استهدافات “عاريا”… على طريق الفتنة: تأليب مناطق من غير البيئة الحاضنة ضد حزب الله؟
في حرب تموز 2006 دمرت اسرائيل كل ما أمكنها من بنى تحتية، لا سيما الطرق والجسور، لأن هدفها كان قطع طرق إمداد “حزب الله” وخصوصاً طريق البقاع الذي يعتبر خزان الحزب الرئيسي، ويقع على حدود سوريا، حيث تتداخل الأراضي بين قرى البلدين، عدا عن “المعابر الشرعية” الموجودة فيه.
ولكن منذ اشتعال الحرب الشاملة في أواخر أيلول الماضي، لم تقدم اسرائيل على تدمير طريق بيروت – البقاع، لا من ضهر البيدر كما فعلت في حرب تموز، ولا من طرق أخرى، بل بدأت تستهدف في الأيام الأخيرة آليات على طريق عاريا – الكحالة – عاليه. وفيما تمكنت من استهداف “فان” كان يحتوي على نوع من الذخائر، برزت عدة أسئلة، أليس من الأسهل لاسرائيل أن تقطع طريق البقاع بدلاً من استهدافات كهذه؟ أليس من الممكن أن تمر آليات من دون أن تتمكن من رصدها المسيرات الاسرائيلية؟ فلماذا تلجأ اسرائيل الى هذا الأسلوب؟
بداية يملك الجيش الاسرائيلي بعضاً من أكثر أنظمة الرصد تطوراً في العالم، ومسيراته مجهزة بها، وبطبيعة الحال من غير المرجح أن السيارات التي استهدفت على طريق عاريا – عاليه رصدت هناك فجأة، بل على الأرجح كان يجري تتبعها لمسافة طويلة قبل استهدافها. وكذلك لدى الجيش الاسرائيلي صواريخ موجهة تمتلك قدرة تعقب حتى الأهداف المتحركة، ولهذا ترى مصادر قريبة من الثنائي الشيعي أن “هدف اسرائيل واضح بكل وقاحة، فهي تريد تأليب مناطق من غير البيئة الحاضنة ضد حزب الله عموماً، وضد النازحين من بيئته خصوصاً، بحيث تسعى الى أن تتحول الطرق إلى حواجز مدنية تراقب تحركات آلياته وتعترضها، وكذلك إلى زرع الشقاق بين المجتمعات المضيفة والنازحين، لأن من شأن أمر كهذا أن يتسبب في خلافات بين الطرفين”.
وتتوجس المصادر من التصعيد أكثر في مراحل لاحقة تستهدف فيها أبنية يقطنها نازحون في المجتمعات المضيفة.
وبالتوازي مع استهدافات مثل هذه، يلاحظ تفعيل حسابات على مواقع التواصل بأسماء عربية تروّج للسردية الاسرائيلية، ومن يتابع هذه الحسابات يلاحظ أنها حسابات غير ناشطة وكأن هناك من أعطى أمراً بتفعيلها.
بالاضافة إلى ذلك، يظهر المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي في مقاطع فيديو، يتوجه فيها إلى اللبنانيين ويطالبهم بالتحرك ضد “حزب الله”، وينشر السردية الاسرائيلية. ويقول الاعلامي عباس زلزلي لموقع “لبنان الكبير”: “على طريقة جوزيف غوبلز وزير البروباغندا النازي يعمل أفيخاي أدرعي الناطق الإعلامي باسم الجيش الاسرائيلي، طبعاً لا يمكن القول إنه يفبرك كل ما ينشره، فهناك أمور كثيرة ينشرها صحيحة، لا سيما الموثقة بالفيديو، ولكنه يكذب في كثير من الأمور، ويحاول اللعب على سيكولوجيا الجماهير، بشن حروب نفسية، عندما ينشر هذه الفيديوهات للمقاتلين من المقاومة في لبنان، هو لا يعلم أنها تعطي مفعولاً معاكساً لما يريد”.
ويعتبر زلزلي أن “أدرعي هزلي في كثير من الأوقات، يلجأ إلى أسلوب الكراكوز في الرد على بعض الناشطين أو الصحافيين في لبنان، ومن الطبيعي جداً في الحروب أن تستخدم الجيوش والدول هذا النوع من البروباغندا، ولذلك هو الناطق باسم البروباغندا الاسرائيلية، وليس الناطق باسم الاعلام، كما كان غوبلز هو الناطق باسم البروباغندا النازية”.
أما الاعلامية بولا أسطيح فتقول: “يبدو واضحاً أن اسرائيل قررت ومنذ البداية خوض حربين بالتوازي، حرب عسكرية شرسة وأخرى اعلامية نشطة وقد أوكلت أفيخاي أدرعي القيادة في الثانية، وللأسف تحول هذا الأخير مرجعاً للبنانيين، ولو غصباً عنهم، بحيث باتوا مضطرين الى رصد تغريداته أولاً بأول كونه يُحدد معظم الأهداف قبل أن تُقصف. كذلك يبدو أن أدرعي يُتقن دوره جيداً فهو موجود على تويتر ٢٤/٢٤، يتابع الناشطين اللبنانيين ويرد عليهم، يُسجل فيديوهات تدعم سرديات اسرائيل ورواياتها، كما يتفرغ ليل نهار ليحدد للبنانيين المناطق والمباني التي يُفترض اخلاؤها”.
طبعاً من غير المؤكد أن أدرعي يدير الحساب وحده، وأن هناك فريق عمل يدير حسابه، من أجل أن يكون ناشطاً ٢٤/٢٤، وتشن اسرائيل عبره وعبر الاستهدافات حرباً بأهداف متعددة. وتقول مصادر الثنائي الشيعي إن لدى الادارة في اسرائيل قناعة بأن “حزب الله لا يمكن هزيمته بالمواجهات المباشرة، أو أن هزيمة الحزب تحتاج الى ثمن غالٍ جداً لا يمكن لاسرائيل تحمل كلفته، وهذه القناعة تقول إن التوترات الداخلية هي الوحيدة التي من شأنها إضعاف الحزب لهزيمته، لا سيما إن أصبح اللبنانيون خفراء على تحركات الحزب، ولهذا السبب تحصل هذه الاستهدافات، بالتوازي مع فيديوهات تحريضية لأدرعي، بحيث من الواضح أن اسرائيل تراهن على الفتنة الداخلية”.
محمد شمس الدين- لبنان الكبير