أطفال الشوارع يتكاثرون… من يستغلّهم: وكيف يجب على الناس أن تتعاطى معهم؟؟
يتزايد عدد أطفال الشوارع أو المتسولين في لبنان خصوصاً في شهر رمضان، إذ يستغلّ هؤلاء الصدقة والزكاة، فنجدهم بصورة مبالغ فيها أمام المساجد حيث باتوا يمارسون التسول كمهنة ليس خلال المواسم الدينية وحسب، بل تراهم دوماً في وسائل المواصلات العامة وأمام المستشفيات أو البنوك والأسواق والمحال التجارية وجوانب الطرق، وفي أماكن إشارات المرور والمطاعم والمقاهي والأماكن العامة ليصبح أطفال الشوارع جزءاً من نسيج المجتمع الوطني اللبناني.
وأكدت مديرة المشروع الوطني لمكافحة التسول في وزارة الشؤون الاجتماعية سيما معاوية منذر في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن الوزارة ليست لديها أي إحصاءات واضحة في هذا الموضوع لأن أطفال الشارع متحركون غير ثابتين، بالإضافة إلى أن أي جهة لم تتكفل برصد هؤلاء الأطفال لمعرفة عددهم، ولكن طبعاً أي وجود لأطفال على الطرق هو ظاهرة بحسب علم الاجتماع. لذلك لا داعي لإجراء إحصاء في هذا الشأن لأنه ظاهر للعيان وهو مشكلة إجتماعية وواضح جداً أن لدينا وجوداً كبيراً وتزايداً للأطفال بنسب مختلفة بين منطقة وأخرى.
وقالت منذر: “بالنسبة الى أطفال الشوارع فإن السوريين يحتلون الغالبية العظمى كنسبة أكبر من الأطفال اللبنانيين، ونلاحظ اليوم أن هناك تسرباً مدرسياً كبيراً للأطفال اللبنانيين ولو أن هؤلاء لا يتواجدون بصورة كبيرة على الطريق لأن اللبنانيين سوى قلّة منهم لا يرسلون أولادهم إلى الشوارع لكنهم يشغّلونهم، فنرى أطفالاً لبنانيين كثيراً في سوق العمل اللبناني”. وحمّلت المسؤولية الكبيرة في هذا الإطار لوزارة التربية “فالإضرابات المستمرة التي أتت بعد سنتي إقفال قسري بسبب كورونا أدت إلى تسرب عدد كبير جداً من التلاميذ اللبنانيين من المدارس فأصبح الأطفال رهينة هذا الواقع الذي أدى إلى أن يصبح أولاد الفقراء خارج المدارس”.
كيف يجب على الناس أن تتعاطى معهم؟
“في الحقيقة إن الأطفال الموجودين على الطريق غالبيتهم من السوريين وليسوا جميعاً في عصابات منظمة، فهناك أشخاص ينزلون إلى الشارع لأنهم محتاجون. لكن في شهر رمضان تتكاثر أعدادهم دائماً ليستدرّوا عطف الناس دينياً فيزكّون لهم ويتصدّقون عليهم”، بحسب منذر التي لفتت إلى أن ثلاثة أرباع هذه العائلات تتقاضى أموالاً من الأمم بالإضافة إلى ما تأخذه من بطاقات لتأمين التدفئة والتغذية والتغطية الصحية وتحصل على كل ذلك بالدولار وتأخذ على كل ولد نسبة معينة، والرجال المتزوجون من أكثر من امرأة أنجبن جميعهن عدداً كبيراً من الأولاد. مثال على ذلك الرجل السوري الذي يسكن في القاع البقاعية وتم نشر وتداول فيديو له على مواقع التواصل الإجتماعي ولديه ست عشرة ولداً. وتساءلت: لماذا يتم التعاطف مع هؤلاء الأهالي في الوقت الذي يستغل بعضهم أطفالهم ويستخدمونهم لتزيد الأمم والمنظمات المسؤولة عنهم تمويلهم؟
من هنا، لا تشجع منذر أحداً على إعطاء الأطفال المتسولين المال، مشددة على ضرورة أن تلاحق قوى الأمن الأشخاص الذين يستغلون هؤلاء الأطفال وهم عادة عصابات. أما حال الأطفال الموجودين في الشارع فتصفه بالجرم والاستغلال والإتجار، طالبة من الذين يريدون المساعدة أن يعطوهم المأكل والمشرب والملابس لكن لا يجب أبداً إعطاؤهم المال.
مساعدات أممية غير مشروطة
بالنسبة الى دور وزارة الشؤون الاجتماعية في الحد من هذه الظاهرة، أوضحت منذر أن هذا العمل ليس عمل وزارة الشؤون وحدها بل إنها تقوم بالترقيع وراء وزارات أخرى مثل وزارة التربية، أو وراء الأمم التي توزع مساعدات غير مشروطة على العائلات السورية وأطفالها. وتساءلت: لماذا تقوم الأمم بإعطائهم الأموال ولا تشترط عليهم كما الدول الأوروبية أن لا يعطوا أموالاً للأطفال إذا لم يكونوا موجودين على مقاعد الدراسة؟ فـ”اليونيسف” تغطي جميع الأطفال السوريين على الأراضي اللبنانية مجاناً في المدارس الرسمية مع قرطاسيتهم وكتبهم وحتى الشنط المدرسية بالإضافة إلى تكاليف تنقلهم من وإلى المدرسة، بينما لا يحصل اللبنانيون على جزء واحد من هذه المساعدات.
وإذ حمّلت منذر مسؤولية أي طفل موجود خارج المدرسة سورياً كان أم من جنسية غير لبنانية، للأمم ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، الجهتين اللتين تشجعانهم وتعطيانهم الأموال وهي غير مشروطة في الوقت التي تكون مشروطة في دول أوروبا، رفضت الحديث عن أن وضع شروط لتوزيع الأموال على السوريين عمل غير إنساني، معتبرة أن تنزيل الأطفال الى الشارع واستخدامهم في فعل “الشحادة” هو العمل غير الإنساني، فكيف يفهم المعنيون الانسانية وحقوق الانسان في هذا الاطار؟
وبالنسبة الى الأطفال اللبنانيين، طالبت منذر وزارة التربية بالقيام بواجباتها تجاه المتسربين من المدارس، محذرة من أن “الطرق ستكون مصيرهم في النهاية إذا استمرت الاضرابات وتدهور وضع التعليم في المدارس الرسمية أكثر”.
دور الدولة
التقصير من الدولة اللبنانية وهي ليست غافلة أبداً عن الظروف التي مر ولا يزال يمر بها لبنان منذ بداية ثورة 19 تشرين وتدني قيمة الليرة اللبنانية جراء بدء ارتفاع سعر الصرف والوضع الإقتصادي الكارثي إلى انفجار المرفأ ثم إقفال البلد لمدة سنتين بسبب جائحة كورونا وإقفال عدد كبير من الشركات وارتفاع نسبة البطالة. لكن الشعب اللبناني كطائر الفينيق ينفض الغبار عن نفسه ويقف من جديد.
وطالبت منذر الدولة اللبنانية بأن تقوم بواجباتها وتعتمد على سياسة مالية تدعم الاقتصاد اللبناني وتتفاهم مع القيّمين على وجود النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية كون الدولة لم يعد باستطاعتها أن تتحمل هذا العبء ويجب أن تكون الأولوية للأطفال اللبنانيين المتسربين مدرسياً.
والحل للحد من ظاهرة التسول المتزايدة هو بتأمين العودة الآمنة للسوريين خصوصاً أن مفهومهم الاجتماعي يختلف عن المجتمع اللبناني، كما قالت منذر بصفتها باحثة إجتماعية أيضاً: “إن الأفضل وضع إجراءات لطريقة عودتهم وأن يأخذوا المساعدات التي تقدم لهم في بلدهم وليس في لبنان، وأن يفسحوا المجال للحكومة اللبنانية كي تعالج مشكلاتها الداخلية. فالدولة اللبنانية لا تستطيع أن تقوم بواجباتها تجاه أي سوري يعيش على أراضيها خصوصاً أن القوانين الدولية تمنع الجهات المعنية في لبنان من التعاطي مع أي ولد أهله موجودون ويُجرِمون بحق أطفالهم”.
على أمل أن تتضافر وتتكاتف جهود الوزراء والادارات الخدمية للقضاء على الظواهر السلبية التي يتعرض لها الأطفال المتسولون في لبنان قبل أن تهدد هذه الظاهرة الأمن القومي والاجتماعي والاقتصادي.
لبنان الكبير