إنتخاب رئيس للجمهوريّة مُجمّد: لماذا تستعجل أميركا حصوله؟
مر عامان على الشغور في رئاسة الجمهورية، وقد يمتد الى فترة اطول، لانه لا يبدو ان حلولا او تسويات اقتربت او يعمل لها لحصول انتخاب رئيس للجمهورية، فلا وجود لمؤشرات لبنانية داخلية عن ان الاستحقاق الرئاسي سينجز قريباً، كما ان الوساطات الخارجية التي تمثلها «اللجنة الخماسية» والمؤلفة من اميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر لم تتوصل بعد حوالى عامين على تشكيلها الى حل للازمة الرئاسية، سوى اجتماعات بين وزراء خارجية هذه الدول من وقت وآخر، وهذا ما يفعله سفراؤهم في لبنان.
فالجمود الرئاسي هو الذي يسيطر في الداخل اللبناني، والذي لا يغيب موضوع انتخاب رئيس الجمهورية عن البيانات السياسية وعظات البطريرك الماروني بشارة الراعي وغيره من المرجعيات الدينية ، وكان آخر ما ظهر هو «المبادرة الثلاثية» التي اعلنها كل من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي والرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في لقاء لهم بعين التينة منذ نحو اكثر من شهرين، وقبل ان يشن العدو الاسرائيلي حرباً واسعة على لبنان في نهاية ايلول الماضي.
فازمة انتخاب رئيس للجمهورية، كانت سابقة لعملية طوفان الاقصى في غزة، التي نفذتها كتائب القسّام في حركة حماس، واسناد حزب الله لها بعد شن العدو «الاسرائيلي» حرباً واسعة على غزة، فجرت محاولات لفك الارتباط بين الحرب في غزة والاسناد في الجنوب ورئاسة الجمهورية، التي لم تظهر لها حلول لبنانية، بالرغم من مبادرة بري للحوار والانتخاب، او اقتراح «كتلة الاعتدال الوطني» النيابية للتشاور والانتخاب، ثم اسقاط بري الحوار عن الانتخاب والدعوة الى مرشح توافقي يحظى بـ86 صوتاً من اعضاء مجلس النواب، وهو العدد المطلوب لتأمين النصاب القانوني لجلسة الانتخاب وفوز المرشح بها، لكن كل الاقتراحات الداخلية لم يعمل بها، مع استمرار تطبيق جلسات مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية منذ 14 حزيران 2023، بعد ان استهلكت عملية الانتخاب 12 جلسة.
لذلك، لا توجد مبادرات داخلية او خارجية لانتخاب رئيس للجمهورية، والذي تقدمت عليه الحرب «الاسرائيلية» المدمرة على لبنان، فبات وقفها هو الذي يتقدم على اي ملف آخر، في ظل حملة الاغتيالات التي ينفذها العدو الاسرائيلي ضد قيادات في حزب الله او افراد منه، اضافة الى التدمير الممنهج الذي لم يوفر مدينة او بلدة في الجنوب الى البقاع فالضاحية الجنوبية لبيروت، وكلها بيئات حاضنة لحزب الله ومقاومته، وفق ما تقول مصادر نيابية، التي لا ترى انتخابا لرئيس الجمهورية قبل وقف الحرب، وهذا ما ينقل ايضاً عن بري الذي كان لا يمانع فك الارتباط بينهما ،عندما كانت المواجهة العسكرية عند الشريط الحدودي محكومة بقواعد اشتباك، اما بعد توسع الحرب، فلم يعد من مجال ان تحصل العملية الانتخابية تحت النار.
يحاول العدو الاسرائيلي ان يستثمر في هذه الحرب التي يعتبر قادته ان حزب الله خسر فيها عسكرياً، وعليه ان يستسلم ويقبل الشروط «الاسرائيلية» ومنها تسليم سلاحه، وهذا ما رفضه الامين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم، الذي اعلن ان الهزيمة ستلحق بالكيان الصهيوني، الذي يمر في ايام صعبة، وفق ما يقول قادته، فلماذا سيجري انتخاب رئيس للجمهورية، واستنساخ ما حصل في اثناء الغزو الصهيوني للبنان صيف 1982، فجرى انتخاب بشير الجميل في ظل الاحتلال الصهيوني الذي تعاون معه، واتفق مع رئيس الحكومة «الاسرائيلية» آنذاك مناحيم بيغن، لتوقيع لبنان «اتفاق سلام» مع الكيان الصهيوني. لكن المخطط «الاسرائيلي» فشل مع المتعاملين معه في تحقيقه، فاغتيل بشير الجميل ولم يتمكن شقيقه امين الذي انتخب خلفاً له من ان يحكم ، فسقط اتفاق 17 ايار للسلام مع العدو «الاسرائيلي»، وتمكنت المقاومة من انهاء الاحتلال «الاسرائيلي» الذي بدأ من بيروت، وكل مفاعيله ونتائجه.
من هنا، فان انتخاب رئيس للجمهورية باتت تستعجله الادارة الاميركية، التي تحاول ان تستثمر كما العدو الاسرائيلي في ما تعتبره هزيمة لحزب الله في لبنان، وتلاقيهما اطراف لبنانية، تدعو الى الاسراع في اجراء الانتخابات تحت عنوان، ضرورة وجود رئيس للجمهورية ليفاوض عن مرحلة ما بعد الحرب، وفق ما تكشف مصادر حزبية في خط المقاومة، التي تؤكد ان ما حصل في العام 1982 لن يتكرر بوصول رئيس للجمهورية يوقع «اتفاق سلام» مع الكيان الصهيوني، والمقاومة ستحبط هذا المشروع ، وهي في صمودها على خطوط المواجهة مع العدو الاسرائيلي عند الحافة الامامية في الشريط الحدودي، تنكسر الاحزاب نفسها التي لم تخرج بعد، مما اقدمت عليه في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
كمال ذبيان- الديار