جدّية أميركية وتفاؤل لبناني: الصمود قد يعجّل بنهاية الحرب…ولكن ماذا عن حسابات نتنياهو؟
تناقض كبير يسود التقدريات العسكرية، السياسية والديبلوماسية لمسار الحرب الإسرائيلية على لبنان. تتضارب القراءات حول أفق هذه الحرب ومدتها، بين من يعتبر أنها أصبحت قريبة من الانتهاء خلال أسابيع قليلة، وبين من يعتبر أنها ستكون أطول، وأن إسرائيل تنظر إلى قدرات حزب الله العسكرية بجدية، خصوصاً مع تعميق توغله. ما يُبرز الحاجة إلى توسيع العملية لتقليص هذه القدرات وإنهائها. منذ بداية العملية البرّية كانت الكواليس الدولية تتحدث عن فترة 5 أسابيع ممنوحة أميركياً لتل أبيب في سبيل تحقيق الأهداف. مضت هذه الأسابيع ولم تتمكن إسرائيل من تحقيق غالبية أهدافها. فحزب الله كثّف عمليات إطلاق الصواريخ والمسيرات ويخوض قتالاً شرساً ضد القوات المتوغلة براً، فيلحق خسائر كبيرة في صفوف الجنود. ذلك يدفع تل أبيب للتذرع بالحاجة إلى إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها، خصوصاً أنها في الأيام الأولى كانت تتحدث عن عملية محدودة جداً، وتشتمل على قرى الشريط الحدودي.
التفاوض تحت النار
يصرّ الإسرائيليون على معادلة التفاوض تحت النار، ولذلك يوسعون ويكثفون من عملياتهم، وقد أعلنوا الانتقال إلى مرحلة ثانية من عمليتهم البرية للتوغل نحو خط الدفاع الثاني، أي القرى الخلفية. ذلك يشير إلى حرب من شقين، الشق العسكري الميداني، والشق النفسي. الآلية نفسها يعتمدها حزب الله أيضاً، في تكثيف عملياته الميدانية، وفي الحرب النفسية، من خلال التحذيرات التي وجهها إلى سكان المستوطنات الشمالية مطالباً إياهم بإخلائها. وهو حدث استنفر دول كثيرة للسؤال عن جدية التحذير، وإذا كان الحزب فعلياً قد انتقل إلى مرحلة جديدة من مواجهاته. الخلاصة أن الحزب أيضاً بدأ باعتماد مبدأ التفاوض بالنار والإمعان في خوض الحرب النفسية.
في الموازاة تنشط التحركات السياسية والديبلوماسية بفعالية أكبر هذه المرّة. فحسب ما تقول مصادر ديبلوماسية متابعة، أبلغت الولايات المتحدة الأميركية جهات عديدة بأنها ستضغط بقوة على إسرائيل لدفعها إلى وقف إطلاق النار، ولو كان وقفاً مؤقتاً. يمكن أن يفسح في المجال أمام مفاوضات أوسع لتكريس وقف إطلاق نار نهائي. يتركز الهم الأميركي في الوصول إلى هدنة أو صفقة قبل الانتخابات. هذا جانب مما تبلّغه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في لقائه مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي أكد أن واشنطن ستمارس أقصى أنواع الضغوط على إسرائيل لوقف الحرب. وهذا أيضاً كان مدار نقاش وبحث بين الإيرانيين والأميركيين في معرض سعي واشنطن إلى عددم ردّ إيران على الضربة الإسرائيلية. فطهران تعتبر أن وقف النار في لبنان وغزة هو ثمن مقبول لعدم الردّ.
جدّية أميركية
قال بلينكن لميقاتي بوضوح إن واشنطن كلّفت المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين للوصول إلى اتفاق مع الإسرائيليين، وفيما كانت الفكرة المطروحة بداية هي الوصول إلى هدنة لمدة 21 يوماً وتمرير الانتخابات الأميركية، وذلك يتطابق مع المهلة التي طرحها الأميركيون لهدنة في غزة، وهي مهلة أقل من شهر للوصول إلى صفقة، إلا أن لبنان طالب بوقف شامل لإطلاق النار وبشكل نهائي وليس لثلاثة أسابيع، خصوصاً أن نتنياهو قد يكرر سيناريو ما بعد الهدنة الأولى التي حصلت في غزة قبل سنة، وبعدها استأنف العمليات القتالية بقوة. هذا لا يريده لا حزب الله ولا حماس ولا إيران من خلفهما.
وفي هذا السياق، تشير مصادر ديبلوماسية متابعة إلى جدية أميركية في المفاوضات. وهو ما ينظر إليه لبنان بإيجابية، لا سيما مع عودة بلينكن وهوكشتاين للتأكيد على تطبيق القرار 1701 بحذافيره من دون الحديث عن تعديله، بل مع إيجاد آلية لتطبيقه. جانب مما تتركز عليه المفاوضات هو وقف إطلاق نار فوري، بعدها يبدأ حزب الله بالانسحاب من الجنوب، مقابل انسحاب الإسرائيليين من الأراضي التي توغلوا إليها، على أن تبدأ عودة السكان المهجرين على جانبي الحدود خلال فترة ستين يوماً، مع البحث في كل الآليات التطبيقية، حول دخول الجيش اللبناني إلى جنوب نهر الليطاني وإعادة إنشاء مقرات ومراكز وثكنات في مناطق متقدمة، بالإضافة إلى دخول قوات الطوارئ الدولية وتعزيز دورها.
الاستحقاقات اللبنانية
وحسب المعلومات، فإن لبنان يوافق على تعزيز صلاحيات اليونيفيل في الجنوب والتحرك من دون تنسيق مع الجيش، وحتى القيام بمداهمة لأماكن يكون هناك شكوك في احتوائها لأسلحة، مع تشديد على أن الأملاك الخاصة لا يتم الدخول إليها إلا برفقة الجيش اللبناني. كذلك يتم العمل خلال فترة الستين يوماً على إنجاز الاستحقاقات اللبنانية، ولا سيما انتخاب رئيس توافقي للجمهورية، والسعي الدولي لتوفير المساعدات اللازمة للبنان لإعادة الإعمار وتكريس الاستقرار، على أن تنطلق ما بعد هذه الفترة وفي ضوء إعادة تشكيل السلطة مباحثات جدية مع القوى الدولية لإنجاز ترتيب نهائي لمسألة الحدود البرية.
كل هذه الاقتراحات والمسارات الديبلوماسية تنتظر نتنياهو موافقته ونتيجة الضغوط الأميركية عليه، بالإضافة إلى ضغوط الميدان التي يراهن عليها حزب الله. فالحزب يعتبر أنه بتكثيف عملياته وإلحاق خسائر في صفوف الإسرائيليين، فإنه ذلك سيجعل إسرائيل تستعجل إنهاء عمليتها العسكرية، بينما وجهات نظر إسرائيلية تشير إلى إصرار نتنياهو على مواصلة العملية. حزب الله كما جهات ديبلوماسية أخرى يعتبرون أن كلام رئيس الأركان هرتسي هاليفي عن إمكانية إبرام تسوية بعد تصفية القيادة العليا للحزب، والكلام عن تدمير بنية حزب الله وقدراته، هو نوع من التمهيد الإسرائيلي للبيئة الداخلية للاتجاه نحو وقف الحرب. لكن ذلك لا يعني أنها ستنتهي حالياً أو خلال أيام بل يعطونها فترة أسابيع قليلة.
الجديد في كل ما يجري، هو الدخول الأميركي بفعالية على خط التفاوض، وتقديم طروحات. إذ في بداية العملية العسكرية في لبنان، لم يكن هناك أي طرح على الطاولة، ولم تكن واشنطن تتحرك لوقف العملية، بل كان تمنح إسرائيل الدعم اللازم والمدى المطلوب لتنفيذ هذه العملية. حالياً، هناك طروحات جدية ومساع ديبلوماسية، مع مواصلة العمليات بتكثيف الغارات التدميرية وعمليات والاغتيال وفق قاعدة التفاوض بالنار، للوصول إلى اتفاق حول وقف النار، وذلك كله يرتبط بحسابات نتنياهو وما سيقرره.
منير الربيع- المدن