العالم تغيّر. المنطقة تغيّرت ولا عودة إلى تجربة 2006: متى يستوعب الحزب حجم الهزيمة؟

في حرب صيف عام 2006، انتصر الحزب على لبنان واللبنانيين. في حرب غزّة التي اندلعت في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023)، سُحق لبنان بعدما استخفّ الحزب بردّ الفعل الإسرائيلي على فتح جبهة الجنوب من جهة… وبعدما تبيّن مدى انكشافه أمام الدولة العبريّة بأجهزتها الأمنيّة والتكنولوجيا التي تمتلكها من جهة أخرى.

يرفض الحزب أخذ العلم بما حدث وبحجم الكارثة التي حلّت بالبلد. يحتاج إلى الخروج من الفلك الإيراني والعودة إلى الواقع اللبناني كي يستوعب أنّ المسألة ليست مسألة وقف لإطلاق النار ثمّ الدخول في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل كما أوحى نعيم قاسم نائب الأمين العامّ للحزب في خطابه الأخير. كان لافتاً في ذلك الخطاب تجاهل وجود القرار 1701 وأهمّية فكّ الارتباط بين لبنان ومصير غزّة، وهو مصير بات معروفاً.

هل يستوعبون حجم الهزيمة؟

ليس مطلوباً، كما فعل نعيم قاسم، وضع الرئيس نبيه بري في الواجهة والتفخيم به بمقدار ما أنّ المطلوب استيعاب حجم الهزيمة التي لحقت بالحزب، إضافة في طبيعة الحال، خطورة الأزمة الناجمة عن تهجير مليون لبناني من قراهم وبيوتهم وتفريغ قسم من الجنوب من سكّانه. لا ينفع لبنان وجنوبه وبقاعه والضاحية الجنوبية لبيروت في شيء بقاء نحو سبعين ألف إسرائيلي خارج المستوطنات التي يقيمون فيها في الجليل في حين لا يجد معظم النازحين اللبنانيين سقفاً يحتمون به ولقمة وحليب أطفال وأدوية. أيّ مستقبل للبنان في حال بقاء كلّ هؤلاء النازحين في بيروت بالذات؟ هل المطلوب خنق العاصمة اللبنانية التي من دونها لا انبعاث للبنان ولا قيامة له يوماً كي تكون “الجمهوريّة الإسلاميّة” راضية عن سلوك الحزب؟

نجحت اللعبة التي مارسها الحزب، ومن خلفه إيران، في حرب صيف عام 2006، تلك الحرب التي من بين أسباب افتعالها التغطية على جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في 14 شباط 2005. كلّ ما كان يريده الحزب وقتذاك يتمثّل في وقف الحرب. أيّد كلّ كلمة وردت في القرار 1701 في البداية ولمّا استتبّت له الأمور انصرف إلى الداخل اللبناني كي يكرّس حلول الوصاية الإيرانية الكاملة مكان الوصاية السورية التي أنهاها دم رفيق الحريري ولا أحد غيره. من القبول بالقرار 1701، إلى خرقه يومياً، نفّذت إيران في لبنان خطّة كاملة متكاملة توّجت باستيلائها على قرار الحرب والسلام في البلد. ثبت ذلك في اليوم التالي لحصول “طوفان الأقصى” حين قرّرت “الجمهوريّة الإيرانيّة” زجّ لبنان بحرب خاسرة. فبعد إزالة غزّة من الوجود، يبدو واضحاً أنّ حرب غزة التي انتقلت إلى لبنان لا يمكن أن تنتهي بغير تغيير جذري يصعب التكهّن بالشكل الذي سيتّخذه.

الحزب ضحيّة حسابات إيران

ما يجعل الحزب لا يتوقّف عن ارتكاب الأخطاء في حساباته الإقليميّة، بدءاً بالإصرار على ربط مصير لبنان بمصير حرب غزّة، أنّ الحزب ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. ذهب الحزب ضحيّة الحسابات الإيرانيّة البعيدة كلّ البعد عن الواقع وعن مجرى الأحداث في المنطقة. إنّها الأحداث التي بدأت في اليوم الذي قرّر فيه يحيى السنوار، الذي أصبح رئيساً للمكتب السياسي لحركة “حماس” بعد اغتيال إسماعيل هنيّة في طهران، شنّ هجوم “طوفان الأقصى”.

بعد مرور عام كامل على حرب غزّة، لا مفرّ من العودة إلى السؤال التقليدي المطروح منذ ما يزيد على أربعين عاماً. هل الحزب يمتلك قراره؟ الجواب أنّه لا يمتلك هذا القرار. ربّما كان لدى الراحل حسن نصرالله هامش ضيّق للمناورة. لكن، عندما جاءت التعليمات من “المرشد الأعلى” علي خامنئي بالمشاركة في الحرب على الشعب السوري لم يتردّد لحظة في تنفيذ المهمّة المطلوبة منه. وقتذاك، في عام 2011، حاول حسن نصرالله إبداء بعض التحفّظ في لقاء مع خامنئي. لكنّ الأخير أصرّ على وجوب تورّط الحزب في الحرب السوريّة “مهما كلّف الأمر”، على حدّ تعبير “المرشد الأعلى”.

الحزب يحلم بتكرار 2006

كلّ ما يريده الحزب في الوقت الحاضر تكرار تجربة حرب صيف 2006. العالم تغيّر. المنطقة تغيّرت. الحزب لم يتغيّر لأنّ إيران لم تتغيّر. لا استيعاب لفكرة أنّ الرئيس نبيه برّي طرح مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط الخطوط العريضة لصفقة متكاملة تشمل وقف النار وتنفيذ القرار 1701 وفكّ الارتباط اللبناني بحرب غزّة… لعلّ ذلك ينقذ لبنان الذي يحتاج أوّلاً إلى رئيس للجمهوريّة.

لا يتعلّق الأمر بوقف للنار ثمّ الدخول في مفاوضات بأيّ شكل. مثل هذه الخطوط العريضة التي طرحها ميقاتي وبرّي وجنبلاط مرفوضة إيرانياً. ظهر ذلك بوضوح في اللقاء الذي جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي راح يعطي ميقاتي درساً في “الوطنيّة والصمود والمقاومة”، وهو ما استوجب ردّاً واضحاً من نجيب ميقاتي.

فوق ذلك كلّه، ليس معروفاً هل إسرائيل، التي ليست جمعيّة خيريّة، في وارد العودة إلى الـ1701 بنصّه الحالي… أم ستطلب أكثر من ذلك في ضوء الضربات التي وجّهتها إلى الحزب بضوء أخضر أميركي؟

هذا هو الواقع الذي يتوجّب على الحزب التعاطي معه إذا كان مهتمّاً بالفعل بالنازحين اللبنانيين وأهل الجنوب والبقاع والضاحية. بدل البحث عن وقف للنار، يبدو مستحيلاً، والعودة إلى 2006، من المفيد التفكير في أنّ وجود مليون نازح ليس مزحة، بل هو قنبلة موقوتة كفيلة بتفجير البلد تسبّبت بها مغامرة، بل جريمة، ربط مصير لبنان بحرب غزّة!

خير الله خير الله- اساس

مقالات ذات صلة