تفكيك “الحزب”هدف اسرائيلي – أميركي: خطط “جهنميّة” إذا طالت المعركة!

الحزب يتعرّض للذبح والتصفية والتفكيك على نحو منهجي

ليس سراً أن ما تفعله اسرائيل من عمليات حربية ضد “حزب الله” يبدو أكثر عمقاً وشمولاً من تنفيذ بند إرجاعه 10 كيلومترات عن الحدود اللبنانية إلى ما وراء نهر الليطاني، وهناك مؤشرات عديدة تؤكّد هذا الإتجاه، يُمكن قراءتها أولاً، من خلال الاستراتيجية العسكرية الاسرائيليّة المعتمدة على الخريطة اللبنانية.

المستوى الأول من العمليات هدفه ضرب رأس “الحزب” وقياداته، وهذا ما تُرجم بإغتيال الأمين العام حسن نصر الله ثم رئيس مجلس الشورى هاشم صفي الدين، إضافة إلى قيادات عسكرية مهمة، ولا تزال اسرائيل تلاحق كل مسؤول سياسي وعسكري لدى “الحزب”، حتى تفقده القرار والقدرة على السيطرة.

المستوى الثاني هو الحصار الذي فرضته اسرائيل على “الحزب” براً، بحراً وجواً، لقطع طريق الإمدادات العسكرية واللوجيستية عليه من إيران والأذرع العسكرية الأخرى لمحور الممانعة، إضافة إلى قصف مخازن الصواريخ والسلاح في كل المناطق اللبنانية.

المستوى الثالث هو إطلاق حملة برية لتدمير البنية التحتية لـ”الحزب” في الحدود الجنوبية، وعلى الرغم من الصعوبات والخسائر الاسرائيلية الكبيرة، حقّقت اسرائيل تقدماً ملموساً على هذا الصعيد.

في المقابل، تبدو الخسائر والأضرار التي مُني بها “الحزب” ليست قليلة على كل الصعد البشرية والعسكرية والماليّة. وعلى الرغم من عدم تراجعه واستمراره في الدفاع عن نفسه عبر رمي الصواريخ إلى شمال اسرائيل ومواجهته للغزو العسكري الاسرائيلي على الحدود، إلا أنه أصبح في حالة لا يُحسد عليها، يقاوم منفرداً، من دون دعم إيراني فاعل، وكأنه يتعرّض للذبح والتصفية والتفكيك على نحو منهجي.

وتؤكّد معطيات ديبلوماسية غير رسمية من واشنطن أن ما يحصل ليس عملية محدودة وموضعيّة، بل تتعلّق بقرار سياسي أميركي-اسرائيلي كبير يقضي بضرب الذراع الايرانية الأقوى في المنطقة، وقد يُخدع البعض بانتقادات الرئيس الأميركي جو بايدن لرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، إلا أن القرار صدر من أميركا الدولة العميقة بتفكيك “الحزب” الذي يُشكل خطراً محدقاً على اسرائيل، وقد أكّد نتنياهو بنفسه هذا الكلام في 8 أيلول الفائت عندما قال: “حزب الله ذراع إيران الأقوى ونستعد لتغيير وضع الشمال”.

وكانت التوقعات تشير إلى أن إضعاف “الحزب” سيكون أكثر صعوبة بالنسبة إلى اسرائيل، لكن سلسلة الضربات الناجحة لجيش الدفاع الاسرائيلي و”الموساد” والتي أدت إلى ضربة “البايجرز” ثم قتل قيادات “الحزب” الواحد تلو الآخر وقصف مخازن الصواريخ في الضاحية والبقاع والجنوب وفرض حصار عليه، جعل الكفّة تميل إلى اسرائيل من خلال تفوّقها التكنولوجي والاستخباراتي، حتى وصف أحد جنرالات الجيش الأميركي “الحزب” بأنه “كتاب مفتوح أمام اسرائيل” للدلالة على الخرق الاستخباراتي الكبير لإسرائيل داخل التنظيم الذي بات “أوهن من بيت العنكبوت”، وهي العبارة التي غالباً ما وصف بها نصر الله اسرائيل منذ حرب تموز 2006!

وعلى الرغم من نفور إدارة بايدن من الخيارات العسكرية الاسرائيلية، إلا أنها تبدو مقتنعة بما تفعله اسرائيل في لبنان، وتلفت المعطيات من واشنطن إلى أن ما بدأته اسرائيل ستستكمله الولايات المتحدة لاحقاً ديبلوماسياً لخلق نموذج جديد للأمن والاستقرار داخل لبنان، وخصوصاً مع تغيّر وضعية “الحزب” وإعادة النظر في مسألة السلاح بعد إجباره عسكرياً على التراجع إلى ما وراء نهر الليطاني.

وتعوّل الديبلوماسية الأميركية بعد هذه المرحلة العسكرية والحربية على تطبيق القرار الدولي رقم 1701 الذي يتضمن حكماً تطبيق القرارين 1559 و1680، بحيث تفرض واشنطن على اسرائيل الإنسحاب من الأراضي اللبنانية وإلتزام لبنان بتطبيق البنود الآتية:

– نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان وأهمها “حزب الله”، بحيث “لن يكون هناك أسلحة غير تلك التابعة للجيش اللبناني”.

– الاحترام الكامل من الطرفين اللبناني والاسرائيلي للخط الأزرق و”الترتيبات الأمنية لمنع استئناف الأعمال العدائية”، بما في ذلك منطقة خالية من أي أفراد مسلحين أو أسلحة غير الجيش اللبناني و”اليونيفيل” بين الخط الأزرق ونهر الليطاني.

علماً أن لدى إسرائيل، خططاً “جهنميّة” إذا طالت المعركة وتحوّلت حرب استنزاف جنوباً، بحيث هناك رغبة في إنشاء فصيل عسكري لبناني جنوباً يشبه تجربة جيش لبنان الجنوبي للقتال ضد “الحزب” على الحدود، لكن لم تشر المعطيات الديبلوماسية الأميركية إلى تفاصيل أكثر في هذا المجال، ما يجعل الفكرة غير واقعيّة وربما غير واردة لدى أي مواطن لبناني في إعادة هذه التجربة التي لم تكن نهايتها موفّقة عام 2000 بعد انسحاب اسرائيل من لبنان!

لكن العامل الجديد والحاسم الذي قد يدخل إلى الصراع بين اسرائيل و”الحزب” هو إمكان فوز المرشّح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، ما قد يغيّر المشهد دراماتيكياً، وترى المعطيات من واشنطن أن ترامب متفق مع نتنياهو على أن الصراع لن ينتهي إلا بضرب زعيمة محور الممانعة إيران على نحو حازم وحاسم، ما يُنهي “تعنّت” الحزب وتمسّكه بسلاحه.

واللافت أن دوائر القرار في الولايات المتحدة تجد أن الفرصة ستكون سانحة في المستقبل القريب لنهوض الدولة اللبنانية لتستعيد مؤسساتها وانتظامها وحياتها الديموقراطية الديناميكيّة غير المقيّدة بالطائفية، إضافة إلى جيش واحد قويّ.

وتعتبر هذه الدوائر أن ما يجري اليوم يخدم مفهوم الدولة الفعليّة عبر تحريرها من “حزب الله” الذي خطفها منذ فترة طويلة مدعوماً من إيران. علماً أن أجواء الادارة الأميركية منذ أسبوع كانت تصبّ في هذا الإطار عبر الدفع نحو أولويّة انتخاب رئيس للجمهورية، لكن زيارة وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي إلى لبنان أحبطت المشروع وأعادته إلى الصفر.

وتختم المعطيات من واشنطن أن بعض المسؤولين في الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان يعاني من متلازمة استوكهولم، بحيث أنه على الرغم من ضعف “الحزب”، لا يزال يتصرف كتابع له من دون أن يجرؤ على إتخاذ قرارات مصيرية تعيد الاعتبار إلى الدولة اللبنانية، وربما سيستغرق تحرير هؤلاء من هذه المتلازمة وقتاً غير قصير ليستوعبوا أن رياح التغيير هبّت و”الحزب” وايران لم يعودا متحكّمين في القرار الرسمي اللبناني، وبالتالي على هؤلاء المسؤولين اما أخذ المبادرة أو ترك المهمة لمسؤولين شباب أكثر جرأة.

جورج حايك-لبنان الكبير

مقالات ذات صلة