باسيل للحزب: هؤلاء نوّابي… وليس “بجميلتكم”… لا حاجة إلى كلّ هذه “المنّيّة”!
في الأشهر التي تلت الانتخابات النيابية الأخيرة، اشتدّت حدّة الاختلاف بين حليفَي تفاهم مار مخايل، فظهرت جليّة في تبادل الشتائم والاتّهامات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الجمهورين.
لكلّ جمهور خطابه، ولكلّ جمهور سرديّته يحاكي بها حجم الاختلاف. كتبنا في موقع “أساس” منذ أكثر من عام أنّ هذا التفاهم الذي عُقد عام 2006 ضمّت ورقته بنوداً لم يطبَّق منها الكثير، وهو سقط إلى غير عودة. وها هو اليوم يسقط مع كلّ محطة ومع كلّ خلاف وصولاً إلى الخلاف الأكبر في ملف رئاسة الجمهورية.
دفتر حساب نتائج الانتخابات
واحد من أكثر الملفات حساسية بين الفريقين هي نتائج الانتخابات النيابية.
يستمع فريق التيار الوطني الحر إلى سردية حزب الله عن “تكبير حجم كتلة جبران باسيل”، وقد ضاق ذرعاً بها. لا حاجة إلى كلّ هذه “المنّيّة” في التعاطي بين فريقين يفترض أنهما حليفان: “لكن إذا أرادوا الكلام في الأمر فليكن كلّ شيء واضحاً…”
لقاء نصرالله – باسيل
يكشف مطّلعون على لقاء جمع الأمين العام للحزب وباسيل قبل الانتخابات، أنّه توجّه إليه قائلاً: “سنكون إلى جانبك ولا يمكن أن نقبل أن تتخطّى كتلة سمير جعجع كتلتك ولو بنائب واحد”. وعليه يبني الحزب وجمهوره سرديّته عن دعم باسيل في تشكيل كتلته على هذه الواقعة انطلاقاً من مشاركته في اللوائح بالأقضية.
وبينما أصبحت هذه السردية تتكرّر في دفتر حسابات الفريقين، أصبح مشروعاً الغوص فيها من منظور التيار الوطني الحر، ما دامت قد تحوّلت إلى عامل أساسي يُحتسب ضمن الأسباب الموجبة لبقاء أو فك التحالف بين الفريقين:
1- هل من مصلحة حزب الله أن يكون لسمير جعجع أكبر كتلة مسيحية؟ طبعاً لا.
2- هل من مصلحة حزب الله أن يخسر التيار شعبيّته المسيحية بعد التحالف وبعد عهد مشترك لصالح ألدّ خصوم الحزب؟ طبعاً لا.
يكشف مصدر مقرّب من باسيل أنّ هذه كانت “مصلحة مشتركة” بين الفريقين ولم تكن مصلحة أحادية للتيار: أولوية حزب الله كانت الفوز بالمقاعد الشيعية بالكامل، ثمّ فوز الحلفاء السنّة، ثمّ يأتي الحرص على الحليف المسيحي.
في سردية التيار الوطني الحر، لم يكن العمل الانتخابي في الأقضية لمصلحة المقاعد المسيحية:
– في طربلس كانت الأولوية لفوز فيصل كرامي وجهاد الصمد.
– في البقاع الغربي كانت الأولوية لفوز حسن مراد.
– في بعلبك-الهرمل تبدو الصورة أوضح: كان يمكن للثنائي الشيعي أن يلعب دوراً في إنجاح نائب مسيحي ثانٍ لمصلحة التيار، لكنّ أولويته كانت دعم المرشّحين السُّنّة لتفادي نجاح مرشّحي القوات اللبنانية.
– في الكورة وزغرتا دعم الثنائي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
– في البترون دعم الحزب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
ثلاثة بواحد
المقصود في هذه السردية أن الحزب لم يُنشىء غرفة عمليات مركزية لإنجاح نواب التيار، بل تعامل معه بحسب أولوياته في كلّ دائرة.
– في صيدا-جزين، على سبيل المثال، افترق الفريقان فسقطا معاً. لم ينجح الثنائي وسقط التيار. ولو كانا اجتمعا في لائحة لنجح للتيار نائب مسيحي. يومئذٍ اعتقد الثنائي، وتحديداً الرئيس نبيه بري، أن الانفصال في لائحتين سيؤدي إلى نجاح المرشح إبراهيم عازار. لكن لم يحصل ذلك، وهذا دليل على أن اللوائح المشتركة هي مصلحة مشتركة لا مصلحة للتيار الوطني الحر وحده.
– أمّا في الشوف، حيث يمنّن حلفاء التيار باسيل بمساهمتهم في فوز نوابه، فيقول مصدر مقرّب من الرجل إن “العلاقة مع طلال أرسلان ووئام وهاب ليست عبر الحزب أو الثنائي: نحن حلفاء، ومن الطبيعي أن يخوض الحلفاء المعركة في لوائح مشتركة.
إذا أردنا أن نكون أكثر دقة، ساهم الحزب في دعم مرشحي التيار في ثلاثة أماكن: البقاع الغربي، البقاع الشمالي وبيروت الثانية، لكن من دون أن يصوّت الحزب للمرشّحين المسيحيين، إذ لعبت الحواصل دورها في إنجاح اللائحة ومَن فيها:
– في بيروت الثانية تحديداً، جرى الاتفاق مع الحزب السوري القومي الاجتماعي ومع طلال أرسلان على أن يصوّت كل فريق لمرشحه، ومن يربح يربح. وهكذا حصل وحصد التيار مقعداً في الدائرة.
– في المقابل، لعب التيار الوطني الحر دوراً في جبيل كي يربح الحزب المقعد الشيعي انطلاقاً من إرادته الفوز بكلّ المقاعد الشيعية.
– في البقاع الشمالي أبلغ حزب الله باسيل بأنّه سيدعم سامر التوم في وقت لم يكن الأخير بحاجة إلى أصوات الحزب لأنّ فوزه كان مضموناً.
إذاً في جردة حساب التيار، إذا أردنا العدّ، تكون المعادلة “3 مقابل 1”. أعطى الحزب 3 نواباً للتيار، وأعطى التيار نائباً للحزب. والحسبة كانت ستختلف لو أراد الحزب فعلاً دعم مرشّحي التيار الوطني الحرّ وإعطاءهم الأولوية.
لا مصلحة للحزب بتكبير باسيل
يقول المصدر المقرّب من باسيل لـ”أساس”: “لا مصلحة لحزب الله بأن تكون كتلة التيار الوطني الحر كتلة كبيرة”، لأنّ ذلك سينعكس على العمل النيابي والحكومي وعلى الملف الرئاسي بطبيعة الحال.
ويضيف: “هل سمعتم مرّة أنّ سليمان فرنجية افتعل مشكلةً بالحكومة في أيّ ملف؟”. أمّا باسيل “فليس في الجيبة، ولا قدرة للحزب على احتوائه إذا ما كبرت كتلته كثيراً. وهذا ما أثبتته التجربة في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء، واليوم في الملف الرئاسي الذي أسقط التفاهم نهائياً”.
يوم كانت ثلاثية “الشراكة وبناء الدولة والاستراتيجية الدفاعية” قابلة للتطبيق، كان التفاهم قائماً، وأمّا اليوم، وقد سقطت الثلاثية بالتجربة، فإنّ التعامل بين الفريقين سيكون “على القطعة”.
يرفض التيار أن يبتزّه أحدٌ في حلفه مع الحزب، وكأن لا خيار له سوى هذا التحالف، بل يمضي قدماً باتجاه إعادة التموضع “في عهد جديد”، بغضّ النظر عمّن سيكون رئيس الجمهورية المقبل.
جوزفين ديب- اساس