طهران لعواصم الخليج: لا تتورطوا!

تزامناً مع استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، والحديث عن هجوم إسرائيلي وشيك ضد إيران، كثّف وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، حَراكه الديبلوماسي، سعياً وراء إخماد نيران الحرب المستعرة. وتوجه عراقجي الذي زار بيروت ودمشق، يومَي الجمعة والسبت الماضيَين، أول من أمس، إلى السعودية ومن بعدها قطر، للتشاور مع مسؤولي البلدَين في شأن الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، والعمل على وضع نهاية لها.

وفي مستهلّ جولته، حط في العاصمة السعودية، حيث التقى نظيره فيصل بن فرحان، وولي العهد محمد بن سلمان، كلاً على حدة. وأتت هذه الزيارة بعد أيام على لقاء جمع الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بوزير الخارجية السعودي على هامش اجتماع “منتدى الحوار الآسيوي” في العاصمة القطرية الدوحة. وفيما لم تتناول وسائل الإعلام السعودية، تفاصيل لقاءات عراقجي في الرياض، أفادت وكالة الأنباء الايرانية الرسمية أفادت بأن المحادثات بين وزيري الخارجية الإيراني والسعودي اشتملت على “تبادل وجهات النظر حول المشاريع المقترحة من جانب الأطراف الإقليمية والدولية لتحقيق وقف لإطلاق النار في لبنان”. وأعرب عراقجي، في تصريح أدلى به في الرياض، عن آماله في أن تفضي مشاورته “إلى ظروف أفضل لفلسطين ولبنان والسلام في المنطقة”.

ومن الرياض، توجّه وزير الخارجية الإيراني إلى الدوحة، أمس، حيث التقى رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وأشاد بدور قطر البنّاء في العمل على وقف الحرب في غزة ولبنان، قائلاً إن “الحرب التي يشعلها الكيان الصهيوني هي وراء التدهور الأمني وعدم الاستقرار في المنطقة”، داعياً إلى “الإفادة من كافة الطاقات والإمكانات الإقليمية لوقف الحرب فوراً، والحد من استمرار الإبادة الجماعية وتدمير البنية التحتية في لبنان وفلسطين”. وبدوره، دعا وزير الخارجية القطري إلى “التعاون الإقليمي بهدف وقف الحرب وجرائم الكيان الصهيوني والوصول الى الاستقرار والأمن المستدام في المنطقة ودعم الشعبين الفلسطيني واللبناني”، بحسب ما أفادت به وکالة “إرنا” الرسمیة. كذلك، أکد عراقجي، في حديث إلى قناة “الجزيرة”، أن “إيران لن تتخلّى أبداً عن المقاومة، ودعمنا لن يقتصر على السياسي والديبلوماسي، إننا لسنا في صدد الحرب أو تصعيدها، لكننا جاهزون لأي سيناريو”.

ويبدو أن أحد أهداف جولة عراقجي الخليجية، يتمثّل في السعي إلى كسب المزيد من الدعم الإقليمي لإرغام إسرائيل على قبول وقف إطلاق النار على جبهتَي غزة ولبنان. ويأتي ذلك، في وقت تبدي فيه الدول الخليجية مواقف مشوبة بالحذر إزاء اشتداد الحرب الإسرائيلية على لبنان، فيما اتّخذت موقف المحايد والمراقب من التصعيد الحاصل بين إيران وإسرائيل. ووفقاً لمصادر ديبلوماسية مطلعة، فإن إيران وجّهت، خلال الأيام الأخيرة، تحذيرات إلى الدول الخليجية من مغبة السماح باستخدام مجالها الجوي في أيّ عمل إسرائيلي محتمل ضدّ الجمهورية الإسلامية، تحت طائلة أن تواجه إجراءً إيرانياً مماثلاً.

👈وليس واضحا بعد، ما إذا كانت الدول الخليجية ستضع جانباً سياستها الحذرة، وتتصرّف بشكل أكثر فاعلية إزاء وقف إطلاق النار في المنطقة والدفاع عن لبنان وغزة أم لا. وفي الوقت ذاته، ثمة إشارات إلى أن إيران بصدد استثمار العلاقات الوثيقة لهذه الدول مع الولايات المتحدة، لتوفير الظروف الكفيلة بالمضيّ قدماً في خطة لوقف إطلاق النار في إطار اتفاق إقليمي ودولي. وفي هذا السياق، رفض الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، وبالتزامن مع زيارة عراقجي إلى الرياض، التقارير التي تحدّثت عن بدء “حوار سرّي” بين أميركا والدول العربية من جهة وإيران من جهة أخرى، بهدف تهدئة جميع جبهات الحرب في الشرق الأوسط دفعة واحدة. وعن التقرير الإخباري الذي بثّه التلفزيون الإسرائيلي، قال ميلر: “لم يتّصل أيّ أحد بالولايات المتحدة في شأن هكذا اقتراح، ولا نجري محادثات مع أيّ دولة حول هكذا اقتراح”. وأضاف: “لا أستطيع التحدث حول مقترح وهمي، ولست واثقاً من أنه موجود على أرض الواقع حتى”. ومع ذلك، تابع: “من الطبيعي أنّنا نرحب بوضع نهاية للاشتباكات الدائرة في أرجاء المنطقة”.

وكانت “القناة 12” الإسرائيلية ذكرت أن أميركا ودولاً عربية، بدأت محادثات سرية مع الجمهورية الإسلامية للتوصّل إلى وقف إطلاق نار شامل. ووفقاً للتقرير، فإن إسرائيل ليست ضالعة في هذه المبادرة في الوقت الراهن، بيد أن كبار المسؤولين الإسرائيليين، أُخذوا علماً بها. وتابعت القناة الإسرائيلية أنه ليس واضحاً كيف ستؤثر هذه الجهود على غزة. وتأتي الجهود الديبلوماسية الإيرانية الرامية إلى وضع حد للحرب، في وقت لم يُظهر فيه الطرف الرئيس لهذه الحرب، أي إسرائيل، أيّ مؤشر إلى استعداده لوقف إطلاق النار، لا بل تجهز الأخيرة نفسها لشن هجوم على إيران رداً على الضربة الصاروخية الإيرانية التي نُفذت في الأول من أكتوبر الجاري.

✒️وبحسب البيت الأبيض، فإن المكالمة الهاتفية التي جرت، مساء الأربعاء، بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، تمحورت خصوصاً حول الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، ورد الأخيرة المحتمل عليه. وبعد ساعات من هذه المكالمة، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في أحدث تصريح له، إن رد اسرائيل على الهجوم الإيراني سيكون “قاتلاً ودقيقاً ومفاجئاً”، وإن “الإيرانيين لن يفهموا ماذا حدث وكيف حتى يروا النتائج”. وفي الوقت الذي توعّد فيه المسؤولون الإيرانيون بأن أيّ إجراء إسرائيلي سيواجَه بردّ “أقوى”، يبدو أن منسوب التصعيد في المنطقة سيرتفع مستقبلاً، فيما لا تظهر أيّ مبادرات ديبلوماسية واضحة المعالم وكاملة لوضع حد لهذه الأزمة المتصاعدة.

محمد خواجوئي- الاخبار

مقالات ذات صلة