هكذا اجهض السيناريو الاسوأ ونجت المقاومة: لماذ يراهن قاسم على الوقت؟

بدا الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في اول كلمة له بعد تعيينه واثقا من النصر متكئا على صمود بيئة المقاومة، وبسالة وجهوزية المقاومين على الارض، مبددا كل الاوهام بشان وجود اتصالات سياسية ودبلوماسية جادة يمكن ان توقف العدوان الاسرائيلي الهمجي على الاراضي اللبنانية، اقله قبل موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية في الخامس من الشهر المقبل. فما اسباب هذه الثقة؟ ولماذا الرهان على الوقت؟ وكيف نجت المقاومة؟

كلام الشيخ قاسم عشية الزيارة المفترضة للمبعوث الاميركي عاموس هوكشتاين تبدو واضحة المعالم لجهة عدم استعداد حزب الله ولبنان الرسمي للقبول بالشروط الاسرائيلية المسربة عبر المصادر الاميركية الرسمية وغير الرسمية، ورفض واضح لسياسة “لي الذراع” تحت النيران. اما بالنسبة الى موعد الاستحقاق الانتخابي الاميركي، فتشير مصادر مقربة من حزب الله الى ان الحزب لا يعول على هوية الساكن الجديد في البيت الابيض لتغيير سياسة واشنطن تجاه المنطقة، وخصوصا اسرائيل، لكن ما يحصل الان ليس فقط حالة من الفراغ القيادي في واشنطن، وانما حالة ضعف ووهن غير مسبوقة تجعل من رئيس حكومة العدو هو المتحكم بالتكتيك، لا الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط، وهو يستغل الموقف الى ابعد حدود بالحصول على المزيد من الوقت لتحقيق ما يراه اهدافا تخدمه شخصيا وتحقق المصالح الاسرائيلية والاميركية في المنطقة.

هذا الواقع يعطل فرص التفاوض غير المباشر على كل الملفات العالقة، الساخنة منها والباردة، ويجعل الحرب دون افق سياسي، وبمجرد وصول رئيس جديد ستتضح اكثر معالم المرحلة المقبلة لجهة معرفة اتجاهات الاستراتيجية الاميركية المتحللة من ضغوط الانتخابات، ويبنى حينها على “الشيء مقتضاه” بشان المسار الدبلوماسي الذي سيبقى معلقا الى ذلك الوقت، حيث ستبدأ العروض الاميركية الجدية لاخراج اسرائيل من مازق المراوحة الميدانية التي تتحول يوما بعد يوم الى غرق في الوحول اللبنانية بعدما استنفدت الاهداف العسكرية جميعها، ولم يعد بالامكان الاستثمار في الميدان لتحقيق السقوف العالية التي رفعت في الايام الاولى للحرب. ولان واشنطن اكثر براغماتية من المتوقع ان تعود الى السياسة التي يمكن ان تنتج التسويات مرة اخرى.

الحريق الكبير

اما في حال حصول الاسوأ، اي عودة الرئيس السابق دونالد ترامب الى البيت الابيض، وامتناعه عن سياسة الصفقات، فهذا سيعني منح نتانياهو “الضوء الاخضر” للاستمرار في الحرب وتوسيعها وعندها لن تكون طهران قادرة على الاستمرار بتبني استراتيجية الاكتفاء بتبادل اللكمات مع كيان الاحتلال، وستكون المنطقة امام حريق كبير، قد يسبق موعد الاستحقاق الانتخابي اذا قررت الجمهورية الاسلامية الرد بقوة على الاعتداء الاسرائيلي الاخير، وهو امر بات مرجحا جدا بعدما حسم القرار في طهران لصالح المعسكر الذي يقوده المرشد الاعلى السيد علي خامنئي، والذي يرى ان عدم الرد يمنح العدو مؤشرات ضعف قد تفهم على نحو خاطىء تسمح لنتانياهو بان يتجرأ اكثر ويذهب الى استهداف مرافق حيوية نفطية ونووية اذا فاز ترامب. وفي هذا السياق، ثمة مؤشران مهمان يدلان على هذا التوجه، الاول ما قاله وزير الدفاع الايراني عزيز نصير زادة بانه حتى لو “تم اطلاق رصاصة واحدة على الصحراء الايرانية فان القيادة تعتبره اعتداء سيتم الرد عليه”. والثاني الوصول المفاجىء لقائد المنطقة الوسطى الاميركية كوريلا الى اسرائيل للتنسيق المشترك ميدانيا في ظل معلومات عن استعدادات ايرانية للرد.

خيارات بري وميقاتي؟

هذا الرهان على الوقت في الشق الدبلوماسي يترافق مع ثبات في الموقف الداخلي سواء من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصرف الاعمال نجيب ميقاتي، فالاول لم يعد فقط المسؤول الاول عن التفاوض باسم المقاومة، وانما المستهدف الاول بعد حزب الله في بيئته الحاضنة حيث احرق الاميركيون جميع “المراكب” مع عين التينة، بعدما منحوا اسرائيل “الضوء الاخضر” لمحاولة اخضاع بري ميدانيا عبر توجيه ضربات همجية وانتقامية تستهدف المناطق المحسوبة على حركة امل، وبذلك لم يعد لدى بري اي هامش للمناورة ومحاولة تدوير الزوايا تفاوضيا، واصبح اكثر تشددا من اي يوم مضى بعدما اصبع عنوان الطروحات الاستسلام الكامل تحت النيران.

وبما ان بري لم يعد لديه شيء ليخسره سيقاتل دبلوماسيا حتى النهاية، فيما شباب حركة امل يدافعون مع حزب الله “كتفا بكتف” عن قراهم، والكلمة الفصل باتت للميدان وليس اي شيء آخر. وهذا ينسحب ايضا على الرئيس ميقاتي الذي لم يترك له الاميركيون اي هامش للمناورة، وبات يدرك جيدا ان كل ما قام به من محاولات علنية وبعيدة عن الاضواء للايحاء انه يؤيد ابعاد التاثير الايراني عن الساحة اللبنانية عله يخفف من تطرف الاميركيين والاسرائيليين، لم يجد نفعا، وما يطلبونه منه لا يستطيع ان يمنحهم اياها لانه اولا يخالف قناعاته ، وثانيا، لا يمكنه تسييله داخليا في ظل موازين القوى القائمة والتي لا تشير ابدا الى ان المقاومة قد هزمت، فكيف يريدون منه القبول بشروط استسلام مهينة؟

كل ما تقدم لا يمكن التعويل عليه اذا لم يكن الميدان بخير، وهو الامر الاساسي الذي يبني عليه حزب الله ثباته السياسي، ويبدي استعدادا لتحمل الحرب القاسية مهما طال امدها. ووفقا لتلك المصادر، نجحت قيادة المقاومة في لملمة اثار الضربات الموجعة التي تلقتها من خلال تطبيق خطط بديلة سبق وضعها من قبل المجلس الجهادي وصدق عليها السيد الشهيد حسن نصرالله بعد فترة وجيزة من انطلاق جبهة المساندة، حيث وضعت عدة سيناريوهات تدرجت في السوء من الاعلى الى الاسفل، وقد يكون من المفاجىء القول ان ما حصل، وعلى الرغم من قساوته، لم يكن وفق السيناريو الاكثر سوءا الموجود في خطط المقاومة، فاغتيال السيد نصرالله وقيادة الرضوان برئاسة الشهيد ايراهيم عقيل،وقبلهم رئيس الاركان الشهيد فؤاد شكر، ومجزرة “البيجرز” والاتصالات، وكذلك اغتيال رئيس الهيئة التنفيذية السيد هاشم صفي الدين، كل هذه الاحداث لم تكن مصنفة ضمن السيناريوهات الاكثر قتامة، وكان الهم الاول النجاة بمنظومة القيادة والسيطرة، اما الاكثر سوءا فكان احتمال خسارة الوسائل القتالية الاستراتيجية، والتكتيكية، ومعها المجموعة القتالية الضاربة في محاور القتال الخلفية والامامية، وبمجرد النجاح في تحييدها عن موجة الغارات الجوية الاولى ثم النجاح في ابعادها عن الموجتين الثانية والثالثة، واستخدامها بكفاءة عالية، اعيدت اجواء الاستقرار الى الجسم التنظيمي الذي انتقل فورا بعد الاختراق الامني في بيروت الى تنفيذ الخطة “باء” ، واحد اهم اعمدتها الانفصال الفوري عن المنظومة المركزية واعتماد نظام لا مركزي ضيق للغاية سمح لكل بقعة قتالية، بحماية مخزونها، وافرادها، على نحو منفصل، وبعدها تم اعادة تشبيك المناطق القتالية تحت امرة غرفة العمليات التي تدير المواجهة اليوم على كافة المحاور التي لم تعد تشبه بعضها لوجستيا، والاهم من كل ذلك كان استعادة خطوط الامداد لنشاطها بطرق متعددة ومبتكرة في ظل مخزون اكثر من كاف لادارة حرب طويلة الامد.

لهذا قد تكون الايام المقبلة صعبة ومكلفة ماديا وانسانيا، لكن لا وجود للاستسلام في قاموس حزب الله وبيئته التي لم يعد لديها شيء لتخسره وهي تقف خلف ابنائها المقاتلين على الجبهات لحماية الارض وما تبقى من منازل، والاهم، الثأر والانتقام من عدو تجاوز كل “الخطوط الحمراء” ولم يترك لاحد خيارا الا القتال.

ابراهيم ناصر الدين- الديار

مقالات ذات صلة