الحزب على “الخطّ الآمن” و“الرئاسة لن تمرّ فوق الحزب بل عبره: أنظروا إلى الميدان!
عبر الخطّ الآمن نسبياً وبحذر شديد يتمّ التواصل مع عدّة مفاتيح داخل الحزب، تحديداً من جانب الحليف الأوّل الرئيس نبيه برّي ومن يَنوب عنه، مع تسجيل ظهور علني لنواب ووزراء الحزب. يحصل التواصل بفترات متقطّعة زمنياً وعبر إجراءات أصعب وأعقد بكثير من مرحلة حرب تموز 2006. هذا التواصل المُرتبِك وغير “المحميّ” بالنظر إلى التفوّق الذي أظهره العدوّ الإسرائيلي في ملاحقة كلّ قيادات الحزب ورموزه ينعكس بشكل مباشر على “وضوح” موقف الحزب الذي على الأرجح يتقصّد الغموض والتمويه، ضمن تكتيك المرحلة، على مسارين أساسيَّين: آليّة تعاطيه مع القرار 1701 لحظة وقف إطلاق النار ورئاسة الجمهورية.
حتّى الآن وضمن المُتيسِّر من المواقف المُعلَنة للحزب وَضَع الأخير عدّة خطوط حمر، أوّلها الفصل الكامل عن حسابات الجبهة العسكرية الشغّالة والنشطة جدّاً والتي لها منظومة إدارة مستقلّة بمعزل عن جَلبة الحركة الدبلوماسية من واشنطن ونيويورك وباريس إلى تل أبيب وبيروت، وأيضاً إذا ما قورنت بالضربات الموجعة التي تلقّاها الحزب منذ مجزرتَي البيجر والأجهزة اللاسلكية وصولاً إلى سلسلة اغتيالات قياداته.
محاولة استهداف مقرّ إقامة رئيس حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو في مدينة قيساريا الساحلية الواقعة بين حيفا وتل أبيب شكّلت، بموازاة استهداف مقرّ القاعدة العسكرية للواء غولاني في بنيامينا، النكسة الكبرى لقيادة العدوّ منذ بدء العدوان الإسرائيلي ودفعت وسائل إعلام إسرئيلية إلى التأكيد أنّ “الحزب لا يزال يمتلك أسلحة دقيقة، وهو مستعدّ للمخاطرة بمحاولات إلحاق الأذى المباشر بمسؤولين إسرائيليين أمنيّين ورسميين وتهجير البعض منهم إلى مناطق آمنة”.
كما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصادر في الجيش الإسرائيلي “احتفاظ الحزب بخزّان من مقاتلي قوّة الرضوان وبقدرات لم يكشفها بعد قد تطال العمق الإسرائيلي، خصوصاً من خلال سلاح المسيّرات”.
1701 والرّئاسة
ثمّة خطوط حمر أخرى لا يزال الحزب، بتأكيد أوساط سياسية، قادراً على فرضها وتتمحور حول نقطتين:
– عسكرية: ملاقاة الحزب للحكومة بالدعوة إلى وقف إطلاق النار عبر قرار صادر عن مجلس الأمن كمدخل للحلّ لا تعني إطلاقاً قبول إرسال الحكومة أيّ إشارات تصبّ في سياق قيامها بالضغط على المقاومة لتخفيف عملها العسكري أو قبولها وقف إطلاق النار من جانب واحد. ويبدو أنّ هذا المطلب تعزّز غربياً وأميركياً، وفق مصادر معنيّة، بعد اغتيال إسرائيل لرئيس حركة “حماس” يحيى السنوار. أمّا الجانب الآخر للمعطى العسكري فهو رفض الحزب حتى الآن تقديم أيّ تلميحات أو معطيات حول موقفه من التعاطي مع 1701 حتى بصيغته الحالية الراهنة، “لأنّ الكلمة الأولى للميدان”. وحتى الآن لم يُعرف إذا كان موقف الحزب لا يزال قائماً كما عَكَسَه أمينه العام السيّد حسن نصرالله قبل استشهاده حين كرّر أكثر من مرّة أنّ “التفاوض بعد وقف إطلاق النار لإعادة الهدوء إلى الجنوب منوط بالدولة اللبنانية فقط”، فيما أعلن في خطاب له في شباط الماضي بأنّ “على الدولة وضع شروط إضافية على القرار 1701 وليس الالتزام بتطبيقه فقط”.
– سياسياً: لا كلام إطلاقاً من جانب أيّ وزير أو نائب أو قيادي في الحزب عن ملفّ رئاسة الجمهورية قبل وقف إطلاق النار. وهو موقف تمكّن الحزب من فرضه أيضاً على حليفه الرئيس برّي حين عكس لقاء عين التينة الثلاثي التزامن بين وقف الحرب وانتخاب الرئيس، فيما نُقِلت مواقف سابقة عن برّي شخصياً لا تمانع انتخاب الرئيس قبل وقف إطلاق النار شرط حضور 86 نائباً للتصويت على الانتخاب وليس فقط نصاب الحضور كما يقتضي الدستور.
لكن أمس صوّب بري هذا الجدل حين أعلن في حديث إلى قناة “العربية” أنّه لم يطرح أبداً انتخاب الرئيس قبل وقف إطلاق النار. وفي موقف بارز من ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون قال أنّ هذا الترشيح “يحتاج إلى تعديل دستوري وتوافق أكثر من 86 نائباً”، ما فسّر بأنّه اعتراض غير مباشر على هذا الترشيح، لا سيّما وأنّ انتخاب أي رئيس لا يحتاج دستورياً إلى الثلثين إلّا في الدورة الأولى، فيما نصاب الحضور يجب أن يكون الثلثين في كل الدورات.
راهناً، وضع برّي خطّاً عريضاً فاصلاً بين الحرب والرئاسة التي طالما ردّد السيّد نصرالله أنّها “ليست إطلاقاً من ضمن أيّ مشروع استثمار في الداخل”. لكنّ المفارقة أنّ القريبين من الحزب يردّدون اليوم بصوت عالٍ: “الرئاسة لن تمرّ فوق الحزب بل عبره مهما كانت نتائج الحرب لأنّ دور الحزب الداخلي وتأثيره في موازين القوى لن يستطيع أحد احتكارهما، سواء كان حليفاً أو خصماً”.
باسيل: الرّئاسة الآن
في هذا السياق، كان لافتاً جدّاً مواظبة النائب جبران باسيل على انتقاد الحزب وبرّي لربطهما الرئاسة بوقف إطلاق النار الذي قد يطول كثيراً، وذلك لقناعته الشخصية بأنّ الرئيس المقبل الماروني هو الشريك الأوّل في إدارة التفاوض حول ترتيبات الوضع جنوباً وتنفيذ القرار 1701 وما يمكن أن يدخل عليه من تعديلات وليس فقط القطبان الشيعي والسنّيّ، ولأنّ الظرف الرئاسي الحالي، برأيه، يوسّع إطار التداول بعدّة أسماء بينما بعد نهاية الحرب قد يأتي الرئيس نتاج التسوية التي ستتبلور أكثر بعد مرحلة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وما يخشاه باسيل فعليّاً فرض قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً “عليه”.
كما خالفَ باسيل بشكل واضح موقف الرئيس بري لجهة قوله بضرورة تأمين الثلثين لانتخاب الرئيس بأيّ دورة. ضمناً، يقول باسيل إنّ موقف بري يخالف الدستور الذي ينصّ على انتخاب الرئيس في الدورة الأولى بثلثي عدد أعضاء مجلس النواب والاكتفاء بالغالبية المطلقة (65 نائباً) في الدورة الثانية، كما أنّه يضع شرطاً لإطالة أمد الرئاسة وليس لتسهيلها.
ملاك عقيل- اساس