نعيم قاسم أو صورة حزب الله الجديدة: حتى أصبعه كان مجرد أصبع!

في خطبتين مصورتين، بإضاءة سيئة ومونتاج غير متقن، وديكور باهت، ظهر نعيم قاسم مخاطباً اللبنانيين والإسرائيليين والعالم، بنص مكتوب بلغة ناشفة ومقددة.

ورغم انتباهه ومداراته لصوته ومحاولته تحسينه كي لا يكون حاداً ورفيعاً، والذي كان واحداً من أسباب انعدام جاذبيته، بقيت طريقة إلقائه منفرة وغير مريحة للسمع.

وفاقم من سوء الخطبتين، الأسلوب الكتابي الخالي من أي “أسلوب”. مفردات مصفوفة بلا روح وبلا أي لمسة شخصية أو مزاج تعبيري. كتابة ميّتة وآلية، تفتقر للخيال. كتابة بلا إيقاع قد يعاقب عليها أي صحافي مبتدئ حتى ولو لصياغة خبر.

وكان كلما حاول التشديد على بعض العبارات، تنكسر ملامح وجهه، ويتعرّق وتنغلق عيناه قليلاً، فتغدو تلك العبارات -مهما كانت “قيمتها”- مثل لقيمات ممجوجة لا يريد أحد ابتلاعها.

وزاد من بؤس هاتين الخطبتين، إنهما بدل عن ضائع. فما كان لنعيم قاسم أن يتولى هذه المهمة لولا اغتيال أمينه العام حسن نصرالله، مالئ الدنيا وشاغل الناس بقوته الخطابية الهائلة. ولذا، لا مهرب من ظلم المقارنة، وفداحة شعور المشاهدين والمستمعين بالخيبة إذ يتذكرون “طلة” نصرالله الطاغية وخطبه الملتهبة (عدا خطبته الأخيرة التي بدا فيها متعباً وكئيباً مستشعراً الخطر).

ومن سوء حظ نعيم قاسم، أن ظهوره في المرتين، اقترن بأسوأ فترة يعيشها حزبه وأكثرها ضراوة وإيلاماً، وربما من المرات النادرة التي يهيمن فيها الشك وانعدام الثقة في صفوفه، وتخالجهم ظنون الانكسار والضعف. ولأنه لا يتمتع بصفات الملهم ويفتقد لـ”كاريزما” القائد، بدت محاولته المستميتة في الخطبتين لبث الثقة ورفع المعنويات فاشلة تماماً. بل إن مكابرته السياسية أتت بمفعول عكسي طالما أن الوقائع تدحض ما يقوله. وفي لحظة “صادقة” انكشف ذلك كله، حين تحدث عن لوعة فقدانه لنصرالله. كان ذلك اعترافاً إنسانياً بالخسارة.

المخيب أيضاً في إطلالتي قاسم، تلك القسوة وبرودة مشاعره تجاه المصائب التي نزلت بلبنان، وبأهل الجنوب والضاحية والبقاع الشمالي خصوصاً، على نحو مشابه لما تلفظ به خالد مشعل حين اعتبر ما أصاب غزة “خسائر تكتيكية”.

بدا عنيداً غير مكترث بالحقائق وبالصدمات العميقة التي أصابت حزبه وبيئته وبلده ومحوره. ولذا، كان في قرارة نفسه يدرك ضعفه في الإقناع. وعلى عكس اليقين الذي كان يفيض من وجه وكلمات حسن نصرالله، كانت “وعود” نعيم قاسم خاوية أو تقع أرضاً ولا يتلقفها سوى تلك الثلة التي تشبهه مكابرة وعناداً.

حتى أصبعه كان مجرد أصبع، أي ليس ممتلئاً لا بقوة التهويل ولا بطاقة الوعيد. أصبع أقرب إلى أصبع خطيب مسجد أو واعظ فحسب.

وعلى الرغم من تصدره للحزب تلفزيونياً، فهو حتى الآن لم يُنتخب كـ”بديل” أو وريث. وبداهة، يدلنا هذا أن التردد في تسليمه راية الأمانة العامة للحزب مرده خصاله الشخصية التي تعوزها الهالة اللازمة لأي خليفة نصرالله.

وحال نعيم قاسم كما ظهر، وما شاب هذا الظهور الناشف من وهن وارتباك، يصنع لا صورته هو وحده، بل صورة حزب الله الحالية، المغلفة بالعتمة والعزلة والخباء القسري والانقطاع عن الجمهور، وتناثر لغته والإغراق في المكابرة..

ونخشى من هذه الصورة، ومن فحواها البصرية والكلامية. إذ لا تخلو من نزعة أو سلوك انتحاري (وفق تشخيص علم النفس). ومصيبة هكذا نزعة أن أصحابها مصرّون على الإمساك بأيادينا بكل قسوة ويجروننا خلفهم عنوة، وهم متجهون إلى مصيرهم.

يوسف بزي- المدن

مقالات ذات صلة