النازحون من الحرب يشكّلون عبئا إضافيا على البنى التحتية المتهالكة في بيروت
كانت بيروت غارقة في الظلمة ليلا حتى قبل بدء الحرب، وتفتقد الخدمات العامة وصيانة الطرق. اليوم ومع تدفّق عشرات آلاف النازحين الى العاصمة، لم تعد البنى التحتية المتهالكة أصلا قادرة على الاستيعاب.
وفرّ مئات آلاف اللبنانيين خلال الأسابيع الأخيرة من جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت وغيرها من المناطق المحسوبة على حزب الله والتي تتعرّض لغارات جوية إسرائيلية مكثّفة من منازلهم الى مناطق أخرى. ونزح عشرات الآلاف إلى بيروت حيث استأجروا شققا سكنية أو نزلوا عند أقارب وفي مراكز إيواء، أو بالنسبة للبعض، افترشوا الطرق والساحات العامة.
ويقول سائق التاكسي جمال عضاضة إن المدينة تحوّلت إلى “موقف سيارات” كبير بعدما كانت تشهد أصلا “أزمة سير”.
ويقول الرجل الذي يعمل سائق تاكسي منذ 25 عاما، بينما يقود سيارته في شارع الحمراء التجاري المزدحم في غرب العاصمة “خط السير هنا ينبغي أن يتسّع لسيارتين (…)، لكن السيارات ركنت يمينا ويسارا، وبالتالي لا يوجد إلا خط واحد، ما يسبّب الزحمة”.
بعد نحو عام من التصعيد بين حزب الله وإسرائيل عبر الحدود اللبنانية، تحوّلت المواجهة إلى حرب مفتوحة منذ حوالي الشهر، وكثّفت إسرائيل منذ 23 أيلول/سبتمبر قصفها على مناطق واسعة لا سيما في جنوب لبنان وشرقه والضاحية الجنوبية لبيروت.
ويشرح الملازم أول فادي بغدادي من خلية إدارة الكوارث في محافظة بيروت أن “البنى التحتية في العاصمة باتت بحالة يرثى لها لأن عدد الناس المتواجدين فيها كبير جدا”.
ويقول إن عدد النازحين الموزّعين على 169 مراكز إيواء تخطّى 55 ألفا، في حين يُعتقد نحو مئتي ألف نازح يقطنون منازل أو شققا.
ويضيف أن هؤلاء “يحتاجون إلى مياه… وهناك كمية أكبر من النفايات، والحاجة إلى الصرف الصحي تزداد…”.
قبل الحرب والنزوح، كانت شوارع بيروت المليئة بالحفر والغارقة بالظلمة ليلا بفعل انقطاع الكهرباء، مزدحمة أصلا، فوسائل النقل العامة في العاصمة شحيحة، ويعتمد السكان بشكل كبير على سياراتهم الخاصة أو سيارات الأجرة.
تمتلئ شوارع العاصمة الآن بمزيد من السيارات والدراجات النارية. وركنت السيارات قرب بعضها البعض على الطرق في صفّ ثان، أو أحيانا على الأرصفة.
ويقول بغدادي إن سيارات الإسعاف تواجه صعوبة أحيانا في الوصول إلى وجهتها بسبب هذه الفوضى.
تراكم النفايات
وتراكمت النفايات كذلك في الشوارع في بلد كان شهد أزمة جمع نفايات قبل سنوات ويرزح تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة منذ خمس سنوات شلّت الخدمات العامة ودفعت شرائح كبيرة من المجتمع إلى حافة الفقر.
ويقول المدير العام لشركة “رامكو” لجمع النفايات في بيروت وليد بو سعد “ازدادت كمية النفايات بكل تأكيد، لكن المشكلة لا تنحصر بهذا فحسب”، بل يحول الازدحام “دون مرور آلياتنا وسيارات النفايات في الطرق الداخلية لرفع الحاويات التي تحتوي النفايات وتفريغها”.
ويضيف “نحاول طوال الوقت مع القوى الأمنية أن نتحدث مع الناس (في هذه الطرق)، لكن الاستجابة بطيئة للغاية، وأغلب الأشخاص لا يستجيبون لطلبات إزالة السيارات”.
وبالتالي، تزداد “النفايات دائما وتخرج من الحاوية لتتبعثر حولها وتصبح مهمة إزالتها من الأرض أصعب وتستغرق وقتا أكثر”، وفق قوله.
وشاهد صحافيو وكالة فرانس برس عمال جمع النفايات وهم يحاولون جمع أكوام كبيرة من القمامة بالقرب من حاويات مكدسة، الأمر الذي استغرق وقتا طويلا، بينما كانت شاحنات لجمع النفايات تجد صعوبة بالغة في التحرك من دون صدم سيارات من حولها.
وازداد بشكل ملحوظ عدد الشاحنات الخاصة بنقل المياه في شوارع العاصمة. فشبكة المياه في بيروت ضعيفة أساسا ويعتمد الكثير من السكان على قناني وغالونات المياه المعدنية للشرب وعلى شاحنات تعبئة المياه للاستخدام المنزلي.
وذكرت وكالة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) لفرانس برس الأسبوع الماضي إنها قدمت “172,500 لتر من المياه المعبأة و2,2 مليون لتر من المياه المنقولة بالشاحنات” لدعم النازحين في الملاجئ في جميع أنحاء البلاد.
ضغط على المياه
ويقول فؤاد السملاوي الذي يعمل في شركة توزيع مياه، إن الطلب ازداد بشكل كبير على المياه في الأسبوعين الأخيرين.
ويضيف الرجل المصري الذي يعيش ويعمل في لبنان منذ ثلاثة عقود “في السابق، كان يطلب منا نحو 20 نقلة” في اليوم، حاليا هناك طلب على “نحو 30 إلى 33” نقلة.
ويوضح السملاوي وهو يقف قرب شاحنات تعبئ المياه من محطة مياه في الجديدة على أطراف بيروت أن معظم عمليات التسليم هي إلى المدارس التي تحوّلت إلى ملاجئ وأماكن أخرى تستضيف أعدادا كبيرة من النازحين.
وتضيف شركته مادة الكلور إلى المياه لتنقيتها من الجراثيم. ويقول “يجب أن نلبّي الزبون (…) في الليل أو في النهار”.
ويقول الرئيس التنفيذي للاستدامة في الجامعة اللبنانية الأمريكية إن شبكة المياه في بيروت “ترزح تحت ضغط كبير”.
ويضيف “الطلب على المياه مرتفع جدا” لكن “مستويات المياه الجوفية منخفضة كثيرا” بسبب تراجع نسبة الأمطار خلال فصل الصيف.
ويقطن بعض النازحين في مبان مهجورة منذ وقت طويل تفتقر لإمدادات المياه أو قد تكون أنابيب المياه فيها قديمة جدا تصبّ في مجاري مياه الأمطار بدلا من شبكات الصرف الصحي.
وبحسب اليونيسف، أُنشىء الجزء الأكبر من شبكة الصرف الصحي في بيروت “منذ عقود” ما يجعلها “عرضة للتشقق والانكسار بسبب القصف العنيف على المدينة”.
وأوضحت أن العدد الكبير من الأشخاص الإضافيين يزيد أيضا من احتمال حدوث انسدادات وفيضانات في شبكة الصرف الصحي، مشيرة إلى أن الفيضانات تشكّل “خطرا كبيرا على الصحة العامة”.
(أ ف ب)