الغرب يُخيّر إيران.. الأذرع أم النّوويّ… والجواب في الميادين من لبنان إلى إيران؟

كانت لافتة الدّعوات التي صدَرت عن برلمانيّين إيرانيين للمرشد علي خامنئي إلى تغيير العقيدة الدّفاعيّة لإيران والبدء بصنع قنبلةٍ نوويّة. تبيّن منذ ما بعد السّابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023 وصولاً إلى اليوم، أنّ خطوط الدّفاع الإيرانيّة المُتقدّمة في المشرق العربيّ التي عمادها الفصائل المدعومة من طهران لم تكن رادعةً لإسرائيل عن استهداف المصالح الإيرانيّة في المنطقة. وفي الشّقّ الثاني من عقيدتها الأمنيّة، اعتمدت إيران على تطوير الصّواريخ البالستيّة والطّائرات المُسيّرة.

لكنّ هذه الأخيرة صارَت في مهبّ الرّيح أيضاً إذ لم تردع تل أبيب، وباتت مصدرَ قلقٍ لأوروبا والغرب بعد الاتّهامات لطهران بتسليم صواريخ بالستيّة وطائرات مُسيّرة انتحاريّة لروسيا التي تُحارب في أراضي أوروبا. ماذا في التّفاصيل؟

شكّلت الحرب الإيرانيّة – العراقيّة محطّة مفصليّة في العقيدة العسكريّة والأمنيّة الإيرانيّة. إذ كانَت إيران في عهد الشّاه محمّد رضا بهلوي غربيّة التّسلّح والتدريب، وتغيّر كلّ ذلكَ بعد سقوط النّظام وإنشاء الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. في أولى حروبها في عهد نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، رفَعَت إيران شعاراً دينيّاً لحربها مع نظام صدّام حسين، وهو “الجهاد المُقدّس” الذي يدخلُ في صلبِ عقيدتها الأمنيّة في المنطقة، حيثُ توظّف طهران العامل الدّيني والأيديولوجي لتمدّد نفوذها، خصوصاً في المناطق التي يوجد فيها الشّيعة.

معادلة 2015: لا لقنبلة نوويّة.. نعم للأذرع

عملت إيران طوال 40 عاماً على إنشاء خطوط دفاعٍ أماميّة في لبنان وسوريا والعراق (بعد سقوط نظام صدّام حسين)، واليمَن. وزادَ هذا الدّعم بشكلٍ ملحوظٍ بعد توقيع إيران والمجموعة الدّوليّة 5+1 الاتفاق النّوويّ في 2015. يومها كانَت المُعادلة تستند إلى أمرين:

 

1- تلتزمُ إيران تخصيب اليورانيوم على معدّلات منخفضة لا تسمح لها بتطوير قنبلة نوويّة ولا باستعماله لأيّ غرضٍ عسكريّ.

2- سمحت الدّول الغربيّة، وفي مقدّمها الولايات المُتحدة، لإيران بأن تتغلغل في دول المشرق العربيّ في مُقابل امتناعها عن حيازة التكنولوجيا النوويّة العسكريّة. ذلكَ أنّ عقيدة إيران العسكريّة وضمانة حماية النّظام كما يراه الإيرانيّون يكون في نقل المعركة من الأرض الإيرانيّة.

بعد انسحاب الرّئيس الأميركيّ السّابق دونالد ترامب من الاتفاق النّوويّ سنة 2018، اتّخذت إيران إجراءات مُضادّة على صعيد زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم وإغلاق بعض المنشآت النوويّة أمام وفود التفتيش الدّوليّة. وكانت أوّل ضربة حقيقية تلقّتها إيران على صعيد عقيدتها العسكريّة المُتمثّلة بالاتّكال على الأذرع في المنطقة حين اغتال دونالد ترامب منظّر ومنفّذ هذه العقيدة الجنرال قاسم سليماني.

بعد عمليّة “طوفان الأقصى”، التي نفّذتها حركة حماس بشكلٍ مُستقلّ عن طهران، باتت إيران في مواجهة مأزق جدّيّ يتعلّق بمعادلات أمنها في المنطقة. إذ تسبّبت هذه العمليّة باغتيال إسرائيل لقائد فيلق القدس في سوريا ولبنان العميد محمّد رضا زاهدي في القنصليّة الإيرانيّة في دمشق. وتوالت سلسلة الاغتيالات والضّربات للفصائل الموالية والمتحالفة مع إيران حتّى اغتيلَ الأمين العام للحزب في لبنان حسن نصرالله في قلب الضّاحية الجنوبيّة لبيروت ومعه خليفة زاهدي عبّاس نيلفروشان. كما سبق اغتيال نصرالله اغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنيّة في قلب طهران. وبين الاغتيالات واستهداف مصالح إيران في سوريا ولبنان والعراق واليمن ما يكثر سرده.

مواجهة العقيدتَيْن

من المهمّ إعادة سرد ما سلف من اغتيالات في خلال معركة عنوانها اليوم المواجهة بين العقيدة الأمنيّة الإسرائيليّة الجديدة التي يريد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ترسيخها تحت عنوان “اليد الطويلة والحرب الطّويلة”، وبين العقيدة الإيرانيّة المُتمثّلة بالأذرع التي تهدّد إسرائيل.

دفعَت هذه الضّربات المسؤولين الإيرانيين للحديث عن تغيير العقيدة الأمنيّة. إذ فقدَت الاستراتيجيّة الحاليّة نجاعتها، ولم تُفلح بحماية مصالح إيران وشخصيّات كبرى في النّظام مثل سليماني وزاهدي ونيلفروشان.

بدأت إيران حديثها عن تغيير العقيدة نحوَ القنبلة النّوويّة قبل أشهر قليلة، وكان ذلك على لسان وزير الخارجيّة الحاليّ عبّاس عراقتشي* قبل أن يتولّى منصبه. وقبل أيّام رفعَ عشرات البرلمانيين الإيرانيين رسالة للمرشد تدعوه إلى صنع القنبلة النّوويّة. لكن هل هذا يعني أنّ إيران ستمتلك قنبلة وأذرعاً وبرنامجاً صاروخياً؟

كان الجواب بين سطور ما كشفه مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة (CIA) وليام بيرنز من أنّ إيران تستطيع صنع قنبلة نوويّة خلال أسبوع، لكنّ واشنطن لم ترصد أيّ تحرّكات إيرانيّة في هذا الشأن. وجاءَ هذا الكلام في ظلّ ضربات تتلقّاها الفصائل الإيرانيّة على امتداد جغرافيا الشّرق الأوسط. وهذا الكلام غير المباشر موجّه إلى إيران ومفاده أنّ عليها أن تختار بين القنبلة النوويّة وبين الأذرع والفصائل في المنطقة. إذ لن يقبل الغرب ولا إسرائيل ولا محيط إيران العربيّ وغير العربيّ أن تمتلك قنبلة نوويّة وعشرات آلاف المقاتلين المزوّدين بمئات آلاف الصّواريخ والمسيّرات.

في الوقت عينه، يمكن استخلاص أنّ إيران الحاليّة برئاسة مسعود بزشكيان ومعه محمّد جواد ظريف تريد الاستقرار الاقتصاديّ لا صرف الأموال والمقدّرات الإيرانيّة على الفصائل في المنطقة، وهذا ما عبّر عنه ظريف صراحةً أكثر من مرّة. كما أنّ وصول بزشكيان وفريقه من “عصابة نيويورك” كما يسمّيهم المرشد خامنئي، لم يكن ليحصل لولا مباركة المرشد ومساهمته في وصولهم لسدّة القرار في إيران.

من هذا المنطلق يمكن القول إنّ صناعة قنبلة نوويّة واحدة تُغني عن جميع الفصائل، وتتيح لإيران العيشَ بشكلٍ مستقرّ مع الجوار، والمهمّ أنّها تعلم في العمق أنّها لا تستطيع استعمال هذه القنبلة، تماماً كما هو حال إسرائيل التي تمتلك ما يزيد على 200 رأس نوويّ.

فهل تختار إيران القنبلة والاقتصاد على حسابِ الأذرع والإنهاك الاقتصاديّ والماليّ؟… الجواب في ميادين الشّرق الأوسط من لبنان إلى إيران.

* وفقاً للّفظ الفارسيّ، عراقتشي هو لقب وزير الخارجية الإيراني وليس عراقجي كما هو سائد في وسائل الإعلام.

ابراهيم ريحان-اساس

مقالات ذات صلة