تمديد هزيل: من ينزع ملعقة الرئاسة من “فم” القائد؟
على الرغم من “الشوشرة الإعلامية” التي لا تزال تحيط بالملفّ، حُسم التمديد الثاني لقائد الجيش العماد جوزف عون، وهو ما يعني عدم إحالته للتقاعد في 10 كانون الثاني المقبل يوم تنتهي ولايته الممدّدة بفعل القانون رقم 317 تاريخ 21/12/2023 الذي قضى بـ”تمديد سنّ تقاعد العماد قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنيّة والعسكرية الذين لا يزالون في الخدمة بتاريخ صدور هذا القانون، وذلك لـمدّة سنة من تاريخ إحالتهم على التقاعد”.
يكشف مطّلعون على موقف السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون أنّ الأخيرة سمعت كلاماً واضحاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن لا عراقيل سياسية قد تحول دون إقرار قانون يتيح تمديد ولايته لسنة إضافية، ليكون على رأس المؤسّسة العسكرية خلال المرحلة المقبلة. وتتّسم هذه المرحلة وفق كلّ المعطيات بدقّتها المتناهية لناحية دور المؤسّسة العسكرية في العمل على تطبيق القرار الدولي 1701 الذي سيرعى اتفاق وقف إطلاق النار المنتظر بين لبنان وإسرائيل.
يشير هذا إلى رغبة الإدارة الأميركية في قطع الطريق على مشاريع التغيير في رأس المؤسّسة العسكرية، سواء من خلال تعيين قائد جديد للجيش، أو من خلال إنابة رئيس الأركان اللواء حسان عودة، مع العلم أنّ وزير الدفاع موريس سليم طعن بقرار تعيين الأخير أمام مجلس شورى الدولة. وثمّة إصرار أميركي على تولّي العماد عون مهمّة الإشراف على تنفيذ القرار الدولي بشقّيه: جنوب الليطاني والمعابر الحدودية.
التّمديد تحصيل حاصل؟
إذاً قُضي التمديد لقائد الجيش، ولو أنّ المشاورات إزاء القانون الذي سيكرّس هذا الفعل لم تنتهِ بعد وسط العمل على صياغة تشريعية شبيهة بتلك التي رعت التشريع الأوّل منعاً للطعن بالقانون والغرق في متاهة شرعيّة ودستوريّة القانون… من دون أن يعني ذلك أنّ طريق بعبدا صارت معبّدة أمام العماد عون.
لا شكّ في أنّ التصويب على التمديد الثاني لقائد الجيش، لا سيما من جانب “الثنائي الشيعي”، مرتبط بكون العماد عون الرئاسية أوّل المرشّحين المتساوين لرئاسة الجمهورية. وقد صار جليّاً أنّ الثنائي وضع فيتو أحمر بالخطّ العريض على ترشيح قائد الجيش تحت عنوان أنّ الجانب الأميركي في سلوكه صار فاقعاً. ولهذا لم يتوانَ الرئيس بري عن الغمز من قرار كتلة “التحرير والتنمية” بحجّة أنّه لا يعرف حقيقة موقفها من التصويت للتمديد!
يقول المواكبون للحراك الرئاسي إنّ اعتبارات التمديد لقائد الجيش على رأس المؤسّسة العسكرية تختلف على نحو جذري عن اعتبارات المعركة الرئاسية التي لا تزال بعيدة عن نهاياتها السياسية، في ضوء التسليم الكلّيّ من القوى الداخلية كما الخارجية، باستحالة تحقيق أيّ خرق قبل حصول وقف إطلاق نار، بعدما حسم الرئيس بري الاتّجاه: وقف لإطلاق النار ثمّ الرئاسة.
ملاحظات “الثّنائيّ” على أداء عون
يشير هؤلاء إلى أنّ تطوّرات الأسابيع الأخيرة في ضوء الملاحظات التي يسجّلها “الثنائي” على أداء قائد الجيش، وآخرها أتى على لسان الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الذي سأل قيادة الجيش عن حادثة خطف عماد أمهز من البترون على يد مجموعة كومندوس إسرائيلية، بيّنت أنّ ترشيح قائد الجيش للرئاسة بات محاصراً على المستوى الداخلي بـ”فيتو” شيعي واضح سيترجم بغياب النواب الشيعة عن جلسة التمديد ما عدا رئيس المجلس ويتساوى مع “فيتو” مسيحي فاقع يحاصر ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية.
يعني الأمر بالنتيجة إقفال باب قصر بعبدا بوجه العماد عون بفعل نزع الميثاقية الشيعية عنه، حتى لو خرج رئيس “القوات” سمير جعجع بفتوى “انعقاد الجلسة الرئاسية من دون الشيعة”، لكنّه يعرف تمام المعرفة أنّ فتواه ساقطة حتماً.
عليه، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
بات ترشيح قائد الجيش متوقّفاً على تسوية إقليمية – دولية، وتحديداً أميركية – إيرانية، تفرج عنه وتخرجه من عنق الزجاجة المحلّية التي وضعه فيها الرفض الشيعي له، الذي إذا ما رُفع يمكنه أن يتجاوز بقيّة المرشّحين في ضوء قدرته على توفير ميثاقية مسيحية تتجاوز معارضة “التيار الوطني الحر”.
خرجت الرئاسة من الحاضنة المحلّية لتصير على طاولة التفاوض الخارجي، مع العلم أنّ السيناريو الوحيد الذي يسمح بإنتاج تسوية داخلية تنتخب رئيساً، هو العمل على تقاطع يقدّم اسماً توافقياً يزيح الترشيحات المرفوضة من جانب طرف أساسيّ للذهاب إلى خيار ثالث، والمقصود بهذه الترشيحات المرفوضة كلٌّ من العماد عون وفرنجية، فيصير بذلك التقاطع بين المعارضة و”الثنائي الشيعي”.
ما عدا ذلك، لا بدّ من انتظار نضوج الظروف الخارجية لتحمل رئيساً على متن تسوية أميركية – إيرانية أو يكون الرئيس نتاج تسارع الأحداث بعد وقف إطلاق النار.
في المقابل، ثمة معلومات أكثر تشدداً في مقاربتها لملف التمديد لقائد الجيش، واستطراداً ترشيحه لرئاسة الجمهورية، فغياب “الثنائي الشيعي” كما “تكتل لبنان القوي”، في رسالة شديدة اللجهة تجاه العماد عون تمنحه تمديداً هزيلاً، ومنزوع الدسم الميثاقي، وتسحب من فمه ملعقة الرئاسة!
كلير شكر- اساس