إرضاخ “الحزب” تحت النار: لن تتوقف “كرة ثلج” الهزائم…حتى يرفع الراية البيضاء!
لن يكون سهلاً التوصّل إلى اتفاق بين اسرائيل و”حزب الله” لإنهاء الحرب الدائرة، وزيارة الموفد الديبلوماسي الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان اليوم لن تكون كسابقاتها، وإذا أرجئت أو لم ترجأ، فستكون مختلفة بعد إنتخاب دونالد ترامب رئيساً. من الواضح أن هذا الأمر فرض نفسه، فهوكشتاين “الجديد” لن يقبل بتغيير الشروط التي ينصّ عليها الاتفاق التزاماً بتوجيهات من الرئيس الجديد والسقف العالي الذي حدّده رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو المتناغم إلى حدّ كبير مع ترامب.
لذلك ما يُشاع عن أجواء إيجابية من “حزب الله” والرئيس نبيه بري، قد تكون “ملغومة” بشروط مضادة لن تقبل بها اسرائيل لجهة التساهل مع كل بند قد يؤدي إلى استعادة “الحزب” قواه وتماسكه وبناء كل قطاعاته. أما الترويج للأجواء الايجابية لبنانياً فهو مقصود لوضع الكرة في ملعب اسرائيل وتحميل نتنياهو مسؤولية عرقلة التوصّل إلى تسوية.
لا شك في أن هذه المفاوضات التي تتولاها واشنطن تجري تحت نار التصعيد بين اسرائيل و”الحزب”، والتلاعب بالبنود أو التفسير المزاجي والسعي إلى الانتصار من كل طرف سيؤديان إلى نسفها. وتلفت مصادر سياسية مطلعة في واشنطن إلى أن سبب تردد هوكشتاين في التوجّه إلى لبنان هو أن الجانب الأميركي لمس بعض التلاعب في مفهوم التسوية، وما أعلنه “الحزب” أن إطارها العام مقبول يرتكز، وفق مفهومه، على تطبيق القرار 1701 من دون القرار 1559، أي تفكيك سلاحه في جنوب الليطاني فقط، أما اسرائيل فتشترط نزع سلاحه أيضاً في شمال الليطاني، وهنا سوء التفاهم العميق الذي أخّر زيارة هوكشتاين، وهذا الأمر نفسه الذي قد يُطيح التسوية، فتُكمل اسرائيل حربها لنزع سلاح “الحزب” بالقوة.
وليس سراً أن “الحزب” يريد أن تُترك له “فسحة” في التسوية، ليعلن فيها “انتصاراً الهياً” كالعادة، وهذا ما لن يكون مقبولاً من اسرائيل، وفق التجارب السابقة في المفاوضات مع “حماس” في غزة.
أما هوكشتاين فلا يملك هذه المرة صلاحية ممارسة “البوكر” مع بري، والتساهل في تمرير بنود مفخخة، وفق المصادر السياسية المطلعة، بل ان بعض البنود غير قابل للنقاش كوجود لجنة برئاسة جنرال أميركي وعضوية جنرال فرنسي، وسيكون من حق اسرائيل التدخّل إذا فشلت هذه اللجنة عن ردع أي تحركات عسكرية لـ”الحزب” في المستقبل.
في الواقع، لا تبدو اسرائيل مستعجلة للتوصّل إلى اتفاق حالياً قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض، وخصوصاً أنها تشعر بالتفوّق العسكري على صعيد الحرب مع “الحزب”، وقد أكّد وزير الدفاع الاسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس أن جيشه تقدم أكثر في لبنان، موضحاً أنه “لن يكون هناك وقف لإطلاق النار ولا راحة”.
لا عودة لاسرائيل إلى تجربة القرار 1701 ما بعد 2006 التي أصيبت بسببه بندوب عميقة نتيجة العقيدة العسكرية التي اتسمت بالاحتواء والانتظار وضبط النفس، وترى المصادر السياسية من واشنطن أن هذه السياسة سمحت لـ”الحزب” ببناء ترسانة عسكرية ضخمة وتشكيل خطر كبير على أمن شمال اسرائيل، لذلك هناك تفاهم بين إسرائيل والولايات المتحدة من شأنه أن يمنح إسرائيل حرية غير مسبوقة في العمل ضد تهديدات “الحزب”، وهذا ما لن يتساهل به نتنياهو.
من جهته، يرفض “الحزب” وبري هذا البند الذي يعتبرانه مسّاً بالسيادة اللبنانية، علماً أن السيادة منتقصة على نحو فاضح بسبب التدخلات الايرانية. وتعتبر المصادر السياسية أنه ما لم تكن هناك ضمانات فعلية لاسرائيل تنهي الوضعية العسكرية لـ”الحزب” وتسمح لها بالتدخّل عند اللزوم، لن تمر التسوية، وستستمر اسرائيل في ضرب “الحزب” على طول المساحة اللبنانية.
تشير تقديرات المصادر السياسية إلى أن النقطة الايجابية الوحيدة أو بارقة الأمل تتمثّل في شعور النظام الايراني بأن ورقة “الحزب” تكاد تحترق، وإذا استمرت اسرائيل في هجومها الضاري عليه قد لا يعود نافعاً لاستثماره ايرانياً، لذلك أتى مستشار المرشد الايراني علي لاريجاني إلى لبنان لحثّ “الحزب” على قبول التسوية، وربما تساعد هذه الدينامية في تحقيق وقف إطلاق النار، والإبقاء على ما تبقى من صواريخ لـ”الحزب” من أجل الدفاع عن إيران إذا ضُربت منشآتها النووية. وهذا ما يُبرر إصرار “الحزب” على التمسّك بسلاحه في شمال الليطاني.
إذاً ما هو مطلوب اسرائيلياً وأميركياً من “الحزب” الرضوخ ديبلوماسياً أو بالقوة، وتلفت المصادر السياسية المطلعة إلى أن ترامب لن يقبل بأي شرط لـ”الحزب” في التسوية يكون متساهلاً في مسألة سلاحه سواء جنوب الليطاني أو شماله، ما سيسمح له بالسيطرة على لبنان، فيعيد تجميع صفوفه وتسليح نفسه، ويفرض رئيساً للجمهورية يخضع له، ويبقي لبنان تحت النفوذ الايراني.
ليس مستبعداً أن يكمل “الحزب” رهانه على الميدان إذا تمسّكت اسرائيل بشرط التدخل العسكري لردعه مستقبلاً، وهو يظن أن الوقت لمصلحته واسرائيل تجد استمرار الحرب غير مجد. وتؤكد المصادر السياسية من واشنطن أن “الحزب” يرتكب الأخطاء الكبيرة في حساباته الاستراتيجية ما ألحق به خسائر كبيرة، وتصحيح البوصلة يجب أن يبدأ بالعودة إلى الواقع وتقييم وضعه الحالي كما هو وليس كما يتمنى، وإذا استمر على المنوال نفسه، فلن تتوقف “كرة ثلج” الهزائم، حتى يرفع الراية البيضاء!
جورج حايك-لبنان الكبير