“ الفرصة الأخيرة” وسط ألغام حقيقية قد تمنع التوصّل إلى تسوية!

قبل ساعات من وصول الموفد الأميركي آموس هوكستين تقصّد العدوّ الإسرائيلي كما الحزب رفع مستوى الضغط الميداني إلى حدّه الأقصى: إسرائيل تكرّر قصف عمق العاصمة بيروت وتغتال المزيد من قيادات الحزب، وصاروخ “فاتح” النوعيّ يضرب تل أبيب، بعدما ضرب مطار بن غوريون الشهر الفائت، تليه صلية صواريخ صباح أمس بالتزامن مع وصول هوكستين.

تقول شخصية وثيقة الصلة بالحزب لـ “أساس”: “أيّ اتّفاق لوقف إطلاق النار قد يتمّ إقراره لن يأتي على حساب الميدان. الحزب منفتح بشكل كبير على التفاوض من أجل وقف إطلاق النار، لكنّ ذلك يترافق على الأرض مع مثابرة الحزب على دحض الرواية الإسرائيلية بالقضاء على ترسانته الصاروخية وإجلاسه لاحقاً إلى طاولة التفاوض منهزماً”.

للمرّة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي الجوّي على لبنان في 23 أيلول وتدشين جولات التفاوض اتّسم مسعى الموفد الأميركي بقدرٍ ملموسٍ من مقوّمات النجاح تُوّجت بلقاء هو الأطول بين برّي وهوكستين إذ استمرّ نحو ساعتين، وبإعلان مقتضب من هوكستين: “أصبح الحلّ قريباً”. لكنّ معطيات الكواليس على الرغم من التكتّم الكبير على المداولات مع برّي وميقاتي كانت لا تزال تسرّب عن وجود ألغام حقيقية تمنع التوصّل إلى تسوية.

أتى مسعى هوكستين الأخير بعد جولات عدّة فاشلة تُوّجت بأكبر مناورة أو عملية خداع إسرائيلية على الإطلاق سمحت لبنيامين نتنياهو بكبس زرّ قرار اغتيال الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله خلال وجوده في الأمم المتّحدة، أرفع موقع دوليّ في العالم، في الوقت نفسه الذي أوهم فيه لبنان والوسطاء بموافقته على ورقة الحلّ الفرنسية-الأميركية.

يمكن بالتزامن مع مساعي إنهاء الحرب وقبل أن يقول العدوّ الإسرائيلي كلمته في “الملاحظات” اللبنانية على المقترح الأميركي تسجيل المعطيات الآتية:

الكلام العلني لهوكستين من عين التينة عن وجود “إيجابيات وآمال بتضييق الفجوات بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي” في جولة التفاوض “البنّاءة” أمس، كما قال، مع الرئيس نبيه برّي لم تكن كافية على ما يبدو لتذليل العِقد الأساسية، ولذلك وضع الكرة في ملعب لبنان وإسرائيل معاً. فعليّاً، بدا الحلّ “قريباً وبعيداً”. وفق ما رَشَح من معطيات أمس عن أنّ بري وميقاتي اتّفقا على التركيز على أولوية وقف إطلاق النار قبل أن يتمّ الغوص في بعض تفاصيل الاتفاق التي قد تحتاج إلى وقت ويمكن أن تؤجَّل لمرحلة لاحقة كموضوع السلاح وترسيم الحدود البريّة، حيث كرّر برّي عبارة “لا تفاوض تحت النار”.

يؤكّد مطّلعون أنّه لم يتمّ التوافق بعد على مسألتَي لجنة الرقابة على تنفيذ القرار 1701، حيث طرح برّي انضمام دول عربية إليها كمصر أو الأردن، والمطلب الإسرائيلي الملتبس بالتدخّل المباشر عند حصول أيّ خرق للاتّفاق تحت عنوان “الدفاع عن النفس”. مسار الأحداث يشي بأنّ الكلمة الأخيرة هي لدى إسرائيل التي سيتوجّه إليها هوكستين وليس لبنان. وقد قضى هوكستين ليلته في بيروت لمناقشة تفاصيل وصفت بـ”التقنية” قبل توجّه الموفد الأميركي إلى فلسطين المحتلة مجدداً كما كشف الرئيس برّي.

منذ اللحظة الأولى لبدء جولات التفاوض لم يتزحزح الرئيس نبيه بري بالتنسيق مع الرئيس نجيب ميقاتي والحزب على اعتبار القرار 1701 هو البوصلة الوحيدة لأيّ اتفاق من دون تكريس ملحق له. تقول أوساط قريبة من الرئيس بري لـ “أساس: “عرضت علينا اقتراحات أميركية متعدّدة وكان جوابنا أو ردّنا (طوال جولات التفاوض في الشهرين الماضيين) هو إسقاط بنود الـ 1701 على المقترح الأميركي مع تعديلات بديهية فرضتها الفوارق بين 2006 وعدوان أيلول، وليس بمعنى التعديلات التي كان يحاول الإسرائيلي فرضها بما يشكّل استسلاماً للبنان من غير الوارد السير به”.

أيّ اتّفاق محتمل لوقف إطلاق النار والتزام لبنان وإسرائيل بمندرجاته، وبأدنى سقف له، سيؤسّس لحقبة جديدة تدشّنها أوّل حكومة ستشكَّل بعد انتخاب رئيس الجمهورية هذه المرّة منزوعة بند “الجيش والشعب والمقاومة” الذي يمثّل حقبة كاملة، بمفردات متشابهة، استمرّت لعقود وتطوي اليوم آخر صفحاتها إن كان قبل أو بعد تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة مقاليد الحكم. بالتأكيد لن يكون الحزب بعده شبيهاً بحزب ما قبل حرب إسناد غزة لجهة دوره العسكري الإقليمي والداخلي، فيما لا يمكن منذ الآن التكهّن بمدى احتفاظه بثقل دوره الداخلي الذي كان تأثيره طاغياً في كلّ الملفّات الأساسية.

التّمديد لقادة الأجهزة

بالتزامن مع محاولات قلب صفحة حرب إسناد غزة وإذا ما سمحت ظروف التفاوض التي حوّلت عين التينة والسراي الحكومي إلى غرفة عمليات موصولة بعواصم القرار، سيدعو رئيس مجلس النواب هيئة مكتب المجلس ربّما قبل نهاية الشهر الجاري إلى الاجتماع ضمن خطوة التمهيد للتمديد لقادة الأجهزة الثلاث الجيش قوى الأمن الداخلي والأمن العام.

أمس قدّم تكتّل الاعتدال اقتراحه وفق الصيغة نفسها التي أقرّها مجلس النواب العام الماضي بالتمديد عاماً واحداً لقادة الأجهزة الأمنيّة لمن هم برتبة عماد ولواء. ووفق معلومات “أساس” سيقرّ مجلس النواب هذه الصيغة على الرغم من وجود عدّة اقتراحات قوانين أخرى، حيث سيسقط حتماً اقتراح قانون “القوات” بالتمديد فقط لقائد الجيش واقتراحات القوانين الموسّعة التي تشمل كلّ الضبّاط والعسكر وموظّفي القطاع العامّ.

يقول عضو تكتّل الاعتدال النائب أحمد الخير لـ “أساس”: “قدّمنا ثلاثة اقتراحات: التمديد لقادة الأجهزة وتحديد السنة السجنيّة بستّة أشهر واقتراح قانون يتعلّق بتسهيل أعمال البناء وتنظيمها”.

يضيف: “عندما رأينا أن لا إمكانية لانتخاب رئيس سعينا إلى إقرار التمديد وتفعيل عملية التشاور في شأنه. وكتكتّل اعتدال كنّا أمام احتمالين: اقتراح قانون يشمل كلّ العسكر حتى رتبة عماد، لكن لمسنا أنّ له تداعيات مادّية ويجب بحثه باللجان النيابية. فكان الاحتمال الثاني بالعودة إلى الصيغة التي أُقرّت العام الفائت، ورأينا أنّه شموليّ بحيث لا يطال شخصاً واحداً ويتناسب مع الظرف الاستثنائي الذي نمرّ به، وهذا الاقتراح هو نتيجة تشاورنا مع الجميع”.

في السياق نفسه، تفيد معطيات “أساس” أنّ نتيجة التصويت على اقتراح القانون هذا العام ستكون سياسية بامتياز وقد تحمل رسائل. فالعام الماضي نال الاقتراح أصوات 66 نائباً (تتطلّب جلسة اقتراح التمديد حضور 65 نائباً والتصويت بالأكثرية)، أمّا راهناً ومع ربط كثيرين مسألة التمديد لقائد الجيش بالاستحقاق الرئاسي، فإنّ الرقم الذي سيناله الاقتراح له دلالاته السياسية في ظلّ غياب نواب الحزب وموقف ملتبس من الرئيس بري في شأن وجهة التصويت لكتلة التنمية والتحرير.

ملاك عقيل- اساس

مقالات ذات صلة