سهولة الحصول على المخدرات في لبنان تنذر بكارثة اجتماعية!

في شهر أبريل (نيسان) 2020 أقرت السلطات اللبنانية مشروع قانون يسمح بزراعة القنب الهندي (الحشيش) للاستعمال الطبي والصناعي، وكانت السلطات اللبنانية قد استعانت قبل ذلك بشركة “ماكنزي أند كومباني” الدولية للاستشارات الإدارية والمالية، للإسهام في إعداد خطة للنهوض بالاقتصاد اللبناني، ومن ضمن البنود المقترحة من قبل الشركة، زراعة الحشيش للأغراض الطبية لما يوفره من أرباح سنوية لصالح الخزينة العامة على اعتبار أن من شأن ذلك تمكين الدولة من تأمين إيرادات سنوية تقارب مليار دولار. وغرد وزير الثقافة والزراعة حينها، عباس مرتضى، قائلاً “مع تصديق مجلس النواب على قانون تنظيم زراعة القنب الهندي للاستخدام الطبي يكون البقاع أمام مرحلة جديدة من إنتاج الأمل والنمو الاقتصادي”. وتاريخياً ازدهرت زراعة الحشيش في مناطق البقاع شرق العاصمة بيروت، ووفقاً لأحد المهندسين الزراعيين في وزارة الزراعة اللبنانية، “أن خصوبة التربة ومناخ منطقة سهل البقاع الشمالي عنصران مهمان لزراعة هذه النبتة، وأسهما في “عالميتها وجودتها مقارنة مع ما تنتجه هذه الزراعة في دول أخرى كأفغانستان وباكستان والمغرب”. وخضعت زراعة الحشيش أو نبات القنب “كندير، باللغة التركية، للقوانين في زمن السلطنة العثمانية (ويطلق هذا الاسم أيضاً على الألياف المصنوعة منه)، في لبنان، وكذلك الاتجار بها وحيازتها، وكان التجار يبيعون المحصول بمعرفة السلطات ويسددون ضريبة مباشرة للسلطنة، بما أن معظم التجهيزات التي كانت البحرية العثمانية في حاجة إليها في ذلك الوقت من الحبال والأسلاك المغزولة والكبلات الغليظة، مصنوعة من ألياف القنب، الذي انتشرت زراعته في منطقة البحر الأسود، ولكن جرمت تلك الزراعة والمتاجرة بها عام 1931 من قبل سلطات الانتداب الفرنسي، ولا تزال.

مداخيل مالية لمواجهة الأزمة الاقتصادية

تستخدم ألياف وبذور نبات القنب لصنع مجموعة متنوعة من المنتجات المختلفة في جميع أنحاء العالم، مع ذلك يعد هذا النبات محظوراً في عديد من البلدان بسبب استخدامه كمخدرات، وفي تقرير للأمم المتحدة عام 2017 يقول إن لبنان هو رابع منتج للحشيش عالمياً، في حين أن هذه الزراعة ليست محظورة فحسب، بل يعاقب عليها القانون اللبناني بالسجن والتغريم المالي. وعلى رغم أن زراعة الحشيش ممنوعة، فهي منتشرة في لبنان وتحت أنظار السلطات المحلية، وعلى رغم إقرار قانون زراعة “القنب الهندي” عام 2020، إلا أن المراسيم التطبيقية لم توضع بعد، ما حدا بعديد من المزارعين في البقاع مدفوعين بالأزمة الاقتصادية الخانقة، بخاصة تلك التي طالت القطاع الزراعي، لتحويل مزروعاتهم من محاصيل كالبطاطا وغيرها إلى زراعة “الماريجوانا”. وترافق ذلك مع زيادة الطلب على تلك النبتة عالمياً ومحلياً، إذ استفاد المزارعون من توقف عمليات دهم حقولهم وتلف محاصيلهم، ولذلك أسباب عديدة أخرى تتعلق بالحرب في سوريا، وبالمواجهات التي تتعرض لها القوى الأمنية تصل أحياناً لاستعمال قاذفات صواريخ من قبل بعض العشائر المسلحة التي تسيطر على الإنتاج، وأسفر ذلك عن نتائج سلبية بخاصة بعد تقارير صحافية تحدثت عن إدخال مادة “الماريجوانا” إلى سكاكر في بعض من قرى بعلبك، تشبه السكاكر العادية التي تباع في الدكاكين، ويروج لها بين الشباب، والبعض لا يعلم ما في داخلها.

المصادر الأمنية تنفي

ينفي مصدر قضائي مقيم في منطقة بعلبك لـ”اندبندنت عربية” تلك المعلومات، ويقول إن الموضوع قديم جديد، بحيث تخرج مثل تلك التقارير ولكن ما تلبث أن تُكذب عبر الإعلام والقوى الأمنية. بدوره ينفي مصدر من قوى الأمن الداخلي علمه بالأمر، ويقول إن هذا الموضوع عار من الصحة لأن السكاكر موضوع التقرير دخلت إلى لبنان خلسة من دون علم الجمارك، ولم يثبت احتواؤها على الماريجوانا، على رغم أن الأغلفة عليها صورة نبتة الماريجوانا. ويقول رئيس مكتب مكافحة المخدرات المركزي العقيد هنري منصور منذ عام 2019، إن لبنان لا يملك مكاتب أمنية على الحدود، “والسبب يعود إلى صراع الأجهزة الأمنية والتنافس والمناكفات وتوزيع الإدارات، ما أدى إلى عدم إنشاء مكتب لمكافحة المخدرات في المطار حتى الآن”. أما قوى الأمن الداخلي فعلى لسان مصدر فيها تنفي أي علاقة لها بما يجري على الحدود، حيث مديرية الجمارك هي المولجة بهذا الملف، ويقتصر عمل قوى الأمن الداخلي إضافة إلى مكافحة هذه الآفة على الأرض، بمساعدة ومؤازرة الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى، على عقد محاضرات توعوية وإعلامية للتعريف بالمضار والمشكلات التي يتسبب بها تعاطي المخدرات بأنواعه كافة، أما التوقيفات أو ضبط معامل التصنيع فهي لا تتوقف، والعمل مستمر ليلاً نهاراً، ويذكّر المصدر الأمني أن العقوبات الأميركية على المدعو حسن دقو مثلاً حصلت بعدما قامت قوى الأمن الداخلي بتوقيفه قبل أسابيع.

نسبة متعاطي المخدرات في ارتفاع

تغيب البيانات الرسمية والإحصاءات لعدد متعاطي المخدرات في لبنان، وآخر إحصاء كان عام 2000 مع منظمات أهلية، ولا أرقام دقيقة لأن أرقام “شعبة المعلومات” تتكرر، وفي بعض الأحيان لا تحفظ بشكل يمكن من دراستها. وتظهر أرقام مكتب مكافحة المخدرات المركزي أن هناك بين ألفي وثلاثة آلاف شخص يلقى القبض عليهم سنوياً ويخلى سبيلهم، وبين ألفين وثلاثة آلاف يوقفون بقرار قضائي، وتتراوح أعمار أغلب الموقوفين بين 20 و30 سنة.

أما التقرير الوطني الأول عن وضع المخدرات، الذي أعده المرصد الوطني للمخدرات ونشر عام 2017، فيشير إلى أنه ما بين عامي 2013 و2016 أوقف 11 ألفاً و152 لاستخدامهم المخدرات، وسجل عام 2016 وحده ارتفاعاً خطيراً في أعداد الموقوفين بقضايا متعلقة بالمخدرات، بلغت نسبته 233 في المئة تحت سن الـ 18، أما عن أنواع المخدرات الأكثر شيوعاً فهي “الكبتاغون والكوكايين والقنب والإكستاسي”.

وفي دراسة حديثة استقصائية أوروبية على شبكة الإنترنت حول المخدرات، التي ينظمها المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان (EMCDDA)، نشرت في يناير (كانون الثاني) الماضي، وضمت 274 مستجيباً أفادوا بأنهم تعاطوا ما لا يقل عن مخدر واحد غير مشروع في الـ12 شهراً السابقة للدراسة، ووجدت أن تعاطي المخدرات في لبنان انتقل من كونه في الأساس نشاطاً ترفيهياً، إلى تعاطيه بوصفه علاجاً ذاتياً لمشكلات مثل الإجهاد والاكتئاب والأرق، وفي سبتمبر (أيلول) 2022، دشنت منظمة أطباء العالم الفرنسية للتنمية، ومركز “سكون”، ومركز الرحمة للرعاية الصحية الأولية، مركزاً مجتمعياً للصحة النفسية واستخدام المواد المخدرة في طرابلس، ولكن مع أزمة قلة المهنيين العاملين في مجال الصحة القادرين على رعاية المرضى، فإن عديداً من الأشخاص لن يتمكنوا من الاستفادة من أية رعاية، وبحسب تقرير لمنظمة الـ “يونيسف”، لا تستطيع نصف العائلات اللبنانية الحصول على الأدوية التي تحتاج إليها، بجانب أن حوالى 40 في المئة من الأطباء غادروا البلاد منذ بداية الأزمة.

الحالة الوظيفية وانخفاض ساعات العمل سبب في ازدياد تعاطي المخدرات

في دراسة أعدها مركز “سكون”، ونشرت بداية العام الحالي، كشفت أن اللبنانيين البالغين الذين شخصت حالتهم بتعاطي المخدرات وعولجوا منها في المركز، تطور لديهم في أغلب الحالات نوع من المشكلات الصحية العقلية، مثل الاكتئاب ما بين الخفيف والمعتدل (55.1 في المئة)، والقلق ما بين الخفيف والمعتدل (50.7 في المئة)، واضطراب ما بعد الصدمة (61.8 في المئة)، بحسب الدراسة، وكانت الضائقة الاقتصادية وتغيرات الحالة الوظيفية وانخفاض ساعات العمل، من بين العوامل الأخرى التي حددها مركز “سكون” ضمن أسباب زيادة تعاطي المخدرات غير المشروعة والكحوليات، وتقول الدراسة، إنها سجلت زيادة كبيرة في أعداد المرضى الذين يطلبون المساعدة منذ بداية الأزمة الاقتصادية الشاملة عام 2019، وأوضحت أنهم في الماضي كان لديهم عدد قليل للغاية من الأشخاص على قائمة الانتظار، وتشير تاتيانا سليمان المديرة التنفيذية في مركز “سكون” إلى أنهم شهدوا زيادة هائلة في أعداد المشاركين في برنامج الإدمان الخاص بهم، وأضافت “بينما في الوقت الحالي لدينا شهرياً ما بين 25 و30 شخصاً يجب عليهم الانتظار لشهر أو شهرين للسماح لهم بالانضمام إلى البرنامج”. وبحسب دراسة المركز، رأى 39 في المئة من المشاركين أن استخدام المخدرات يجب أن يكون “جرماً”، فيما اعتبر 44 في المئة منهم أن على الدولة وقف معاقبة مستخدمي المخدرات. ووفقاً للدراسة الاستقصائية الأوروبية، تغيرت بيئة تعاطي المخدرات، وأفاد ما لا يقل عن 83 شخصاً من المستجيبين بأنهم يتعاطونها في المنزل، وتشير سليمان من مركز “سكون” إلى أن “المحيط الذي يتعاطى فيه الأشخاص المخدرات الآن هو أكثر عزلة، بدلاً من (تعاطيه أثناء) الاحتفالات، أو الحفلات أو الحفلات الشاطئية أو الحفلات الصاخبة”.

كارثة اجتماعية شبابية

وفي حديث إعلامي لرئيس جمعية “جاد-شبيبة ضد المخدرات”، التي تعنى بالمدمنين وبإعادة تأهيلهم، جوزيف حواط، اعتبر فيه أن نسبة المدمنين الوافدين إلى مركزهم لتلقي العلاج ارتفعت أربعة أضعاف عام 2022 عن 2021، وهذا الرقم المرتفع جداً لعام واحد، ينذر بكارثة اجتماعية شبابية تهدد بدمار الشباب اللبناني اليائس، وقال حواط إن المواد التي تأتي في المرتبة الأولى الأكثر تعاطياً في لبنان، هي “حشيشة الكيف”، ويعود ذلك بسبب توفرها وسهولة الحصول عليها، ثانيا “حبوب الكبتاغون”، التي تعد المادة “الجديدة القديمة” للتعاطي في لبنان، وثالثاً مادة الـ”فريبايز”، أو “حجر الكوكايين”، التي تعد أكثر خطورة من الكوكايين.

وأضاف أن المواد المتعاطاة في لبنان تزداد وتتنوع مع مرور الوقت، فقد لوحظ دخول مادة جديدة إلى سوق الاتجار وحلت محل “السيلفيا”، وهي “الكريستال ميث”. وفي إحصاء لجمعية “جاد” نشر عام 2022، أشار إلى ارتفاع أعداد المدمنين حوالى 400 في المئة وتدن في الأعمار، وتحدث الإحصاء عن دخول 20 في المئة من النساء في التعاطي والترويج، ويقول حواط “لا نعرف شيئاً عن سرية التحقيقات، ومعظم جرائم القتل هي نتيجة تأثير تعاطي المخدرات، وأعداد شعبة مكافحة المخدرات في الجمارك اللبنانية لا تتعدى سبعة أشخاص”. لافتاً إلى وجود أدوية بديلة للمدمنين في الأسواق، أما الدواء الأساسي فهو متوفر لثمانية أشهر، وذلك منذ مارس (آذار) 2022.

يشار إلى أن العقوبات التي صدرت عن وزارة الخزانة الأميركية، الثلاثاء 28 مارس الحالي، طالت كلاً من نوح زعيتر الصادرة بحقه عشرات من مذكرات التوقيف في لبنان، وحسن دقو الذي ألقي القبض عليه في لبنان عام 2021 بتهمة تهريب الكبتاغون إلى منطقة الخليج العربي، ويلقب دقو بـ”ملك الكبتاغون”، وارتبط اسمه بعمليات تهريب المخدرات التي تنفذها الفرقة الرابعة في الجيش السوري بحماية من “حزب الله” ذي النفوذ القوي في لبنان والمدعوم من إيران، أما نوح زعيتر فمعروف بأنه يعمل في تجارة الأسلحة وتهريب المخدرات مطلوب للسلطات اللبنانية وتربطه علاقات وثيقة بـ”حزب الله” والفرقة الرابعة في الجيش السوري، وفق بيان وزارة الخزانة الأميركية.

اندبندنت

مقالات ذات صلة