هوكشتين«ملتبس الولاء»: يستيقظ إسرائيلياً ويتذكّر أنه «وسيط» أميركي!

منذ بروزه نجماً في المفاوضات بين لبنان وكيان العدو، ظلّ عاموس هوكشتين شخصاً «ملتبس الولاء»، ليس بالنسبة إلى اللبنانيين فقط، بل حتى للأميركيين والإسرائيليين. الشاب الذي وُلد وتشكّل وعيه في كيان الاحتلال، قدّم نفسه منذ اليوم الأول على شكل «رجل الصفقات». صفة تدفع للاعتقاد بأنه «نموذجي لفريق دونالد ترامب»، ما دفع إلى التساؤل عن خلفية قربه من الحزب الديمقراطي، علماً أن غالبية ساحقة من يهود أميركا هم أقرب إلى الحزب الديمقراطي، استناداً إلى نظرة خاصة لهؤلاء إلى مصالح اليهود داخل الولايات المتحدة، وهي أولوية توازي وحتى تتقدّم على أولوية حماية إسرائيل. وفي الانتخابات الأخيرة، كان قادة العدو يصلّون ليلَ نهارَ لفوز ترامب. ورغم أن إدارة جو بايدن هي من أكثر الإدارات صهيونية إلا أن ذلك لم يكن، بالنسبة إلى يهود إسرائيل، دليلاً كافياً على انخراطها في أولويات إسرائيل.

هوكشتين الذي بنى صداقات كثيرة في العالم العربي، وفي لبنان أيضاً، لا يهتم بلعبة إنكار هويته الإسرائيلية. وهو يقول إنه اليوم مواطن أميركي، يعمل في خدمة بلاده التي تربطها علاقة خاصة بإسرائيل. وعندما يمنح نفسه هامشاً من «القوة في التأثير»، يضطر إلى تذكير مجالسيه بأنه «أفضل من يعرف إسرائيل وقادتها ومصالحها أيضاً».

في بيروت، يسأل أحد المفاوضين اللبنانيين بخبث عن كيفية جلوس هوكشتين أمام رئيس حكومة العدو. هل يفقد سيطرته على شخصيته كمبعوث أميركي، أم يجلس كموظف أمام رئيسه الأعلى؟ ومعضلة هوكشتين، تشبه معضلات عدد كبير من يهود أميركا الذين تفاوضوا مع حكومة إسرائيل بشأن ساحات الصراع مع العرب. والمشكلة لا تكمن في أي قبّعة يضعها هؤلاء على رؤوسهم، بل في النظرة التي يرمقهم بها قادة الكيان. هكذا عندما جاء أنتوني بلينكن إلى إسرائيل غداة 7 أكتوبر، كان مهتماً بأن يبادر إلى إبلاغ نتنياهو، بأنه «موجود هنا كيهودي» قبل أن يكون مسؤولاً أميركياً. ولم يكن نتنياهو ينتظر من الرجل كلاماً آخر، ولا مضطراً لتذكير بلينكن بأنه يهودي. وهي عادة يلجأ قادة العدو إلى اعتمادها عندما يجدون «إفراطاً من قبل اليهود في إبراز الهوية الأميركية».

كاتب سيناريو الحوار في فيلم «غولدا»، الذي يعرض سيرة رئيسة حكومة العدو الراحلة غولدا مائير، لجأ إلى حوار معبّر بينها وبين وزير الخارجية الأميركي الشهير هنري كيسنجر. زارها الأخير في مكتبها ليبلغها بأن واشنطن تريد وقف الحرب مع مصر وسوريا فوراً. بدأ كيسنجر الحديث بالقول: «أنا هنا، بصفتي أولاً وزيراً لخارجية أميركا، وثانياً، بصفتي صديقاً لكِ ولإسرائيل، وثالثاً، بصفتي يهودياً أيضاً». ابتسمت مائير وردّت قائلة: «تعرف أننا في لغتنا العبرية نقرأ من اليمين إلى اليسار وليس كما تفعلون أنتم بالإنكليزية»، لافتة إياه إلى أنه يهودي أولاً، وصديق لإسرائيل ثانياً، ووزير لخارجية أميركا أخيراً!

لا أحد يعرف كيف يتحدّث هوكشتين مع المسؤولين الإسرائيليين، وهل يفعل ذلك بالعبرية أم بالإنكليزية كما يروّج الأميركيون؟ لكنه في كل الأحوال، يبقى يهودياً إسرائيلياً وصاحب طموحات لا يرى أنها تتعارض مع مصالح إسرائيل. ولذلك، فإن البحث عن مصداقيته كوسيط ليس مفيداً بالمرة. فمن قبل به في اليوم الأول لقدومه كمستشار أول للطاقة، كان يعرف كل ذلك، ومن يعرف أميركا جيداً لا يحتاج إلى تمييز يهودي عن إنجيلي أو كاثوليكي في سمات وجوه الموفدين، الذين يبقون حتى تاريخ استقالتهم أوفياء لما تريده الدولة العميقة في أميركا، والتي تقف إسرائيل في رأس أولوياتها.

لكن ثمة نظرة إسرائيلية خاصة إلى الرجل، وهو ما يظهر في تقرير نشره إعلام العدو قبل أيام، وجاء فيه أن هوكشتين «رغم أنه وسيط يُفترض فيه الحياد، يؤدّي خلال المفاوضات مع لبنان دور ممثل إسرائيل، ويسعى إلى تمرير أهدافها وتعزيز مصالحها».

في الإعلام العبري يصفونه بأنه إسرائيلي يرتدي قبعة أميركية. لكنّ الرجل لم يعد يضع القلنسوة اليهودية، رغم اعتياده عليها خلال نشأته في إسرائيل، التي وُلد فيها، وخدم في جيشها، ولا تزال تحتضن عائلته.

وُلد هوكشتين في القدس المحتلة، في 4 كانون الثاني 1973، لأبوين مهاجرين من الولايات المتحدة. درس في مدرسة مقدسية عادية قبل أن ينتقل بعد أعوام إلى مدرسة «نتيف مئير» الدينية، ومنها إلى مدرسة «هارتمان» الدينية أيضاً. وبحكم نشأته، يتقن عاموس العبرية، وهو كان مندمجاً في المجتمع الصهيوني الديني، ويتذكّر أقرانه أنه لم يكن متفوّقاً دراسياً، إلا أنه كان شقياً وناشطاً في بيئته بالقدس. التحق بالخدمة العسكرية الإلزامية، وخدم في سلاح المدرعات بين عامي 1992 و1995، اي إن سنوات خدمته كانت خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان (1982-2000). كما تزامنت فترة خدمته مع «حرب تموز 1993» وكان شاهداً على فشل جيش بلاده في «تدمير قدرات حزب الله».

في العشرين، قرّر السفر إلى أميركا لـ«تحقيق أحلامه في موطن والديه الأول». لكنه أخذ معه كل انتمائه الديني والاجتماعي والسياسي أيضاً، سيما أنه ينتمي إلى عائلة شديدة التمسك بيهوديتها. فقد كان والده ميكاييل هوكشتين رجل أعمال، أدار مدرسة البنات الدينية «بليتش»، فيما نشطت والدته سوزان في جمعيات نسائية وقدّمت خدمات جعلتها تحصل على لقب «حبيبة القدس».

منذ صغره، يلجأ عاموس إلى قصة شعر تتيح له «تمشيط شعره على جانبه»، لكنه كان يعتمر قلنسوة صوفية صغيرة، وكان بالنسبة إلى أقرانه «مثالاً للفتى التقليدي في حركة بني عكيفا»، وهي منظمة شبابية صهيونية دينية تأسّست عام 1929. وبعد سفره، بقي والداه في منزلهما بحي رحافيا، وسط القدس المحتلة، حيث يحرص على زيارتهما خلال رحلاته المتكررة إلى إسرائيل.

يُعرّف هوكشتين نفسه بأنه «يهودي أرثوذكسي حديث». عندما تزوج، اختار ناشطة في الاتحادات اليهودية الأميركية تدعى جولي راي رينجل، وهي عضوة في هيئة التدريس في جامعة جورجتاون. ويحرص هوكشتين وزوجته على إظهار تديّنهما. مع الوقت، اندمج عاموس سريعاً في المجتمع الأميركي، وتحوّل فجأة إلى عضو بارز في فريق الموظفين التابعين للحزب الديمقراطي في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، بعدما بدأ حياته السياسية كمتدرب في لجنة الشؤون الخارجية عام 1994، قبل أن يتولى منصب مدير السياسات والموظفين في اللجنة حتى عام 2001. وهو ينتهز الفرص لإظهار انتمائه الديني، ويروي متفاخراً، أنه «جلس مع 25 مندوباً يهودياً على الأرض خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي عام 2005، وقرأوا معاً سفر مراثي إرميا من العهد القديم». وقد وصف عاموس اللحظة بأنها «مؤثّرة، حيث لا توجد دولة أخرى في العالم، يدمج فيها المندوبون في مؤتمر الحزب قراءة نص ديني في فعاليات المؤتمر».

خلال مسيرته، تكرّر دخوله إلى فريق موظفي الإدارة الأميركية لدى وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض. وعندما يفوز الجمهوريون، كان يتوجه للعمل في القطاع الخاص. وكانت أولى مهامه السياسية السفر إلى بغداد، للتفاوض على رفع عقوبات أُقرت في عام 1991 على نظام الرئيس الراحل صدام حسين. لكن ما هو المقابل الذي طلبه عاموس يومها؟ «نريد من العراق استضافة اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان».

في عهد الرئيس باراك أوباما حاول الالتحاق بفريق الإدارة، لكنّ الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ رفضت تعيينه مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الطاقة، قبل أن يُعيّن بالفعل في عام 2011. وفي تلك الفترة، توثّقت علاقته مع جو بايدن. بحلول عام 2014، عيّنه أوباما مبعوثاً خاصاً لشؤون الطاقة في وزارة الخارجية، وكانت أولى ثماره «توقيع صفقة بيع الغاز الإسرائيلي للأردن». وعندما وصل ترامب إلى الحكم عام 2017، توجه هوكشتين للعمل في مجال الغاز والطاقة. وبقي حتى عام 2020، نائب الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الأميركية «تيلوريان»، ثم في شركة أوكرانية للغاز.

مع الإعلان عن فوز بايدن بالانتخابات عام 2020، بدأ عاموس يستعد للعودة إلى البيت الأبيض، وأراد بايدن تعيينه سفيراً في إسرائيل، قبل أن يختاره مستشاراً أولَ لأمن الطاقة في وزارة الخارجية.

بدا واضحاً أن هوكشتين حاز ثقة الرئيس الأميركي، ما دفع بالإعلام إلى وصفه بـ«رجل بايدن»، وأهّله لأن يستعين به في مهام إضافية في مجال الطاقة، بدأت مع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، قبل أن ينتقل إلى جهود حول قطاع الطاقة وسط الصراع العربي – الإسرائيلي. وكان هوكشتين يحضر غالبية اجتماعات بايدن مع قادة السعودية،ى والإمارات، ومصر، والعراق، ولبنان، إضافة إلى قادة «بلده الأول إسرائيل».

ضابط مدرّعات، شهد فشل حملة جيشه في تدمير قدرات المقاومة في تموز 1993

رغبة عاموس في اعتباره مندوباً أميركياً وأنه ليس منحازاً إلى إسرائيل، جعلته يبلغ من يلتقيه أنه يرفض التحدث بالعبرية، وأنه تمسّك بذلك خلال المفاوضات بين إسرائيل ولبنان حول الحدود البحرية. ورغم ذلك، فقد سعى لتمرير مصالح إسرائيل. وتولى إنجاز اتفاق عام 2022. وهو عبّر صراحة عن موقفه في مقابلة مع موقع «ماكو» العبري، قائلاً: «الاتفاق لا يتعلق بالسياسة، بل بتوفير الأمن الكامل لإسرائيل في المياه السيادية».

يومها، كتبت «هآرتس» عنه أنه «إسرائيلي، مقدسي، وجندي في طاقم دبابة»، لتضيف: «يستيقظ إسرائيلياً في الصباح، ثم يتذكّر أنه وسيط أميركي».

يتولى هوكشتين ملف الصراع بين لبنان وإسرائيل. وهو ديناميكي ويعمل طوال الوقت كرجل صفقات. وقد عمل على توفير عقود عمل له في الخليج في حال خروجه من الإدارة، لكن يهتم الآن بأن يضيف إلى «ملفه الشخصي إنجازاً آخر». عاموس الذي يهتم لدبلوماسية العلاقات العامة، وجد من يستقبله بالترحاب في مقهى «ستارباكس» في فردان، ونام ليلة كاملة لم يسمع فيها صوت الطائرات والصواريخ لأن «بيبي» وعده بعدم قصف بيروت والضاحية حتى مغادرة طائرته الأجواء اللبنانية!

الاخبار

مقالات ذات صلة