مرحلة خطيرة جدا: الفشل بسحق حزب الله يُقرّب المنطقة من «الإرتطام الكبير»؟
حسابات «الحقل» لم تتطابق مع حسابات «البيدر»
ما يحصل على الحافة الامامية للحدود مع فلسطين المحتلة، يصل الى حد الاعجاز باقرار جنود جيش الاحتلال، الذين اكتشفوا ان المعلومات الاستخباراتية كانت غير دقيقة، وادت الى وقوع رفاق لهم في «كمائن الموت» التي نصبها حزب الله، ما دفع بمقاتلي قوات النخبة «الايغوز» الى المطالبة باقالة القادة المشرفين على عمليات الاستطلاع الاولى، وفق تقارير الصحافة «الاسرائيلية».
هذه المراوحة القاتلة على الحدود قد لا تستمر طويلا، وقد ينجح جيش الاحتلال في التقدم نتيجة التراجع التكتيكي للمقاومين، الذي يتولون استدراج القوات المتوغلة في عمق محسوب في الاراضي اللبنانية، حيث يسهل استهدافهم بالاسلحة الموجهة والكمائن المعدة مسبقا. لكن ما هو افق هذه الحرب؟ وهل لا تزال «اسرائيل» قادرة على تحقيق اهدافها؟
وفق المعطيات الميدانية، فان المجموعات الموكلة الدفاع عن القرى الامامية ادت وتؤدي مهامها بكفاءة عالية، ولم تتعرض لاي مفاجأة من قبل قوات الاحتلال، بل كان نمط الهجوم متوقعا، ويمكن القول انه كلاسيكي للغاية، حيث افترضت خطط غرفة العمليات مسبقا، بان قيادة اركان الاحتلال قد استفادت من تجربة حرب 2006، ولن تدفع بقوات مؤللة ومدرعة الى المناطق الجنوبية مع بداية الغزو، كي لا تتعرض لنيران الاسلحة المضادة للدروع، وكان متوقعا ان يحصل التقدم البري عبر توغلات من عدة محاور لقوات النخبة، بهدف تأمين شريط واسع لحماية التقدم المفترض في المرحلة الثانية من الهجوم.
طبعا لم تلغ المرحلة الثانية، لكنها تعرضت للتأجيل اكثر من ثلاثة مرات منذ البدء بالعدوان قبل نحو 3 اسابيع، ويعود السبب المباشر الى الفشل المدوي في تحقيق اهداف المرحلة الاولى، حيث لا تزال القوات المتوغلة تصطدم بمقاومة شرسة ومنظمة، لا تسمح باطلاق عملية التقدم الواسع لنحو 50 الف جندي محتشد على الجانب الآخر من الحدود، حيث يتعرضون لوابل يومي من القصف الصاروخي والمدفعي، فيما تتعرض الدبابات القليلة التي تتدخل لحماية الجنود الى صليات من صواريخ الكورنيت، التي ادت الى احتراق الكثير منها.
هذا الواقع الميداني، قد لا يستمر على حاله لجهة مساحة التوغل التي يمكن لقوات الاحتلال ان تصل اليها، فالمقاومة سبق وقسمت الجبهة الى خطوط دفاعية مرنة، ولا تضع ضمن استراتيجيتها الدفاع عن الارض كنقاط ثابتة، واحدى اهم تكتيكاتها استدراج الفرق العسكرية «الاسرائيلية» الى كمائن محددة مسبقا، حيث يسهل القضاء عليها، وهو امر تخشاه قوات الاحتلال التي تجد نفسها اليوم مرغمة على القيام بالمغامرة البرية التي لم يعد من بد منها، بعدما استنفدت كل «بنك اهدافها» في الاسبوع الاول للحرب، علما ان الخطط الرئيسية الموضوعة سلفا كانت تقضي بان يتم القضاء على حزب الله واستسلامه، دون الحاجة الى المناورة البرية، من خلال افتراض ان ضربات «البيجرز» «واجهزة الاتصال»، واغتيال قيادة «الرضوان»، وكذلك الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ستؤدي الى انهيار كامل المنظومة وخروجها من الخدمة، وبالتالي فرض شروط الاستسلام عبر الدولة اللبنانية.
لكن حسابات «الحقل» لم تتطابق مع حسابات «البيدر»، وتبدو «اسرائيل» الآن امام مأزق جديد- قديم عنوانه الغرق في الوحول اللبنانية دون استراتيجة خروج، فاعادة احتلال جزء من الاراضي، يعني استنزاف طويل الامد لضباطه وجنوده، ومنح حزب الله شرعية داخلية وخارجية كمقاومة، والتوقف الآن دون تحقيق الاهداف المعلنة باعادة المستوطنين، ووقف اطلاق الصواريخ، يعد هزيمة مدوية لا يمكن لنتانياهو ان يتحملها.
وامام هذه المعضلة، تتخوف مصادر سياسية بارزة من النوايا «الاسرائيلية» المبيتة حيال الداخل اللبناني، وايضا اتجاه الاقليم، حيث لن يتردد نتانياهو في مواصلة مغامرته العقائدية لمحاولة الانتصار في حرب «يوم القيامة»، او ما يعتقد انها حرب وجودية لشخصه ولكيان الاحتلال. فهدف سحق حزب الله لم يعد واقعيا، لان الحزب نجح في اعادة هيكلة نفسه بسرعة قياسية، اما الرهان على نفاد مخزون سلاحه الصاروخي بقطع طريق الامداد من سوريا وايران، فليس واقعيا بوجود وسائل متعددة لايصال كل ما يلزم، اضافة الى المخزون الكبير من الأسلحة الدقيقة الموجودة لديه والتي لم يستعملها بعد.
ولهذا يبقى القلق من اشغاله في الداخل عبر فتنة تعمل عليها «اسرائيل» منذ اليوم الاول من خلال استهداف النازحين الشيعة في اماكن النزوح، والقرى الشيعية في المناطق المختلطة، لخلق اجواء توتر ومحاولة الاستفادة منها في خلق بلبلة وفتن ما بين النازحين والسكان في مناطق الايواء، وهذا ما تتحسب له القوى الامنية التي تلقت توجيهات سياسية حاسمة برفع منسوب الحذر، والاستنفار استخباراتيا وميدانيا لقطع دابر الفتنة، وقد عاد التنسيق الى سابق عهده بين «الثنائي الشيعي» والاجهزة الرسمية والقوى الفاعلة، لمنع توسع اي اشكال فردي او مدبر والتعامل معه «بيد من حديد». ووفق المعلومات الامنية فان الامور حتى الآن «تحت السيطرة».
اما الخيار الثاني امام نتانياهو فهو اشعال حريق كبير في المنطقة، ولهذا لا يبدو انه سيكتفي بضربة رفع عتب، يمنح من خلالها إيران الفرصة لامتصاصها والامتناع عن ارد، فهم صاحب «الأنا» المنتفخة الذي رفع شعار ضرب إيران، منذ ان اعتلى الحكم عام 1996، والآن يبدو أقرب إليها، طامعاً بتوريط الولايات المتحدة في الحرب، وجرّها للارتطام العظيم المباشر بإيران، خصوصا ان رؤساء وزراء سابقين من قبله لم يكتفوا بالأقوال، منهم إيهود أولمرت الذي ضرب منشآت نووية سورية في دير الزور عام 2007، ومناحم بيغن الذي ضرب مفاعل تموز النووي في بغداد عام 1981، فهل يكتفي المسكون ب”جنون العظمة»، ويعتبر نفسه تشرتشل «الإسرائيلي» بضربة غير إستراتيجية؟
في الخلاصة، الحرب طويلة ولا كلام سياسي قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية في الـ5 من الشهرالمقبل، والامل في ان يدفع نتانياهو ثمن النشوة وسكرة القوة، ويتسبب لكيانه بنهاية مأساوية تهدد ايضا المصالح الاميركية في المنطقة، فلا خيار امام طهران الى القتال للدفاع عن نظامها، قبل الدفاع عن مصالحها الحيوية، وهذا ما يضع المنطقة امام مرحلة خطيرة جدا، وهي تتجه نحو «الارتطام الكبير»، الذي سيبنى على نتائجه «الشرق الاوسط الجديد»، وان كان نتانياهو قد بدأ الحرب، فهو بالطبع لن ينهيها كما يريد.
ابراهيم ناصر الدين- الديار