نجوى كرم… المكانة محفوظة ولكنّ إحساساً بالخيبة تسرَّب!
تسبق نجوى كرم فنانين إلى التجديد المُبتكر، ومفاجأة الجمهور بالاختلاف والتمايز. وحين لم يجرؤ أحد، قبل أكثر من عقد، تجرّأت وغنّت الإيقاعي السريع بسحر الطبلة والـ«دوم تاك»، وكانت السبّاقة في نفض الماضي للالتحاق بالآتي. راح بعضٌ يكرّس نهاية زمن الألبوم بذريعة متطلّبات العصر وتغيُّر شكل العطاء الفني، لتعود هي وتؤكد أنّ الأصل لا يهتزّ وإن سطت عليه فورات واستبعدته موجة طارئة.
«كاريزما» اسم ألبوم «شمس الأغنية اللبنانية»، بإصدار شركة «روتانا». ليت خيار افتتاح أولى أغنياته وقع على «عشر دقايق» بدلاً من «شغّل موسيقى» التي أطلقتها إلى الجمهور ولم تكن بحجم التوقعات. حدوث العكس، لم يعلن عن بداية موفقة تماماً، من دون أن يعني ذلك تعميم الانطباع حيال الألبوم كاملاً. الورود مُحتملة ضمن الباقة، وعادة نجوى كرم الحرص على تنوّع الحديقة.
الانطلاق بـ«شغّل موسيقى» (كلمات عامر لاوند، وألحان علي حسون وتوزيعه)، يترك باباً مفتوحاً على رجاء أن يكون الآتي أفضل. فالأغنية عادية في موضوعها وتركيبتها، لا تعلق في الذهن على الفور. حاول مخرج الفيديو كليب، دان حداد، تأطيرها بصورة خلّاقة، وكسبَ رهانات تتعلق بالإطلالة المتفوّقة للنجمة، لجهتي الحضور والأزياء، لكنّ إحساساً بالخيبة تسرَّب.
معضلة نجوى كرم في بعض أغنياتها الأخيرة، الموضوع الميّال إلى التكرار. يكاد فنّ السنوات الماضية يتشابه، بتوجّه ممل إلى الحبيب الهائمة بغرامه. خروج «عشر دقايق»، ثاني أغنيات ألبومها الجديد (كلمات وسام الأمير وألحانه، بعد غياب عن تعاون يجمعهما)، من الفكرة المُعادَة، وهي غالباً الشوق نفسه للرجل؛ منحها قيمة فنية، تُضاف إليها لمسات الشعر الغنائي والنغم. فهي، إلى كونها تُذكّر بـ«نجوى الزمن الجميل»، تبدو جديدة في طرحها موضوعاً خارج الاستهلاك. عن الحب الفجائي المستتر خلف كذبة، وذلك الخفقان غير المفهوم؛ تغنّي.
لا يزاحم أحد نجوى كرم على مكانتها. نجمة من لبنان تلمع على مسارح العالم. لكن ذلك لا يعني أنّ كل ما غنّته أخيراً جدير بالتصفيق. باسم التجديد وتصدّر «الترند»، تتورّط، مثل آخرين، بغناء لا يدوم. يشتعل ثم يهمد. لا يرتقي إلى بصمة. مَن نشأ على أغنياتها، تعزّ عليه المقارنات، وسيظلّ يراها جائزة وإن تغيّر الزمن وأشكال التسويق ومفاهيم النجاح.
اليوم، تتكلم الأرقام. وتحت الفيديو كليب على «يوتيوب»، رقم مشاهدات يتبارى الفنانون على الأصفار الإضافية في آخره. وهذه الأرقام لا علاقة لها دائماً بالنوع والقيمة الفنية. معاييرها أحياناً غير منصفة. وحجمها مستمدّ من شعبية المغنّي، قبل التقييم النقدي الرصين للأغنية من كلمات ولحن وتوزيع وأداء وصورة، فتكسب إثره موقعها المُستحق.
اختيار الأغنيات، معضلة كبرى. أي هَمّ يسيطر أمام عدد الكلام وتعدّد الألحان في حوزة الفنان؟ لا يبدو الهَم نوعياً، بقدر ما هو رغبة في محاكاة زمن السهل. وليس المقصود بالنوعي طربيات كلثومية وغناء القصيدة والمعلّقات. بل ما يحمل معنى. Make sense، بالإنجليزية. فلا تكون الأغنية فقاعة سرعان ما تتلاشى ليتطاير الوَقْع والأثر.
الغناء تسالٍ، سيُقال. وهو ملء الوقت الثقيل بلحظات لطيفة. وأيضاً، استراحة من فداحة الحياة والوجوه العابسة. كله يصحّ. لكن ذلك لا يعني إرسال المستوى الفني إلى المقاعد الخلفية والتلويح له من مسافات. الأشطر، هو القادر على الترفيه اللائق واكتساح المنصات بالمحتوى القيِّم. فلا تولد الأغنية وبيدها سجل وفاتها. ولا يكون عيشها مقتصراً على أيام وشهر. وفي حدّ أقصى على شهور قليلة بدفعٍ من نجومية الفنان. لا نزال نغني روائع أيام خلت، وفي كل حفل، يصدح الجمهور بالساكن في الذاكرة، منذ «عم يرجف قلبي يا إمي»، و«روح روحي»، و«على مهلك يا هوا» و«ورود الدار»… وإن شئنا العدّ لطالت السطور وفاح العطر.
«حرّك إحساسي بحركاته، خربطلي قلبي ودقاته، شو عم بصير… سحرني وتمكّن مني، برضايي ومش غصباً عني، شعور خطير»، تغنّي «عشر دقايق» من نَفَس وسام الأمير، صديق نجاحات ومراحل.
يغلب «شغّل موسيقى» إحساسٌ بالوقوع في أسر «الترند». فالجملة الدارجة «شغّل موسيقى حزينة»، مُلحقةً بـ«دُور ولفّ المدينة، والخالص عمره يموت، علِّي علِّي هالصوت»، تتيح التساؤل: ما هذا الكلام؟! يسمّونها «الست نجوى» لمكانتها ووفائها لإعلاء الأغنية اللبنانية. المكانة محفوظة لكن بعض الأغنيات لا يضيف.
فاطمة عبدالله- الشرق الاوسط