ما هو معروض اليوم قد يصبح مرفوضاً غداً: استغاثة “الحزب” المكسور لا تكفي!

ما لم يقله نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أكثر بكثير مما قاله أول من أمس، لكن معظم المراقبين السياسيين في لبنان والخارج فهموا أن “الحزب” يستغيث طالباً وقف إطلاق النار، مكلفاً حليفه الرئيس نبيه بري بالتفاوض، علماً أن قاسم لم يشترط ربط وقف إطلاق النار في غزة هذه المرة، وهذا تطور لافت يؤكّد ما فهمه المراقبون برغبة شديدة في التراجع والحصول على هدنة ليلتقط “الحزب” أنفاسه بعد الضربات الاسرائيلية القوية التي مني فيها بخسائر كبيرة بشرياً ومادياً وعسكرياً.

وهذا ما فهمته أيضاً الإدارة الأميركية عندما لاحظ المتحدث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة ماثيو ميلر، إنّ دعوة “الحزب” لوقف إطلاق النار، تُظهر أنّ الجماعة المسلّحة أصبحت في موقف دفاعي، ولأولّ مرّة لم يقل إنّ التوصّل إلى اتّفاق هدنة في غزّة هو شرط مسبق كي يوقف إطلاق النار على إسرائيل”.

لكن يتساءل البعض ما إذا كان وقف إطلاق النار الذي يُطالب به “الحزب”، يتضمن، على الأقل، عرضاً بالتراجع 10 كيلومترات من الحدود اللبنانية-الاسرائيلية. الجواب لدى خبير في شؤون “الحزب” ليس يقيناً إنما افتراضياً، إذ يعتبر أن مطلب وقف إطلاق النار لا يتضمن عروضاً، بل الهدف منه إراحة “الحزب” لإعادة تنظيم نفسه وقواه العسكرية وإنتشاره وبيئته المخترقة مخابراتياً من العدو، فالضغط العسكري الاسرائيلي كبير جداً، ولا يسمح له حتى بإنتخاب أمين عام جديد، وبالتالي، لا يُمكن لـ”الحزب” بإيعاز إيراني، التنازل عن شيء مثل التراجع 10 كيلومترات أو تطبيق القرار 1701، فهذه قرارات استراتيجية باتت في يد النظام في طهران بعد اغتيال حسن نصرالله الذي كان شخصية يعتمد عليها المرشد علي خامنيئي، نظراً إلى عمق تفكيره الاستراتيجي ولعبه دور أشمل في محور الممانعة.

لذلك، لا تسمح إيران لـ”الحزب”، في ظلّ فقدان رأس يديره بأي خطوات كبيرة، إنما بتراجع تكتيكي يؤدي إلى وقف إطلاق النار فقط، أما الأوراق الكبيرة فيستخدمها النظام في “بازار” مفاوضاته مع الولايات المتحدة الأميركية!

في المقابل، لا تبدو اسرائيل، في ظل تفوّقها العسكري الواضح على “الحزب”، وتحقيقها لإنجازات كبيرة خلال شهر ونصف، أي بسرعة قياسية، موافقة على وقف إطلاق النار، فهي تعرف أهداف “الحزب” من ذلك، ولن تسمح له بإلتقاط أنفاسه واستجماع قوته، بل بالعكس، لم تعد تقبل بما كانت تطرحه سابقاً كتراجع “الحزب” 10 كيلومترات، بل هي في موقف قوة الآن، ووفق ما عرضته قناة 12 الاسرائيلية نقلاً عن مسؤول حكوميّ، لن توقف القتال إلا بتراجع “الحزب” إلى شمال الليطاني، وتفكيك كل البنية التحتية العسكرية التابعة له على الحدود، وفك ارتباط الجبهة في لبنان بقطاع غزة.

أمام هذا الواقع، لن يفلح بري المفوّض من “الحزب” بالتوصّل إلى وقف إطلاق النار، لأن إيران لن تقبل بشروط اسرائيل، وبالتالي استغاثة “الحزب” لن تجد آذاناً صاغية والحرب مستمرة حتى إشعار آخر، وربما كلّما تقدّم الوقت سيفقد “الحزب” المزيد من قدراته في ظلّ الحصار المُحكم بالنار الذي تفرضه اسرائيل براً وبحراً وجواً.

لا شك في أن “الحزب” مأزوم، والنظام الإيراني يديره اليوم مباشرة على الأرض من خلال ضباط إيرانيين، وفق مصادر مُتابعة، والمواجهات البريّة على الحدود التي يوحي “الحزب” بأنه يتفوّق بها ليست واضحة، ولم تؤد مقاومته إلى تراجع الاسرائيليين عن تنفيذ مهامهم في هذا الغزو المحدود، علماً أن خسائرهم منذ بداية هذه الحرب أي منذ 8 تشرين الأول 2023 لا تُذكر بالمقارنة مع خسائرهم خلال شهر واحد في حرب تموز 2006 الذي قُتِلَ لهم فيه أكثر من 125 جندياً.

لذلك، سيستمر الجيش الاسرائيلي في تنفيذ مهامه حتى يُحقّق أهدافه اما عسكرياً أو ديبلوماسياً من خلال الضغط العسكري، وأولى ثمار الهجوم الاسرائيلي قبول قاسم بفصل مسار لبنان عن غزة، إلا أن المطالب الاسرائيلية-الأميركية أصبحت أكثر جرأة لجهة الاستثمار في وضعية “الحزب” الضعيفة. من جهة أخرى، ليس معروفاً كم ستلعب إيران ورقة “الحزب” المستنزف، وربما المبالغة في الإعتماد عليه، قد تفقدها ورقته نهائياً، وخصوصاً إذا فاز المرشّح الجمهوري دونالد ترامب في الرئاسة الأميركية، إذ من المحتمل أن يستفيد من الاختلال في موازين القوى بين اسرائيل و”الحزب” ليفرض تنفيذ القرار 1559 أي نزع سلاح “الحزب” بالكامل!

ويرى مصدر في المعارضة اللبنانية أن “الحزب” فوّت فرصاً كبيرة عليه منذ زيارات هوكشتاين المكوكية التي كان يحمل فيها عروضاً تحفظ له، على الأقل، ماء الوجه بالتراجع 8 كيلومترات مقابل حصول لبنان على ترتيبات على الحدود، إلا أن نصرالله رفضها كلّها، وقرر المضي في المواجهة حتى وصلت حالة “الحزب” إلى الحضيض، وربما ما هو معروض اليوم، قد يصبح مرفوضاً غداً، نظراً إلى الفارق الكبير بالقدرات العسكرية والإنجازات في الميدان، علماً أنه مع مرور الوقت، إذا استمر الحصار الاسرائيلي، سيفقد “الحزب” المزيد من قدراته، إلى جانب ما قد تتعرّض له إيران من ضربة اسرائيلية قريبة، وربما إقتلاع نظامها من جذوره، إذا وصل ترامب إلى البيت الأبيض قي تشرين الثاني المقبل.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة