لبنان يقاوم فرض وصاية عسكرية إسرائيلية…وتغيير الوقائع السياسية والعسكرية والأمنية

تحاول إسرائيل أن تحقق ما تطالب به من شروط في المفاوضات لفرضه كأمر واقع وللقول إنها قادرة على تحقيقه بالقوة، وإن كان ذلك من خلال بعض العمليات الرمزية التي تعتمدها وآخرها تنفيذ عملية “إبرار” أي إنزال كوموندوس بحري على الشواطئ اللبنانية لاختطاف أحد المواطنين وهو خريج معهد العلوم البحرية في البترون. تأتي العملية على وقع مواصلة الإسرائيليين اعتداءاتهم على القرى والبلدات والمدن اللبنانية المختلفة ما يعني محاولة سيطرة جوية، بالإضافة إلى استمرار التوغل البرّي لما تسمّيه فرض منطقة عازلة أو آمنة في الجنوب، وذلك لا ينفصل عن العمليات التي تستهدف المعابر البرّية. تريد إسرائيل القول إنها قادرة على السيطرة على لبنان برياً، بحرياً وجوياً، مع احتمال زيادة عمليات الكوموندوس باتجاه مناطق ومواقع مختلفة. فقبل أشهر تسلل الموساد الإسرائيلي إلى بيروت ونفذ عملية اختطاف وتحقيق ومن ثم اغتيال لصرّاف يدعى محمد سرور، اعتبرت إسرائيل أنه محسوب على حزب الله.

شروط تل ابيب
يأتي ذلك في ظل وضع تل أبيب للمزيد من الشروط لوقف إطلاق النار وأبرزها منحها حق الرقابة البرية والبحرية والجوية على لبنان لضمان عدم إعادة تعزيز حزب الله لترسانته العسكرية وعدم استقدام المزيد من الأسلحة كي لا يتمكن من إعادة بناء قوته. هذه الشروط مرفوضة لبنانياً، بينما تحاول إسرائيل فرضها بالقوة أو من خلال انتزاع تأييد دولي لجعلها وصية أمنياً وعسكرياً على لبنان. وهو ما تريد إسرائيل تحقيقه من خلال تصعيدها العسكري لفرض الشروط على اللبنانيين. لكن المفاوضات التي تخوضها إسرائيل مع الولايات المتحدة الأميركية تختلف كلياً عن المفاوضات التي يخوضها لبنان والذي يطالب بتطبيق القرار 1701، ووقف إطلاق النار.

تغيير الوقائع
في المقابل هناك قناعة دولية تشير إلى أن هذه الحرب الكبرى التي تشنّها إسرائيل، وكل هذا الدمار الذي تتسبب به، بالإضافة إلى الخسائر الكبرى التي تتكبدها عسكرياً، بشرياً، اقتصادياً وأمنياً وحتى على مستوى تهجير سكان المستوطنات لا يمكن أن ينتهي بوقف إطلاق نار فقط وفق ما كانت عليه المسارات السابقة؛ فما تريد إسرائيل هو تغيير كل الوقائع السياسية والعسكرية والأمنية. وهي تريد فرض وصاية على لبنان وأن يكون لها الحق ساعة تريد لتنفيذ عمليات أمنية أو عسكرية في لبنان في حال لمست خروقات للاتفاق. أو البديل عن ذلك هو الدخول في مسار سياسي مختلف. لبنان يسميه “ضمان استقرار طويل الأمد”. بينما في الولايات المتحدة الأميركية يسمونه بالسلام على اعتبار أن هذه الحرب يجب أن تكون الأخيرة. وهو أيضاً ما يؤكده الإسرائيليون لا سيما نتنياهو الذي يقول إنه يخوض حرباً وجودية بالنسبة إلى إسرائيل ويريد فيها تغيير وقائع المنطقة، كما أنه يريد إبرام المزيد من اتفاقات السلام في المنطقة. كلام يتقاطع مع ما يقوله المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي عندما سئل عن الحرب بين إسرائيل وحزب الله قال: “علينا معالجة الأمر برمّته، وسأصنع السلام في الشرق الأوسط”.

الدور الأميركي
هنا يبرز تنازع داخل الولايات المتحدة الأميركية، بين الجمهوريين والديمقراطيين حول القراءة الجدية للوضع في الشرق الأوسط. فجماعة ترامب يتهمون إدارة جو بايدن بأنها تساهلية ومهادنة مع إيران، ويعتبرونها الولاية الثالثة لباراك أوباما، وأنها لا تمانع من التعايش مجدداً مع النفوذ الإيراني ومع سطوة حلفاء إيران في المنطقة مقابل ضمان أمن إسرائيل. بينما يقدم ترامب طرحه المختلف الذي يشير فيه إلى أنه سيحّل الأمر برمّته وسيصنع السلام في الشرق الأوسط، لذلك تتركز اتهامات الجمهوريين حالياً للمرشحة كامالا هاريس بوصف نجاحها امتداد رابع لولاية أوباما وهو ما يحاول الجمهوريون والترامبيون بالتحديد تطويقه، من خلال إعطاء إسرائيل المزيد من الفرص لمواصلة عملياتها العسكرية وتحقيق أهدافها.

وتقول مصادر أميركية إن ترامب في حال فوزه سيمارس أقصى أنواع الضغوط على لبنان لدفعه إلى توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، علماً أن ذلك غير ممكن بالنسبة إلى اللبنانيين، كما أن لدى لبنان أراض محتلة يجب على الإسرائيليين الانسحاب منها وبعد ذلك تتم عملية ترسيم الحدود والعودة إلى اتفاق الهدنة بغض النظر عن انطلاق مسار التطبيع أو اتفاقيات السلام في المنطقة. في هذا السياق، تشير مصادر متابعة إلى أن المطروح هو اتفاق يشبه اتفاق الهدنة 1949، ولا يكون اتفاق سلام، ومن دون علاقات، أو تطبيع أو فتح حدود. ويتضمن الاتفاق تعهدات بعدم القيام بأي عمليات عسكرية، وأن لا تكون الأرض الحدودية منطلقاً لعمليات مقاومة أو مقراً لها. بينما أقصى ما يريد لبنان الوصول إليه هو تحرير أراضيه وانسحاب الإسرائيليين منها والعودة إلى اتفاقية الهدنة.

منير الربيع- المدن

مقالات ذات صلة