صواريخ “حزب الله” تظلّ تهديداً رغم انتكاسات الحزب الساحقة!
عانى «حزب الله» من انتكاسات ساحقة نتيجة قصف إسرائيل للبنان والتوغل عبر الحدود. وحققت العملية الإسرائيلية نجاحاً فاق توقعات المسؤولين الأميركيّين؛ إذ تمكنت إسرائيل من تقليص قدرة «حزب الله» على شنّ هجمات عميقة داخل البلاد، وأضعفت قيادته السياسية والعسكرية بشكل كبير.
مع ذلك، فشلت إسرائيل في القضاء على الصواريخ قصيرة المدى التي يطلقها «حزب الله» على النصف الشمالي من البلاد، وفقاً لمسؤولين أميركيّين. وطالما استمر إطلاق الصواريخ، فإنّ الحملة الإسرائيلية لن تحقّق أحد أهدافها الرئيسية وهو تأمين شمال إسرائيل، ممّا يسمح بعودة عشرات الآلاف من السكان إلى منازلهم هناك.
بدأ «حزب الله» في إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل دعماً لحليفه «حماس» في غزة، بعد أن شنّت الأخيرة هجوماً على إسرائيل في تشرين الأول 2023. وأطلقت إسرائيل هجومها على «حزب الله» جزئياً بسبب الضغط السياسي من الإسرائيليّين الذين تمّ إجلاؤهم.
الآن، فشل إسرائيل في احتواء تهديد الصواريخ قصيرة المدى وضع حكومتها تحت ضغط لقبول وقف إطلاق النار على الأقل بشكل موقت.
بينما كافحت إدارة بايدن للتوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل في غزة، يرى مسؤولون مطلعون على المفاوضات مع «حزب الله» إنّ هناك فرصة واقعية للتوصّل إلى اتفاق يشمل لبنان. ووصل المبعوث الأميركي الخاص، آموس هوكشتاين، إلى بيروت يوم الثلاثاء لمحاولة إنهاء بعض التفاصيل، ووصف هذه اللحظة بأنّها «لحظة اتخاذ القرار».
مع تعرّض «حزب الله» إلى ضعف كبير، يعمل المسؤولون الأميركيّون على التوصّل إلى اتفاق قبل مغادرة الرئيس بايدن منصبه. وتعهّد الرئيس المنتخب دونالد ترامب بإنهاء الحروب في الشرق الأوسط، لكنّه لم يوضح كيف سيحقق ذلك.
لا يزال «حزب الله» قادراً على إطلاق 100 صاروخ أو قذيفة يومياً على شمال إسرائيل. هذه الذخائر قصيرة المدى يسهل إخفاؤها ويصعب تحديد مواقعها. والقضاء عليها يتطلّب من إسرائيل توسيع عملياتها العسكرية بشكل كبير، واستدعاء المزيد من قوات الاحتياط التي أصبحت بالفعل منهكة.
علاوة على ذلك، يرى المسؤولون الأميركيّون، أنّ «حزب الله» لم ينشر بعد نحو 20,000 إلى 40,000 مقاتل، ممّا يثير المخاوف من أنّه يستعد لشنّ حملة حرب عصابات طويلة الأمد ضدّ القوات الإسرائيلية، خصوصاً في جنوب لبنان.
وأوضح بريت هولمغرين، المدير الموقت للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب، في خطاب الأسبوع الماضي أنّ «الإجراءات العسكرية الإسرائيلية أضعفت بشكل كبير قدرات «حزب الله» العسكرية. لكنّ القوات البرية في الجنوب لا تزال سليمة إلى حدٍّ ما».
في ضوء هذا الواقع، خَلُصت وكالات الاستخبارات الأميركية إلى أنّ اتفاق وقف إطلاق النار يظل أفضل فرصة لإعادة الإسرائيليّين إلى منازلهم قرب الحدود مع لبنان، وفقاً لمسؤولين.
أجلي المدنيّون الإسرائيليّون من منطقة تمتد على بُعد ميلَين من الحدود مع لبنان في تشرين الأول 2023، في البداية بسبب مخاوف من تسلّل قوات «حزب الله» عبر الحدود، وخطر صواريخ مضادة للدبابات. ويبلغ مدى هذه الصواريخ المضادة للدبابات حوالى 6 أميال، ممّا يترك القليل من الوقت للتحذيرات من النيران القادمة، وعلى عكس الصواريخ قصيرة المدى، لا يمكن اعتراضها بواسطة الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
ويعتقد المسؤولون الإسرائيليّون وسكان شمال إسرائيل أنّ حوالى 60,000 من الإسرائيليّين الذين أجلِيوا لن يشعروا بالأمان للعودة حتى ضمان أنّ أي اتفاق لوقف إطلاق النار سيُبقي مقاتلي «حزب الله» شمال نهر الليطاني. من شأن ذلك أن يُبعد المجتمعات الإسرائيلية عن مدى الصواريخ المضادة للدبابات، ويقلّل من احتمالية التسلّل، ويوقف إطلاق الصواريخ المستمر.
فرّ عشرات الآلاف من المدنيّين اللبنانيّين أيضاً من البلدات والقرى التي تعرّضت إلى القصف الإسرائيلي في جنوب لبنان، وشدّد المسؤولون الأميركيّون على ضرورة وجود اتفاق لوقف إطلاق النار للسماح بعودة المدنيّين إلى منازلهم على جانبَي الحدود.
بدعم من إيران، بنى «حزب الله» معظم مخزونه العسكري على مدار 3 عقود. وكان يُقدّر أنّه يحتوي على 120,000 إلى 200,000 قذيفة. عندما بدأت إسرائيل هجومها الأول على «حزب الله» في أيلول، طلب حسن نصر الله، زعيم الجماعة، من إيران وسوريا تجديد الترسانة، وفقاً لمسؤولين إسرائيليّين وأميركيّين. وأدّى ذلك إلى قرار إسرائيل باغتيال نصر الله في أواخر أيلول.
ويؤكّد المسؤولون الأميركيّون والإسرائيليّون أنّ الحملة الإسرائيلية شلّت صفوف «حزب الله» القيادية. وأسفرت الانفجارات المستهدفة وهجمات أخرى في أيلول عن مقتل وإصابة كبار القادة في «حزب الله».
وقُضيَ على قادة قيادة العمليات الخاصة لـ»حزب الله»، المعروفة بقوة الرضوان، في غارة جوية في 20 أيلول، إذ قُتِل إبراهيم عقيل، الذي كان فعلياً رئيس العمليات العسكرية لـ»حزب الله»، في ضاحية جنوبية من بيروت، وفقاً لمسؤولين أميركيّين.
يعتمد الاتفاق المحتمل على وقف إطلاق النار في لبنان على نسخة مطوّرة من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي أنهى آخر حرب بين إسرائيل و»حزب الله» في عام 2006، بحسب مسؤولين مطلعين على الأمر.
ستتضمّن النسخة الجديدة من القرار مذكّرة تفاهم جانبية بضمان أميركي يسمح لإسرائيل باتخاذ إجراءات إذا ثبت أنّ «حزب الله» انتهك الشروط، بحسب مسؤول إسرائيلي مطلع على الأمر تحدّث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة دبلوماسية حساسة. لكن لا يوجد ضمان بأنّ الحكومة اللبنانية أو «حزب الله» سيقبلان هذا الشرط.
وكشف وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد، جدعون ساعر، الأسبوع الماضي، أنّ هناك تقدّماً في جهود وقف إطلاق النار، مضيفاً: «نعمل مع الأميركيّين بشأن القضية».
حالياً، زادت إسرائيل من عملياتها في لبنان ضمن ما يصفه المسؤولون والمحلّلون الإسرائيليّون باستراتيجية «التفاوض تحت النار».
وتعتقد إسرائيل أنّها قريبة من تحقيق هدفها المتمثل في القضاء على البنية التحتية العسكرية لـ»حزب الله» في شريط يمتد لمسافة ميلَين ونصف على طول الحدود، وأضعفت ترسانة الحزب بشكل كبير، بحسب مسؤول عسكري إسرائيلي كبير تحدّث بشرط عدم الكشف عن هويته وفقاً لقواعد الجيش.
ويعتقد المسؤولون الأميركيّون أنّ القضاء على ما يكفي من الصواريخ قصيرة المدى لوقف الهجمات على شمال إسرائيل ليس ممكناً. ولا يزال جزء كبير من شمال إسرائيل، الذي لم يتمّ إجلاؤه بالكامل، تحت تهديد مستمر.
بينما تعترض منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية معظم الصواريخ التي تستهدف المناطق المأهولة بالسكان، فقد أثبتت الطائرات المسيّرة الهجومية صعوبة في الاعتراض لقدرتها على استهداف مواقع حساسة. وأصابت إحداها قاعة الطعام في قاعدة عسكرية على بُعد أكثر من 40 ميلاً جنوب الحدود الشهر الماضي، ممّا أسفر عن مقتل 4 جنود. وألحقت أخرى أضراراً بمنزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الخاص المُطلّ على البحر، على مسافة مماثلة من الحدود.
بينما لا تزال لدى «حزب الله» قدرات كبيرة، وفقاً للمسؤولين الإسرائيليّين والخبراء، فقد حرمت إسرائيل المنظمة من القدرة على إطلاق آلاف الصواريخ أو القذائف يومياً. ودمّرت الضربات الجوية الإسرائيلية ما بين 60 إلى 70 بالمئة من قدرات «حزب الله» على الطائرات المسيّرة، وفقاً للمسؤول العسكري الكبير، الذي أضاف أنّ الجماعة بدأت في إطلاق أسراب صغيرة من 3 أو 4 طائرات مسيّرة في كل مرّة، بدلاً من 40 أو 50 كما كانت تخطّط.
وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، اللفتنانت كولونيل ناداف شوشاني، الأسبوع الماضي أنّ القوات الإسرائيلية قتلت أكثر من 2,250 عنصراً من «حزب الله» خلال الأسابيع الستة الماضية منذ بدء العملية البرية. وقُتِل أكثر من 40 جندياً إسرائيلياً في لبنان خلال الفترة عينها.
ويكشف الضباط الإسرائيليّون في جنوب لبنان، أنّهم واجهوا معارك قريبة أقل بكثير ممّا كانوا يتوقعونه في المناطق المفتوحة، على رغم من أنّ الجنود ما زالوا معرّضين إلى نيران الصواريخ والصواريخ المضادة للدبابات.
وأوضح الضباط أنّ سكان القرى الحدودية اللبنانية فرّوا، وغادر معظم المقاتلين، قبل وقت طويل من وصول الجيش الإسرائيلي. لكنّ بعض فرق «حزب الله» الصغيرة تمكّنت من نصب كمائن للقوات الإسرائيلية في المناطق المبنية. وقُتِل 6 جنود في إحدى هذه الكمائن يوم الأربعاء الماضي.
*******************
إريك شميت، جوليان إي. بارنز، وإيزابيل كيرشنر- نيويورك تايمز
ترجمة الجمهورية