية روسيا (مجموعة شبه عسكرية من المتطوعين الروس المناهضين لبوتين ومقره أوكرانيا)” في منطقة بيلغورود الروسية شمال خاركيف، ووقع توغل آخر قرب بريانسك غير بعيد عن بيلاروسيا، وتم أيضا إرسال مسيّرات بحرية لتدمير الأسطول الروسي المتمركز حول شبه جزيرة القرم.
يشرح حسين علييف أن هذا الجهد العام يهدف إلى “إجبار موسكو على حشد قوات للدفاع عن الأراضي الروسية، فيما كان يمكن لها أن تكون مفيدة في جنوب أوكرانيا وفي دونباس، أين يقال إن استعدادات تجري تحضيرا لشن الهجوم الأوكراني المضاد”.
لكن هذه المرة، يتعلق الأمر بموسكو. ومن المؤكد أن هذه ليست أول مرة تستهدف العاصمة الروسية بطائرة مسيّرة. ففي أوائل مايو/أيار، اعترفت روسيا بإحباط هجوم جوي فوق الكرملين، حتى إن السلطات الروسية قالت إن تلك كانت محاولة لاغتيال الرئيس فلاديمير بوتين.
رغم ذلك، يبقى أن هجوم صبيحة الثلاثاء كان أكبر حجما بكثير. يخلص حسين علييف إلى “أنه تصعيد لأنها لم تعد طائرة بدون طيار واحدة فقط كما كان الحال في مطلع مايو/أيار، بل العديد منها، وهي أيضا مطوّرة أكثر ومجهّزة بعبوات متفجرة أكبر”.
ويرى خبراء حاورتهم فرانس 24 أن أهمية الهجوم تكمن في الهدف المسطّر، وليس فقط مجرد توغل آخر لإحباط خطط موسكو لتنظيم قواتها لمواجهة الهجوم المضاد الأوكراني المرتقب.
في هذا الشأن، يؤكد غوستاف غريسيل: “لو أراد الأوكرانيون الكشف عن عيوب الدفاعات الروسية المضادة للطائرات، لما كانوا اختاروا استهداف موسكو، التي تبقى أكثر مدينة محمية في البلاد”. يضيف هذا الخبير العسكري: “كان ضرب أهداف مثل مستودعات الذخيرة أو المطارات على الأراضي الروسية سيدفع الجيش الروسي بشكل أكبر إلى تعزيز دفاعاته على المستوى الوطني”.
بدوره، أشار دانيلو ديلي فاف إلى “أنه بالأحرى رد فعل من أوكرانيا على القصف الذي يستهدف كييف منذ بضعة أيام”. إنه بشكل ما، بمثابة العين بالعين، والعاصمة بالعاصمة. لكن من المؤكد، أن شدة هذا الهجوم بالطائرات المسيّرة لا تعادل عنف القصف الصاروخي الروسي على كييف. يرى حسين علييف أن تلك هي الرسالة الأوضح حتى الآن ومفادها: “إخبار الروس أن عاصمتهم باتت في مرمى الأسلحة الأوكرانية”.
تخويف الأثرياء
وليس ضد أي روسي! حيث كشفت صور سحب الدخان المتصاعد في أحياء العاصمة الروسية الراقية، عن أن كييف قادرة على “استهداف أماكن النخبة في موسكو، هناك حيث يمكن أن يكون لفلاديمير بوتين نفسه مسكنا”، حسبما يوضح غوستاف غريسيل.
كذلك، قد يكون الهجوم تشغيلا تجريبيا. يقول حسين علييف: “طوال الشتاء، عملت الصناعات العسكرية الأوكرانية بكامل قدراتها لإنتاج الآلاف من الطائرات المسيّرة. حان الوقت لاستخدامها وهجوم صبيحة الثلاثاء يوضح بأن موسكو يمكن أن تكون أحد الأهداف الرئيسية”.
في ظل هذا السياق، كان يمكن لكييف أن تتبنى هجومها بشكل صريح أكثر. لكن من الأكيد، عليها أيضا أن تتفادى حساسيات حلفائها الغربيين. يقول دانيلو ديلي فاف: “من الصعب على الأوكرانيين الاعتراف بشكل رسمي بأن لديهم نشاطا عملياتيا على الأراضي الروسية، لأن الدعم اللوجستي الغربي مشروط بضرورة أن تدافع كييف عن نفسها فقط”.
يضيف هذا الاختصاصي، أن لأوكرانيا سبب آخر لإبقاء عملياتها سرية. وهو يشرح: “هي طريقة لتغذية جنون العظمة لهيئة الأركان العامة الروسية”. لا يمكن بتاتا للكرملين استبعاد فرضية أن هناك عدوا من الداخل يعمل بالتنسيق مع كييف لزعزعة استقرار السلطة الروسية، ما يعطي الانطباع في موسكو أن جيشها يجب أن يقاتل على عدة جبهات، وضد عدة أعداء.
فرانس 24