بعد اغتيال نصرالله المدوّي… من يدير حزب الله؟

من يدير أمور “حزب الله” بعد الرحيل المدوّي لأمينه العام السيد حسن نصرالله؟ السؤال مشروع ومطروح بإلحاح في أوساط الحزب وخارجها، بما يجسد أزمة القيادة في حزب مترامي الأطراف في الداخل وعلى مستوى الإقليم. ومبرر طرح الاسئلة المتصلة مستمد من اعتبارين:

الأول الشخصية الاستثنائية التي مثلها السيد نصرالله ووضعته طوال أكثر من ثلاثة عقود في مكانة صانع الانطلاقة الثانية الراسخة في حياة الحزب. فعلى مدى نحو عشرة أعوام بعد النشأة، لم يكن في مقدور الحزب النامي أن يسمي رسميا أمينا عاما، على رغم أن الشيخ صبحي الطفيلي كان يتصرف كأنه الأمين العام المطلق الصلاحيات والمتفرد بالقرار، علما أن الذي تلا “رسالة الحزب إلى العالم” المتعارف عليها بأنها “المانيفستو” الأول الذي ينطق به الحزب، كان السيد إبرهيم أمين السيد عام 1985 من حسينية الشياح.

السيد عباس الموسوي هو أول من تقدم إلى خارج الحزب بصفته أمينا عاما منتخبا من أول مؤتمر عامّ يعقده الحزب عام 1991. ومعه خطا الحزب خطوات أولى في ميدان دفعه إلى عمق المشهد السياسي اللبناني. ولكن لم يكتب للموسوي أن يمضي قدما، إذ إن الطيران الإسرائيلي اغتاله في أوائل 1992، وقبل أن يوارى نودي بالسيد نصرالله خليفة له.

مع نصرالله رسّخ الحزب هويته وشخصيته، في حين كانت المقاومة تتقدم في الميدان لكون الحزب يقاتل عدوا يحتل أرضا لبنانية. وبفعل الدورالاستثنائي الذي اضطلع به، خرجت قيادته عن مندرجات النظام الداخلي المقرّ سلفا فكرّست نصرالله أمينا عاما مدى حياته، متجاوزة بندا ينص على أن للأمين العام الترشح لولايتين اثنتين فقط، أي لمدة ستة أعوام.

واقع الحال هذا أعاد الحزب إلى تجارب من سبقه من الأحزاب العربية حيث تطغى شخصية القائد على كل المؤسسات التي يُفترض أنها وجدت لتساهم في إدارة جماعية. وقد أعطي في عهد هذه الشخصية إمكانات ضخمة مادية ومعنوية أباحت له إنشاء عشرات المؤسسات الصحية والتربوية والإنمائية والمالية، فضلا عن المؤسسات العسكرية.

وعندما كان يحضر في دوائر القرار في الحزب السؤال عمن يمكن أن يخلف الأمين العام في حال حدوث طارىء ما، كانت الأصابع تتجه إلى رئيس حكومة الحزب السيد هاشم صفي الدين، باعتباره الخليفة المضمون والمعدّ ليوم كهذا. ووقع المحظور. فخلال أقل من أسبوع اغتيل نصرالله ووجدت جثته، وصدر نعي رسمي له، ثم دمر الطيران الإسرائيلي مجمعا ضخما في الضاحية الجنوبية تشير كل الدلائل إلى أن صفي الدين كان في سراديبه التحتية، ومُنع التنقيب في ركام المجمع المدمر، فخلص أحد قادة الحزب محمود قماطي إلى استنتاج فحواه أن الاتصال بالسيد صفي الدين مقطوع تماما، وهو مصطلح لا يعني موت الرجل، لكنه يجعله في عداد المفقودين ما دامت الجثة غير ظاهرة.

هكذا وجد “حزب الله” نفسه وجها لوجه أمام وضع بالغ الصعوبة، واستتباعا أمام فراغ مدوّ في رأس هرم قيادته، وبمعنى آخر أمام أزمة قيادة حقيقية، فيما يمر في ظروف بالغة التعقيد ويواجه تحديات كبرى.

وبادر نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة إلى التعبير الصريح عن حدة هذه الأزمة عندما تحدث عن حجم معاناة الحزب في غياب السيد نصرالله. وهكذا، بعد نحو أسبوعين على غياب نصرالله، يبدو الحزب في حال عجز عن تنظيم مراسم دفنه على نحو لائق، وعن تسمية أمين عام يستطيع مواراة السابق، في حين أنه لم يُعثر على جثة الخليفة المحتمل.

وتفيد معلومات أن الشيخ قاسم الذي يشغل منصب نائب الأمين العام منذ عام 1991 أبلغ إلى من يعنيهم الأمر أن عليهم أن يدرسوا كل الخيارات والاحتمالات قبل أن يتفقوا على تسميته خليفة لنصرالله “لأن الحمل أثقل من أن يتحمله وحده”. وفي الموازاة، ثمة أزمة أخرى يواجهها العاملون على إيجاد حلول لأزمة القيادة، هي أن الحزب قرّر منذ انطلاقته أن يكون على رأسه دوما عالم دين، وهي مهمة تبدو صعبة في الوقت الراهن لافتقاد المؤهلين من العلماء الذين يمكن أن يقبلوا التصدي لهذه المهمة الثقيلة.

وبناء عليه، تذكر مصادر على صلة بأن التوجه العام عند الحزب يقوم على:

– الاستمرار بالإدارة الجماعية التي يتولاها مجلس شورى القرار، والذي يضم عادة سبعة أعضاء فقد اثنان منهم وبقي خمسة فقط، هم الشيخ قاسم والنائب محمد رعد والشيخ يزبك وممثل للمجلس الجهادي في الحزب (القيادة العسكرية) وآخر.

– تأجيل تسمية الأمين العام إلى أجل غير مسمى لاعتبارين: الأول إيجاد البديل المقنع والثاني لكي لا تستهدفه إسرائيل. وإلى ذلك الحين سيظل الشيخ قاسم هو المولج الظهور عند الاقتضاء والحاجة.

ابراهيم بيرم- النهار

مقالات ذات صلة