قاسم شيخ “المرحلة الانتقاليّة”… رأس بلا قرار في هذه المرحلة العصيبة

يختلف الشيخ نعيم قاسم عن سلفه السيّد حسن نصرالله بعدد من المواصفات الشخصية ومشارب التنشئة، مع أنّ كليهما كانا عضوين قياديَّين في حركة أمل، قبل الانشقاق عنها، وتأسيس ما عُرف بالحزب. يتميّز قاسم بشخصية هادئة، غير جاذبة للجمهور عموماً، فيما اشتهر نصرالله بخطاباته العالية النبرة، والقادرة على استمالة الجماهير، وتشكيل الرأي العامّ، وصياغة السردية فتسري سريان النار في الهشيم.

لكنّ بداية نصرالله لدى تسلّمه الأمانة العامّة عقب اغتيال السيّد عباس الموسوي في غارة إسرائيلية عام 1992، كانت ترسم صورة مشابهة لنعيم قاسم اليوم كشخصية هادئة ورزينة، قبل أن تتبلور ميزاته الكاريزماتيّة مع قدرات تعبويّة استثنائية.

إذا كان الأمين العامّ السابق عُرف بقربه من صنّاع القرار في إيران، فإنّ الأمين العامّ الحالي متنوّع التجارب بين الاتّجاهات المختلفة السنّية والشيعية. ولن تكون مهمّة نعيم قاسم سهلة، وهو كان ظلّاً لسلفه ولا يتصدّر المشهد. والسؤال كان دائماً عن سبب مكوثه في منصب النائب، وعدم ترداد اسمه إطلاقاً كمرشّح لتسلم المكان الأوّل في الحزب، عند أيّ طارئ، كما حدث أخيراً.

الرجل الثّاني

نعيم قاسم الذي اعتاد أن يكون الرجل الثاني في الحزب منذ عام 1991، نائباً للأمين العامّ، لمدّة تزيد على 33 عاماً، وهو الذي شارك في تأسيسه غداة الاجتياح الإسرائيلي في لبنان في 1982، يتصدّر المشهد الحزبي الآن في أصعب الظروف وأسوئها بالنسبة لحزب لم يعرف في مسيرته الشاقّة والدؤوبة إلا تخطّي العوائق والنموّ المطّرد.

بعد اغتيال أمينه العامّ الراحل، صاحب الشخصية الآسرة، والمؤثّرة في عمق الوجدان الشيعي، في لبنان وخارجه، السيّد حسن نصرالله، ثمّ اغتيال خليفته المتوقّع السيّد هاشم صفي الدين، في غارة شبيهة بالغارة التي قتلت شبيهه وقريبه، في الضاحية الجنوبية، واغتيال شخصيات قيادية أخرى، خلال أسابيع قليلة، من الصف الأوّل والثاني، أضحى الشيخ نعيم قاسم هو الخيار الملائم لهذه المرحلة، مع أنّه كان أكّد في خطابه الأوّل في 30 أيلول الماضي أنّ الحزب سيختار أميناً عامّاً جديداً، في أقرب فرصة، مع توارد معلومات عن تكليف قيادة جماعية، وعن تأخير انتخاب قائد جديد، حتى لا يصبح هدفاً لمحاولات الاغتيال الإسرائيلية.

نشأته المتنوّعة

ما هي ميزات القائد الجديد؟ وبماذا يختلف عن سلفه؟

عُرف نعيم قاسم بتسلّمه النواحي التربوية في الحزب قبل ارتقائه في المناصب القيادية، إلى أن أضحى نائباً للأمين العامّ السابق عباس الموسوي عام 1991، واستمرّ في المنصب نفسه مع السيّد نصرالله. وكان يتولّى طوال السنوات المنصرمة ملفّ “كتلة الوفاء للمقاومة” في البرلمان، ورأس هيئة العمل الحكومي لمتابعة أعمال الوزارات المختلفة ودراسة قراراتها، والإشراف على أعمال وزراء الحزب في الحكومة، فلم يكن له تعلّق مباشر بالعمل العسكري والأمنيّ، كما كان حال نصرالله.

بخلاف سلفه، جمع قاسم بين الدراسة الدينية على يد المرجع الراحل السيّد محمد حسين فضل الله، ودراسة الكيمياء من الجامعة اللبنانية، ودرّس مادّة الكيمياء في المدارس قبل تفرّغه للعمل التنظيمي. هو من الرعيل الأوّل من الإسلاميين، روّاد المساجد قبل سنوات من انطلاق الثورة الإيرانية عام 1979. في تلك المرحلة المبكرة من العمل الإسلامي، وبغياب حركات أو أحزاب شيعية، تلقّى نعيم قاسم وبعض من رفاقه الأوائل التنشئة الإسلامية في الوسط السنّي، بتوجّه صوفيّ حديث، في حين كان شيعة آخرون يبحثون عن مبتغاهم في حركات سنّية أخرى، مثل حزب التحرير والجماعة الإسلامية وجماعة عبدالله الحبشي (توفّي عام 2008).

في الستّينيات من القرن الماضي، كانت الأدبيّات الإسلامية الحركيّة السنّية رائجة، ليس في لبنان فقط، بل إنّ حزب الدعوة الإسلامية الذي تأسّس في العراق عام 1957، وكان السيّد محمد باقر الصدر (أُعدم عام 1980) من أبرز مؤسّسيه، كان الرجل الأوّل فيه هو المهندس محمد هادي السبيتي (توفّي في السجن عام 1988)، الذي كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، ثمّ أضحى قيادياً في حزب التحرير الذي أسّسه القاضي الفلسطيني تقيّ الدين النبهاني (توفّي عام 1977). وعلى الرغم من ذلك، حافظ السبيتي على اتّجاهه الوحدوي، متأثّراً بنشأته السابقة.

أمّا نعيم قاسم فانجذب إلى السيّد موسى الصدر الذي نجح في تشكيل شخصية مستقلّة للشيعة في لبنان، عبر تأسيس المجلس الشيعي الأعلى عام 1967، ثمّ حركة المحرومين، وأفواج المقاومة اللبنانية (أمل) عام 1974. ومع تغييب الإمام الصدر عام 1978، شارك قاسم في تأسيس الحزب، من ضمن التجمّعات العلمائية واللجان الإسلامية والمستقلّين. ولم يكن السيّد الصدر قريباً من حزب الدعوة، لكنّ السيّد فضل الله، والشيخ محمد مهدي شمس الدين (توفّي عام 2001) نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى، كانا في أجواء حزب الدعوة عندما درسا العلوم الدينية في النجف.

نشأ الشيخ نعيم قاسم بين تلك الشخصيات الثلاث (الصدر وفضل الله وشمس الدين)، وكان تأثّره بهم طبيعياً، قبل لحاقه بولاية الفقيه عقب الثورة الإيرانية. من هنا، الرأي الشائع منذ سنوات طويلة أنّ الشيخ نعيم قاسم يمثّل اتّجاه فكر حزب الدعوة في الحزب. وهو على أيّ حال معروف باتّجاهه الأيديولوجيّ الصلب، وأنّه داعية ومربٍّ وواعظ بالنظر إلى تجربته العريضة منذ نشأته الأولى مدرّساً في المساجد والحسينيّات.

هل هو القائد المناسب في هذه المرحلة العصيبة ذات الطابع العسكري والأمنيّ؟ أم هو قائد المرحلة الانتقالية إلى حزب جديد يحتاج إلى ورشة عمل ضخمة بعد انقضاء الحرب؟ يبدو من طبيعة التحدّيات الهائلة التي يواجهها الشيعة عموماً، لا الحزب وحده، أنّ نعيم قاسم، الذي التحق في عمر الشباب بشخصية مؤثّرة أعادت تكوين شخصية الطائفة في الستّينيات، سيجد أمامه مهمّة أصعب، وهي المرور على خيط مشدود من أجل النجاة بأقلّ الخسائر الممكنة.

هشام عليوان- اساس

مقالات ذات صلة