عين إسرائيل على الليطاني وحزب الله يخوض حرب وجود!
بعد مرور أيام على انطلاق العملية البرية الإسرائيلية ضد «حزب الله» تتباين القراءات حول النتائج والتوقعات. وبدا أن «الحزب» الذي نجح في التصدي لبدايات التوغل الإسرائيلي في العديسة ويارون ومارون الراس وكفركلا يعتبر أن هذا التوغل هو «الفرصة التاريخية» التي تحدث عنها الأمين العام الشهيد حسن نصرالله بدليل الكلفة البشرية المرتفعة التي أصابت الجيش الإسرائيلي، والتي يحرص «الحزب» على أن يواكبها استمرارُه بإطلاق الصواريخ على محيط تل أبيب وحيفا وصفد والمستوطنات الشمالية لرفع معنويات بيئته الحاضنة التي أصيبت بإحباط بعد استشهاد السيد نصرالله والضربات التي تلقاها «الحزب» والنزوح غير المسبوق الذي تعرّضت له قرى وبلدات الجنوب والضاحية والبقاع نتيجة محاولة قوات الاحتلال فرض وقائع عسكرية جنوب نهر الليطاني.
وبات معلوماً أن الحرب الإسرائيلية طويلة طالما أن تل أبيب باتت تطرح هدفاً يتضمن ليس فقط انسحاب «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني بل نزع سلاحه. وعلى الرغم من زعم مسؤولين إسرائيليين أنهم لا يريدون توسيع الغزو، إلا أن الوقائع الميدانية قد تدفعهم إلى هذا السيناريو وتخطي حدود الليطاني إلى ما هو أبعد لتحقيق الأهداف الإسرائيلية حيث توحي المؤشرات أن إسرائيل قد لا تقبل بعد الآن بالقرار 1701 بل قد تطلب ما هو أكثر من ذلك، مع العلم أن القرار الدولي 1701 يتضمن القرار 1559 الذي ينص على نزع كل سلاح خارج إطار الشرعية اللبنانية.
وفي مواجهة هذه الحرب الإسرائيلية وما تحقق من نتائج، يتحدث فريق الممانعة عن استعادة «حزب الله» زمام المبادرة والتقاط الأنفاس بعد الصواريخ الإيرانية التي تساقطت في إسرائيل وبعد نجاح «الحزب» في صد الهجمات البرية على الحدود الجنوبية وتكبيد جيش الاحتلال خسائر بين ضباطه وجنوده إضافة إلى معاودة العلاقات الإعلامية في «الحزب» والإعلام الحربي تفعيل نشاطهما وإصدار البيانات عن مجريات الميدان مع الحرص على إطلاق المزيد من صواريخ الكاتيوشا أو «فلق» أو «فادي» على العمق الإسرائيلي لنفي الادعاءات الإسرائيلية بالقضاء على 50 في المئة من قوة الحزب الصاروخية.
أكثر من ذلك، توزّع نواب من كتلة «الوفاء للمقاومة» وإعلاميون ومحللون قريبون من «حزب الله» على الشاشات لضخ المعنويات في صفوف الأوساط الشيعية، والحديث عن أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخطأ عندما استعجل الاحتفال بإنجازات جيشه بعدما استوعبت المقاومة الضربات النوعية وتعافت منها وأحبطت بالتالي طموحاته بالتطلع إلى تغيير الشرق الأوسط ليعود نتنياهو إلى المربع الأول. وذهب البعض حد تشجيع «الحزب» على الدخول إلى الجليل وقصف تل أبيب وتوجيه الإنذارات إلى سكان تل أبيب بإخلاء أبنيتهم وبث الرعب في نفوسهم كما يفعل أفيخاي أدرعي مع سكان الضاحية الجنوبية، معتبرين أن المقاومة أخطأت في الانتظار وعدم توجيه ضربات استباقية. وتنصح أوساط الممانعة نتنياهو بالتعلم مما خَبِره رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت في حرب تموز/يوليو 2006 ليعلم أن كل الدمار في الجنوب والبقاع والضاحية لن يعوّض عليه خيبة الميدان ولن يمكّنه من إعادة المستوطنين إلى الشمال.
غير أنه أبعد مما يقوله فريق الممانعة، فإن الواقع يقتضي القول إن المعادلات تغيّرت وسقطت نظرية «قوة الردع» و«توازن الرعب» التي سادت على مدى سنوات حول ردع إسرائيل عن الاعتداء على لبنان. حتى أن الرد الإيراني الثاني على إسرائيل بعد الرد المسرحي في شهر نيسان/إبريل الفائت جاء سطحياً في رأي البعض وبهدف حفظ ماء الوجه بعد النقمة داخل بيئة المقاومة وتوجيه الانتقادات ضمناً إلى إيران بأنها تخلت عن «حزب الله» أو أنها لم تدعمه كما يجب، ما استدعى موقفاً علنياً وباللغة العربية من المرشد الإيراني علي خامنئي في خلال مراسم تأبين السيد نصرالله بالبندقية في طهران، إضافة إلى إرسال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى بيروت لتأكيد الوقوف الدائم إلى جانب «الحزب» والتصرف مع الدولة اللبنانية كالمفوض السامي.
هذا الدخول الإيراني على الخط أعاد ربط حرب لبنان بجبهة غزة وأظهر أن السلطة اللبنانية غير قادرة على الإيفاء بتعهداتها حول الالتزام بوقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 ما دامت طهران و«حزب الله» يستمران في توظيف الساحة اللبنانية في مواجهة إسرائيل.
غير أن الدعم الإيراني لـ «حزب الله» سيبقى محدوداً في ظل عدم وضوح موقف طهران من التورط بحرب مع إسرائيل، ما سيجعل «الحزب» يواجه شبه وحيد حرب وجود وبقاء في ظل جموح نتنياهو لإنهاء ظاهرته العسكرية وعدم التوقف فقط عند الهدف المعلن بإنسحاب «الحزب» إلى شمال نهر الليطاني. فتل أبيب يبدو أنها تتجه لتكثيف ضرباتها ومواصلة استهداف القيادات الحزبية كما حصل مع رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين المرشح الأكثر تداولاً لخلافة نصرالله وصولاً إلى كوادر الصف الثاني والثالث والمسؤولين عن الخزنة المالية بما يُفقِد «حزب الله» موارده وعملاته الصعبة التي خوّلته الوقوف إلى جانب عناصره وعائلاتهم طيلة فترة الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي شهدتها البلاد.
وفي الوقت الذي يخوض «الحزب» حرب المواجهة ضد إسرائيل، فهو بدأ يفقد في الداخل اللبناني السيطرة على القرار السياسي والأمني بدليل تخلّي الرئيس نبيه بري عن شرط الحوار أو وقف إطلاق النار قبل الدعوة إلى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية مقابل الاتيان برئيس توافقي قبل تبدل موازين القوى بشكل أكبر لصالح قوى المعارضة ما يساعدها على انتخاب رئيس قد لا يرضى عنه الثنائي الشيعي مع العلم أن الرئيس نبيه بري يمتلك مفتاح مجلس النواب ولن يدعو إلى جلسة انتخابية إذا كانت ستأتي برئيس لا يرضى عنه هو ولا نواب «حزب الله». وقد تعاطى «الحزب» في اليومين الماضيين ببرودة مع الحركة السياسية للدفع في اتجاه انجاز الاستحقاق الرئاسي ولم يعط كلمته حول هذا الاستحقاق في انتظار تحسين وضعه العسكري على الجبهة الجنوبية، فيما الولايات المتحدة الأمريكية تريد استغلال ضعف «الحزب» لانتخاب رئيس في هذه المرحلة وتعتقد أن قائد الجيش العماد جوزف عون هو الأوفر حظاً لقيادة العهد الجديد.
وعلى الرغم من تخوّف قوى المعارضة من أن يكون وراء الإيجابية المستجدة في الملف الرئاسي وفقاً لخريطة طريق مجرد مناورة سياسية، إلا أن المعارضة التي تتألف من مختلف الطوائف تحرص على عدم التعامل مع مَن انقلبوا على الدولة وهيمنوا على قرارها بعد شعورهم بفائض القوة على قاعدة غلبة إقليمية ممانعة أدخلت لبنان بحروب بل ستعمد إلى احتضان الطائفة الشيعية بعد اغتيال أحد أبرز رموزها السيد نصرالله انطلاقاً من أن كل الطوائف ذاقت طعم المرارة والإحباط وأصيبت بخسارة كبرى من خلال خسارة كل طائفة لبنانية أحد رموزها على مر السنوات بدءاً باغتيال الزعيم الدرزي المعلم كمال جنبلاط عام 1977 مروراً باغتيال القائد المسيحي الرئيس بشير الجميل عام 1982 وصولاً إلى اغتيال الزعيم السني الرئيس رفيق الحريري عام 2005.
سعد الياس- القدس العربي