عندما يتماهى خصوم المقاومة مع العدوّ…إلى حيث الخراب الكبير؟

الصوت المرتفع الذي ينبغي أن يسمعه المراهنون على العدوّ كل الوقت، ليس هدفه التلويح بالانتقام، ولو أن الحافزية قوية لدى جمهور المقاومة، بل يهدف إلى إفهام «الكسالى» أن إسرائيل لا تعمل عندهم، ولم تكن يوماً خادمة لأحلامهم، وأن كل حصاد ينشدونه من هذه الحرب سيكون خاضعاً لما يريده العدوّ فقط. وبالتالي، فإن كل محاولة من قبل جهات محلية للحصول على «مكاسب جانبية»، هي مقدمة لتدمير الصيغة الناظمة للحياة السياسية، ومدخل لتفتيت كل المؤسسات الرسمية القائمة.

المشكلة الماثلة أمامنا اليوم هي أن هناك جهات لبنانية «تستسهل» التعاون مع الأميركيين والبريطانيين والألمان في تنفيذ «الشق المحلي» من العدوان. وهذه الجهات تكابر عندما تزعم أنها تفعل ما يناسب المصلحة اللبنانية، علماً أن هؤلاء يناقضون أنفسهم بصورة مذهلة. إذ كانوا على الدوام يرفضون حجة المقاومة بأنها هي أيضاً تقوم بما يهدف إلى تحقيق المصلحة اللبنانية، وكانوا – ولا يزالون – ينكرون على المقاومين حتى هويتهم الوطنية بالمعنى التقليدي. فهم، عملياً، يعتبرون المقاومين مجرد أدوات في يد إيران، يحملون أفكاراً لا تخص لبنان، وبالتالي، لا مشكلة لدى هؤلاء بأن تتخلّص إسرائيل من كل المقاومين، وليس من سلاحهم فقط.

اما من يصنّفون بين خصوم المقاومة في خانة «العقلاء»، فيعيدون صياغة المشهد وفق القواعد السيئة التي قام عليها لبنان، وينظرون إلى نتائج الحرب على أنها نكبة للشيعة. وهؤلاء يفعلون عكس ما يقولون، كونهم يقرّون عملياً بوجود تماهٍ بين المجتمع الشيعي وحزب الله. لكنهم يتجاهلون، مرة جديدة، قراءة الجانب الأوضح من المشهد، إذ إن القاعدة الاجتماعية لحزب الله هي نفسها القاعدة الاجتماعية التي وقفت الى جانب المقاومة الفلسطينية، وكانت الخزان البشري لفصائلها ولقوى اليسار والأحزاب القومية. وهذه القاعدة هي التي جعلت قراها وبلداتها ملاذاً آمناً لكل من أراد مقاومة إسرائيل. وبالتالي، فإنّ محاولة التعامل مع «مجتمع حزب الله» باعتباره حالة طائفية يمكن مقايضتها، بحيث نأخذ منها المقاومة ونعطيها مكاسب في تركيبة الحكم الداخلي، هي أشبه بصنع عجينة البيتزا من عظام الدجاج.

نحن اليوم أمام سردية يعرضها خصوم المقاومة طوال الوقت، تقوم على فكرة أن السلاح هو مصدر الشرور. وينقسم هؤلاء بين فئة ترفض السلاح حتى ولو كان هدفه مقاومة إسرائيل لأنها لا تنظر إلى إسرائيل كقوة احتلال، وحتى عندما تتلفّظ بعبارة «العدوّ الإسرائيلي» تفعل ذلك بطريقة مضحكة. وهناك فئة أخرى، هي نفسها المسؤولة عن الخراب الذي يصيب هيكل لبنان منذ عقود طويلة، لكنها تجد في سلاح المقاومة «حيلة» مناسبة لإبعاد التهمة عنها. وهذه الفئة كبيرة جداً، وموجودة في كل الطوائف والمناطق والطبقات الاجتماعية، وهذه لا يمكن أن تكون مؤتمنة على البلاد ولا على العباد.

من عجائب الدهر أن تنتظر إعلام «السياديّين» يسأل عمّا يفعله الأميركيون عند ساحل ضبيّة، بينما تركض فرقهم للجواب عن أسئلة العدوّ في مستشفى الساحل

لكنّ، هناك أيضاً فئة ثالثة من خصوم المقاومة، ترى أن مشكلة لبنان مع إسرائيل حُلّت بالتحرير عام 2000، ولا داعي لخوض حروب كبيرة من أجل تحرير ما بقي من أرض ومياه تحت الاحتلال. هذه الفئة ليست متورطة مباشرة في المشروع الأميركي – الإسرائيلي، لكنّ مشكلتها أنها تريد الحصول على بطاقة عضوية في النادي الغربي، اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وسلوكياً، وتعرف أن شرط الحصول على العضوية هو تقديم أوراق اعتماد على شكل انخراط في محاربة المقاومة.

ما سبق يقودنا الى النقطة الأكثر حساسية، وهي افتقاد كل خصوم المقاومة أيّ تصوّر واقعي حول صيغة حكم وهويّة تجمع كل اللبنانيين تحت راية واحدة. وعدم توفر التصوّر سببه أن اللبنانيين، عموماً، يفضّلون الهروب من التحدّيات الفعلية المتعلقة بشروط بناء الدولة. وهذا ما يجعل كل خصوم المقاومة في مربع واحد، وفي قالب واحد مهما تعدّدت الألوان.

بهذا المعنى، يمكننا مصارحة خصوم المقاومة اليوم، والقول لهم إن مشكلتهم الفعلية مع حزب الله ليست في كونه شيعياً، ولا في العقيدة التي يحملها، ولا في برامجه التعليمية أو في مؤسساته الصحية والاجتماعية، بل إن مشكلتهم في أن حزب الله قرر أن يكون ضمن حركة المقاومة للهيمنة الأميركية وللاحتلال الإسرائيلي.

هذه الخلاصة ليست انتقائية، بل هي مباشرة، ومن شأنها تسهيل تفكيك خطاب القوى المتماهية مع أهداف العدوان، نظراً إلى أن هذا التحالف المعادي لا يملك منطقاً خاصاً به، بل هو جزء من الحرب نفسها. لقد قبل هؤلاء أن يتحوّلوا إلى جزءٍ من أدوات الضغط لعدم تلقّي لبنان أيّ نوع من المساعدات الإغاثية الآتية من العراق أو إيران، لكنهم لا يبدون أيّ احتجاج على مشهد الفرق الأميركية والبريطانية والألمانية التي تسرح وتمرح في مراكز قيادة أهم مؤسسات الدولة ومرافقها. وعلى ما يقول البعض، فإنّ وسائل إعلام هذه الجهات وصحافييها، الذين قبلوا بأن يكون جيش الاحتلال هو مدير الأخبار الذي يديرهم، تجنّدوا جميعاً للإجابة عن أسئلة العدوّ حول ما يوجد في أسفل مستشفى الساحل. لكن سيكون من عجائب الدهر، أن تجد صحافياً من هؤلاء يحاول التدقيق في ما يفعله الجيش الأميركي (بواسطة جهات لبنانية) عند شاطئ ضبية، أو يسأل عن سبب جولات التفقّد الدورية لضباط استخبارات أجانب لمطار لبنان ومرافقه ومعابره. عندما تجد نفسك أمام سياق من هذا النوع، لا يمكنك التساهل مع كل الخطاب المعادي، ولا مع أدواته، ويصبح لزاماً على من في رأسه بقية عقل أن يواجه هؤلاء، وأن يقول لهم إن الأمور لا تسير على هذا النحو، وإن كلفة الانخراط في المقاومة والدفاع عنها أكبر بكثير من كلفة مواجهة هؤلاء.

أما من يريد الرقص فوق الدماء ومن حول النار، فليس له أن يطلب الأمان من أهل الأرض وأصحاب القضية، وعليه أن يفهم أن ما يفعله يقوده حتماً الى حيث يريد العدوّ، وإلى حيث الخراب الكبير.

ابراهيم الامين- الاخبار

مقالات ذات صلة