هل يستسلم “الحزب” ويركع على ركبتيه… ويرفع العلم الأبيض؟

يُعتبر تراجع “حزب الله” إلى شمال الليطاني تنفيذاً للقرار 1701 ليس استسلاماً، لكن وفق أدبيات “الحزب” ورفع السقوف، يُصبح إذا حصل، نوعاً من الاستسلام، علماً أن ما يجري اليوم في كواليس المفاوضات ليس بعيداً عن هذا الطرح، بل ربما أكثر من ذلك، ويُسرّب من مصادر عدة أن “الحزب” موافق على هذه التسوية، على الرغم من أن إطلالة مسؤوله الاعلامي محمد عفيف أمس لا تتلاءم مع هذه الأجواء، بل لا يزال يتكلّم عن الميدان، وهذا ما لا يُمكن فهمه إلا بتفسيرين: الأول تعمّد “الحزب” رفع السقوف في المفاوضات، الثاني عدم معرفة عفيف بما يجري في الكواليس.

من غير المنطقي أن يجتمع المجلس الوزاري الأمني المصغر في إسرائيل أمس ويوافق على المنحى المعروض لتسوية ووقف لاطلاق النار في لبنان، من دون أن تكون هناك استجابة من “الحزب” للشروط الاسرائيلية، لذلك لا قيمة لكلام عفيف فيما المفاوضات تتقدّم، بعدما دخل الروس على الخط لضمان عدم إمداد “الحزب” بالسلاح من سوريا.

لا شك في أن الولايات المتحدة الأميركية هي اللاعب الأساسي الذي ينقل المسودات بين اسرائيل ولبنان، وكلّها تتمحور حول التطبيق الشامل للقرار 1701 مع وضع آليات مقبولة للتنفيذ، كوقف اطلاق النار، تراجع “الحزب” إلى شمال الليطاني، تسلّم الجيش اللبناني و”اليونيفيل” المنطقة العازلة في الجنوب وانسحاب اسرائيل إلى ما وراء الخط الأزرق، وأخيراً ضمانات أميركية وروسية بمنع إعادة تسليح “الحزب”، مع إمكان السماح لاسرائيل بحرية ضرب أهداف لـ”الحزب” بالقرب من الحدود حتى بعد وقف إطلاق النار، إذا عاد إليها.

وإذا إجتازت هذه التسوية نصف الطريق، تكون إطلالة عفيف أمس نسفاً للتسوية بحد ذاتها، وقد يكون الجواب من الرئيس نبيه بري و”الحزب” إذا عاد الموفد الديبلوماسي الأميركي آموس هوكشتاين أو غيره قريباً، هو الرفض لهذه التسوية التي يعتبرها “الحزب” استسلاماً، لأنه يريد تطبيقاً جزئياً للقرار 1701 من دون أن يشمل القرار 1559 الذي يدعو إلى نزع سلاح الميليشيات.

في المقابل، أبلغت واشطن المسؤولين اللبنانيين بأن رفض “الحزب” لهذه الشروط يعني إعطاء اسرائيل الضوء الأخضر لتوسيع العمليات البرية في الجنوب لتطال مناطق أخرى لم تكن مسرحاً للعمليات سابقاً، وهذا ما يمكن فهمه من موافقة رئيس أركان الجيش الاسرائيلي هرتسي هاليفي أمس على خطط لتوسيع التوغل البري.

وتشير المعلومات الواردة من واشنطن إلى أن هذه الحرب تختلف في نواحٍ كثيرة، عن حرب 2006. ففي ذلك الوقت، حصلت إسرائيل على الضوء الأخضر من واشنطن، لكن كان من المفترض أن يكون عملها محدوداً في الزمن. وليس هناك ما يشير إلى وجود مثل هذا الحد اليوم، لأن الثنائي الاسرائيلي الأميركي يشعر بأن لديه فرصة تاريخية لإخراج لبنان من الحظيرة الايرانية وخصوصاً بعد انتخاب المرشّح الجمهوري دونالد ترامب رئيساً.

وتؤكّد المعلومات أن الدولة العميقة في الولايات المتحدة، بشقيها الجمهوري والديموقراطي، لن تقبل ببقاء الدولة اللبنانية خاضعة لسيطرة “الحزب” سياسياً، لأن من شأن ذلك أن يضرب أي تسوية أو اتفاق، فينتهي بالطريقة نفسها التي انتهى إليها القراران 1559 و1701: عدم التنفيذ وعودة “الحزب” إلى الظهور!

لذلك تولي واشنطن أهمية كبرى لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية لا يميل إلى “الحزب” فور الاتفاق على وقف إطلاق النار، ويكون حريصاً على استعادة سيادة لبنان وتحرير بيروت من نير طهران.

في المقابل، ثمة من يؤكّد أن الشروط الاسرائيلية العالية قد تكون مقصودة ليرفضها “الحزب”، لأن نتنياهو لا يريد المجازفة بإغضاب ترامب، الذي يرغب في وقف إطلاق النار لكنه لا يريد أن يحصل جو بايدن على هذا الإنجاز. وهكذا، تكون الكرة في ملعب “الحزب” بحيث يُحمّل، إذا رفض الاتفاق، مسؤولية توسّع الحرب واستمرارها، فتقضي اسرائيل على المزيد من قدراته وإمكاناته.

لا يُستبعد، وفق المعلومات الواردة من واشنطن، أن تستخدم إيران ورقة “الحزب” حتى النهاية، وخصوصاً في مفاوضاتها النووية المقبلة مع ترامب، لذلك قد تُرسل توجيهات الى “الحزب” برفض أي اتفاق والاستمرار على نهج الأمين العام الراحل حسن نصر الله الذي قال سابقاً الكلام الذي قاله عفيف أمس متحدياً اسرائيل:”أتحداكم؛ أتحداكم، لن يتمكن جيشكم بالكامل، وبلدكم بالكامل، وكيانكم بالكامل من إعادة المدنيين إلى الشمال من دون إذننا”.

لذلك، من المتوقّع أن تستمر المعارك العسكرية في الجنوب اللبناني بالتزامن مع الحركة الديبلوماسية، أي اعتماد أسلوب الجزرة والعصا مع “الحزب” حتى موعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المقبل.

لا أحد يتوقّع أن يستسلم “الحزب” ويركع على ركبتيه، ويرفع العلم الأبيض، حتى الأعداء الاسرائيليون يعتبرون أن ما أنجز حتى الآن لا يتجاوز الـ60 في المئة من القضاء على قدراته العسكرية، ويخلص بعض المحللين في الولايات المتحدة إلى القول: “سيكون هناك اتفاق، ولكنه لن يتسبب في إذلال الحزب، ربما هذا ما يريده الاسرائيليون، لكن من الصعب أن يتحقّق إلا في حال الهزيمة العسكرية الكبرى التي تستلزم من الجيش الاسرائيلي القيام باجتياح كامل للجنوب، فهل هو مستعد لفعل ذلك؟”.

يبقى الجواب مبهماً طالماً اسرائيل تدخل إلى القرى وتفجّرها ثم تتراجع، و”الحزب” يقاوم بالحد الأدنى ويقصف شمال اسرائيل، إلى أن تنضج التسوية أكثر.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة