المعارك تشتدّ ضراوة…فرنسا تنقّح مبادرتها: وقف النّار 21 يوماً وبدء تطبيق الـ1701
الأرجح أنّ حفنة الكلمات التي سطّرها بيان المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في ردّه على ما أدلى به رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد قاليباف لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، قد فعلت فعلها مُسطِّرةً “إنجازاً نوعياً” تجاوز كلّ ما حاول ويحاول ميقاتي القيام به في رئاسته لـ”حكومة الأزمة” منذ اندلاع الحرب…
كُثرٌ انتقدوا رئيس الحكومة على “انتقائيّته” في الدفاع عن السيادة اللبنانية المنتهكة من الشرق والغرب، لكنّ كثراً أيضاً لاقوه إلى موقفه الذي يُقرأ في هذه المرحلة المفصلية على أنّه يحمل “دلالات انقلابية” تضع إيران في زاوية الملعب اللبناني، بسبب “تدخّلها الفاضح في الشأن اللبناني، ومحاولتها تكريس وصاية مرفوضة على لبنان”، وكأنّ تأثيرها على القرار اللبناني هو ابن الأمس فقط!
ولكن بمعزل عن ذلك، لا تزال إيران “الشريك المكتوم” لكلّ المشاورات الدولية التي تحصل خلف الحدود بحثاً عن صيغة توقف الآلة الإسرائيلية، لا سيما بعد اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، وهذا ما عبّر عنه رئيس مجلس الشورى الإيراني على الرغم من محاولات توضيح كلامه التي لم تغيّر كثيراً في المضمون.
ثمّة تسليم حتى الآن بأنّ الحرب طويلة في مداها الزمني ويُخشى أن تتوسّع في مداها الجغرافي ما دام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “مزهوّاً” بنتائج حربه ولا رادع دولياً، أميركياً بالتحديد، قد يلجمه، وما دام “الحزب” يكبّده أثماناً بشرية باهظة على البرّ تجعل من اجتياز الحافة الحدودية أمراً شديد الصعوبة والتعقيد، حتى لو خرج الأميركيون على لسان رئيسهم جو بايدن للإقرار، للمرّة الأولى، بإمكانية التوصّل إلى وقف لإطلاق النار.
على الأرض، المعارك تشتدّ ضراوة، وها هو منزل نتنياهو في قيسارية يصير هدفاً لمسيّرات الحزب مقابل استهداف مناطق جديدة في لبنان (ساحل علما) عبر مسيّرات تلاحق أهدافاً محدّدة.
مع ذلك، تصرّ باريس على المبادرة من جديد لإيجاد صيغة دولية قد تلقى آذاناً صاغية وقد تسمح بفرض وقف آلة القتل والتدمير، وهي التي بادرت فور وقوع الحرب إلى وضع بيان مشترك مع واشنطن طالب بوقف مؤقّت لإطلاق النار فوراً، وتمّ إجهاضه على يد نتنياهو قبل توقيعه على قرار استهداف نصرالله.
تنقيح المبادرة
في هذا السياق أفادت معلومات أنّ الإدارة الفرنسية تعمل على تنقيح هذه المبادرة من جديد لكي تلقى موافقة رئيس الحكومة الإسرائيلي ومن خلفه الإدارة الأميركية، خصوصاً أنّ لبنان الرسمي أعلن صراحة مطالبته بوقف إطلاق النار مقابل التزامه تطبيق القرار 1701، وكذلك تبيّن من كلام قاليباف قبل توضيحه أنّ طهران “ستكون مستعدّة للتفاوض بشكل ملموس حول إجراءات تنفيذ القرار 1701 مع فرنسا، التي ستعمل دولة وسيطة بين الحزب وإسرائيل”.
هذا يعني أنّ القرار موضوع على طاولة التشريح الدولي ولو أنّ بعض مندرجاته لا تزال موضع خلاف، ذلك لأنّ باريس تعتقد أنّ الوضع لا يحتمل تعديله ومن الأفضل بالتالي التمسّك به والحفاظ عليه، فيما ترى واشنطن أنّ الفرصة مؤاتية لتعزيزه بموادّ أكثر صرامة لضمان تنفيذه كما تبيّن من حديث الموفد الأميركي آموس هوكستين الذي دعا صراحة إلى تعديله.
كان البيان الدولي المشترك صدر في 26 أيلول الماضي عن الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والسعودية والإمارات والمملكة المتحدة وقطر، ودعا “إلى وقف إطلاق نار فوري لمدّة 21 يوماً على امتداد الحدود اللبنانية – الإسرائيلية لإفساح المجال للدبلوماسية سعياً للوصول إلى تسوية دبلوماسية تتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وتفضي إلى التطبيق الفوري لقرار مجلس الأمن رقم 2735 بشأن وقف إطلاق النار في غزة”. كما دعا “جميع الأطراف، بما في ذلك الحكومتان الإسرائيلية واللبنانية، للمصادقة على وقف إطلاق النار مؤقّتاً بما يتماشى مع القرار 1701 خلال هذه الفترة، وإعطاء فرصة حقيقية للتوصّل إلى تسوية دبلوماسية”.
تضيف المعلومات أنّ المبادرة الجديدة تقوم على قاعدة الاتفاق على وقف مؤقّت لإطلاق النار مدّته 21 يوماً أيضاً، بعد نيل الضمانات الدولية من كلا الجانبين، على أن يبدأ فوراً تطبيق القرار 1701 من كلتا الجهتين، أي من جانب الحزب من خلال التراجع إلى شمال الليطاني مقابل وقف العدوان الإسرائيلي والانسحاب من البقع الجغرافية التي تمّ احتلالها بعد 23 أيلول الماضي، على أن يبدأ الجيش، بالتوازي، انتشاراً موسّعاً جنوب الليطاني.
يبدو بحسب المعلومات أنّ هذه المبادرة لا تزال غير مكتملة المعالم وبحاجة إلى مزيد من المشاورات والنقاش، ولا تتضمّن أيّ بنود تعالج المسار السياسي، أي الاستحقاق الرئاسي ومكمّلاته، وبالتالي الهدف منها هو وقف الأعمال العسكرية وبدء تطبيق القرار الدولي، لتكون مهلة الـ21 يوماً أشبه بمرحلة اختبار لمدى جدّية الجانبين في تطبيقه وفرصة لتكثيف المفاوضات حول بقيّة التفاصيل.
لا رئاسة قريبة
لهذا يواجه الحراك الرئاسي الداخلي طريقاً مسدودة، في ضوء رفض الحزب البحث في هذا الملفّ قبل وقف إطلاق النار، فيما يبدو أنّ الحماسة الأميركية لإنجاز الاستحقاق قد تراجعت نسبياً. وبالتالي المحاولات التي يقودها “اللقاء الديمقراطي” لعقد جلسة تشاورية موسّعة للكتل النيابية في مكاتب البرلمان (جلسة غير رسمية لا تعقد في قاعة الهيئة العامّة)، لا تزال فكرة أوّلية قيد النقاش، ويُخشى أن تبقى حبراً على ورق، أقلّه إلى الآن.
كلير شكر- اساس