نيو “حزب”: تنظيم عسكري محطّم…عودة إلى نقطة الصفر!
“حزب الله” ليس في أفضل أوضاعه، بل يمر في أسوأها منذ تأسيسه حتى اليوم، نتيجة الضربات الكبيرة التي تلقاها من اسرائيل في الآونة الأخيرة، وما إطلالات نائب الأمين العام لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم، إلا محاولات ترميم للهيكل العظمي المصدّع، بعد تصفية قياداته الكبيرة والصغيرة واغتيالات القادة الميدانيين في “قوة الرضوان” ونسف منطومة الاتصالات وتدمير نصف مخزونه من السلاح والصواريخ وقطع إمدادات وصول الأسلحة من ايران وسوريا عبر فرض اسرائيل حصاراً برياً وجوياً وبحرياً عليه، إضافة إلى أن “الحزب” مكشوف استخباراتياً على نحو ملحوظ.
هذه الحالة الكارثيّة لـ”الحزب” استدعت من النظام الايراني التحرّك سريعاً لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، عبر تسلم قيادة “الحزب” بنفسه، وخصوصاً أن لا بديل لحسن نصر الله حالياً، علماً أن البديل الذي كان مطروحاً تمّ اغتياله أيضاً وهو رئيس مجلس الشورى هاشم صفي الدين. ولم تكتفِ إيران بذلك، فأرسلت قادة عسكريين من الحرس الثوري الايراني لقيادة المعارك براً في الجنوب بعدما بدأت اسرائيل غزواً برياً محدوداً.
صحيح أن “الحزب” يعاني من وهن كبير حالياً، إلا أنه لم ينتهِ، بل يُقاتل عناصره مستفيدين من الأنفاق التي حفرها منذ أعوام، ويستثمر في معرفة المقاتلين للأرض، وهذه أفضليّة لا يُمكن إنكارها، مع محاولات استخدام الصواريخ التي يملكها في ضربات نوعيّة يستهدف فيها حيفا وتل أبيب.
لكن بالمقارنة بين الأمس واليوم، اختلف مشهد “الحزب” كثيراً، إذ ما بلغه من قوة بعد مشاركته في الحرب السورية جعل منه أشبه بجيش قويّ متمرّس في القتال ويملك من نقاط القوة ما يكفي، حتى وُصِفَ من الخبراء العسكريين في العالم بأنه التنظيم العسكري غير الحكومي الأقوى في العالم، إلا أن التفوّق التكنولوجي العسكري الاسرائيلي تمكّن من تحطيم هذه “الأسطورة”، وبرهن أن ما كان يتباهى به نصر الله لم يكن سوى أوهام أو شعارات واهية، وفي أقل من شهرين حوّلت اسرائيل “الحزب” الذي لا يُقهر إلى تنظيم عسكري محطّم من كل النواحي.
إذاً، نحن اليوم أمام نيو “حزب”، يعيد بناء نفسه من نقطة الصفر إذا صحّ التعبير، ومواجهته للجيش الاسرائيلي، على الرغم من بعض الخسائر البشرية التي مُني بها هذا الأخير، ليست صلبة، وأولى الدلائل هي وقوع بعض مقاتلي “قوة الرضوان” في الأسر، وهذا يعكس ضعفاً في التنسيق والاتصالات على الأرض بعدما عمدت اسرائيل إلى تدميرها.
ويلفت الخبير العسكري النرويجي الذي عمل سابقاً في عداد الكتيبة النرويجية ضمن “اليونيفيل” في الجنوب الكسندر لوبوس إلى أن “الحزب مُنهك ومُشتّت، على الرغم من محاولات الايرانيين لملمة الأوضاع عسكرياً، بدليل أنه عاد إلى القتال وفق تكتيكات حرب العصابات التقليدية التي بدأها في مرحلة تأسيسه في الثمانينيات”. ويوضح لوبوس أن “هذا النوع من الحرب لا يتطلب من الحزب أن يكون لديه هرم قيادي ولا أنظمة اتصالات متطورة. وما يساعده في ذلك هو أن وحداته تتكوّن من خلايا مستقلة تتألف من جميع أنواع الاختصاصات داخل مجموعة واحدة، وغالباً ما تتشكّل من رجال من جنوب لبنان على دراية تامة بالتضاريس ومخابئ الأسلحة والأنفاق، وبالتالي هم أكثر من قادرين على القتال حيث هم”، مشيراً إلى أن “الحزب مضطر إلى أن يُقاتل الآن في ملعبه حيث يزرع الكمائن والأفخاخ ويُلحق بالجيش الاسرائيلي أكبر قدر من الخسائر، فيضرب ويختفي في الأنفاق، وسيستمر في ذلك لدفع اسرائيل إلى ما وراء الحدود، في إعادة لمشهدية حرب تموز 2006 ليحفظ ماء الوجه، لكن لا بد من الاعتراف بأن اسرائيل استعدت جيداً لهذه الحرب، وباتت تعرف تكتيكاته، لذلك هي تعمل على تدمير ترسانته وبنيته التحتية العسكرية كالأنفاق والمراكز تحت الأرض، وقد نجحت إلى حد كبير في تدمير مخابئ الأسلحة وشبكات الأنفاق وربما القرى. وبمجرد أن تحقق هذه الأهداف، ستنسحب خلف الحدود لتجنّب تعريض نفسها للكمائن التي شهدتها في عام 2006”.
من الصعب أن ينجو “الحزب” من الهزيمة، فتصفية قائده الأعلى نصر الله كان بمثابة ضرب العمود الفقري، وإذا قبلت اسرائيل بتراجع “الحزب” إلى ما وراء الليطاني، وهذا أمر مستبعد بعد انتصاراتها، فستستغرق عملية بنائه مجدداً، شهوراً، إن لم يكن سنوات، وخصوصاً أن إسرائيل تحكم قبضتها على كل المعابر التي يصله السلاح منها، وربما ما لم يحسب “الحزب” حسابه، هو الجهوزية النفسيّة الاسرائيلية في تحمّل الخسائر البشرية، وتحمّل الضربات الموجعة التي قد تلحقها صواريخ “الحزب” ومسيّراته بالمدن الاسرائيلية، وهذا عامل أساسي في تحديد الجهة المنتصرة لاحقاً، علماً أن اسرائيل اعتبرت الحرب منذ بدايتها حرباً وجودية.
جورج حايك- لبنان الكبير