هوكستين غائب عن السّمع ومجلس الأمن معطّل: البلد متروك لقدره والكلمة للميدان

البلد متروك لقدره. بهذه المعادلة البسيطة، القاسية بتداعياتها، يمكن اختصار حال الاتّصالات الدولية مع المسؤولين اللبنانيين حيال العدوان الإسرائيلي المتمادي. لا اتّصالات دولية جدّية قادرة على محاصرة النيران، ولا حتى مؤشّرات إيجابية يمكن التعويل عليها، خلافاً لما كان عليه الوضع قبل 17 أيلول الماضي.

تفيد المعلومات من نيويورك أنّ أروقة الأمم المتحدة لا تشهد حركة مفيدة مبنيّة على معطيات عميقة قد تسمح بالحديث عن محاولة جديدة لوقف إطلاق النار. ومن غير المرتقب صدور أيّ مخرجات عن مجلس الأمن، فلا بيان صحافياً ولا بيان رئاسياً ولا قرارات بطبيعة الحال، بسبب اشتراط الإدارة الأميركية تضمين أيّ بيان إدانة واضحة لإيران وللحزب، وهو ما قد يعرّضه لفيتو روسي، والعكس صحيح. ولهذا يمكن القول إنّ الكلمة هي للميدان، وأمّا الدبلوماسية فمؤجّلة إلى زمن آخر. فيما يقول بعض المسؤولين الذين يتواصلون مع الموفد الأميركي آموس هوكستين إنّه “غائب عن السمع”، ولا يردّ على اتصالات اللبنانيين، وقد اضطرّ مساء يوم الجمعة إلى التغريد عبر موقع “إكس” لنفي التقارير حول دور له، وقال: “لقد كانت هناك الكثير من التقارير الخاطئة وغير المسؤولة خلال الأيام القليلة الماضية. لم تعطِ الولايات المتحدة الضوء الأخضر للعمليات العسكرية في لبنان. في النهاية، لن يسمح سوى الحلّ الدبلوماسي للسكان بالعودة إلى ديارهم. نواصل العمل مع حكومتَي إسرائيل ولبنان على أفضل مسار لاستعادة الهدوء”.

لهذا تتركّز الجهود الدولية على أعمال الإغاثة ومعالجة أوضاع النازحين، اذ وصل إلى بيروت المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي للاطلاع عن كثب على الوضع الإنساني والاجتماعي بعدما صار حوالي ربع اللبنانيين، نازحين.

بعد البيان الأميركي – الفرنسي الذي ما كاد يبصر النور حتى أحاطه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزنّار من المسيّرات المقاتلة، وهو ما أجهضه على الفور، حطّ وزير خارجية فرنسا جان- نويل بارو في بيروت في زيارة تضامنية لم تخلُ من محاولات جسّ النبض واستطلاع الآراء، وركّزت بشكل خاص على الاستحقاق الرئاسي، في مسعى جديد من جانب الإدارة الفرنسية لتحقيق خرق في هذا الملفّ.

على هذا الأساس، أطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري مبادرته التشاورية من خلال عقد سلسلة لقاءات مع الكتل النيابية، فيما تولّى النائب وائل أبو فاعور مهمّة طرق الأبواب المغلقة، وتحديداً مع المعارضة، على أمل إيجاد أرضية مشتركة تسمح بالبناء عليها للاتفاق على اسم ماروني قادر على عبور الاصطفافات السياسية، محصّناً بتأكيدٍ نقله عن رئيس المجلس يجزم فيه امتلاك تفويض من “الحزب” يسمح له بالتفاوض رسمياً عنه.

المؤكّد أنّ العلّة ليست في الاسم، ويمكن الركون إلى لائحة طويلة عريضة من الأسماء المتداولة بين السفارات والدبلوماسيين العرب والأجانب والسياسيين اللبنانيين، لاختيار مرشّح توافقي… وإنّما العقدة في الإرادة، بمعنى مدى رغبة كلّ من الاصطفافين على حسم هذا الاستحقاق قبل انتهاء الجولات الميدانية، وفي مهمّة الرئيس العتيد الذي سيكون عنوان عهده تطبيق القرار 1701، إذا لم نقل أكثر من ذلك. والمقصود هنا القرار 1559 الوارد في متن القرار الأوّل.

إعلان حسن نيّة

على الرغم من الإيجابية التي يحاول السياسيون إبداءها في تعاطيهم مع هذه المبادرة، لكنّ ثمّة تسليماً من هؤلاء، كما من بعض الدبلوماسيين الغربيين، بأنّ الزمن ليس زمن رئاسة ولا زمن تسويات، والأولوية هي للميدان، ومن بعده لكلّ حادث حديث. الحراك الداخلي ضروري، لا بل هو حاجة ماسّة، لكنّ توظيفه في الصندوق الرئاسي دونه الكثير من العقبات. والأرجح أنّ كلّ ما يقوم به الرئيس بري هو مجرّد إعلان حسن نيّة يمكن البناء عليه في مرحلة لاحقة بعد أن تصمت لغة المدفع.

في هذه الأثناء، لا يزال القرار 1701 أشبه بخشبة خلاص تتمسّك بها الدولة اللبنانية لخطب ودّ المجتمع الدولي من خلال إبداء استعدادها لتنفيذ مندرجاته، بعد أكثر من 18 عاماً على صدوره، علّها تنجح في إقناع الدول الكبرى، وتحديداً الولايات المتحدة، بأنّ لبنان بات مستسلماً لخيار تنفيذ القرار بحذافيره، ما دام نتنياهو مصّراً على تنفيذه بالمقاتلات العسكرية.

من جهته، وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي وصف زيارته لبيروت بغير العاديّة، قد انضمّ إلى مركب السلطة اللبنانية في طلب اللجوء إلى القرار 1701، حيث أفادت المعلومات أنّه تحدّث صراحة أمام من التقاهم من مسؤولين لبنانيين عن ضرورة تطبيق القرار من جانب لبنان وإسرائيل، وذلك بشكل يتناغم مع البيان المشترك الذي صدر عن اللقاء الثلاثي الذي جمع برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط. أمّا كلام الوزير الإيراني عن مبادرات لوقف إطلاق النار فلا يخرج وفق معنيين عن سياق المحاولات الخجولة التي تقوم بها بعض دول الجوار والتي تصطدم بالانكفاء الأميركي.

أبرز بنود 1701

في هذا السياق، لا بدّ من إعادة التذكير بأبرز بنود القرار 1701 الذي بدأ يوم الرابع عشر من آب 2006 سريان مفعوله، وهو يبدأ بطلب “وقف الأعمال القتالية” ويمرّ بالقرارين الدوليين 1559 و1680، ولا ينتهي بإنشاء منطقة خالية من المسلّحين، و”يدعو إسرائيل ولبنان إلى دعم وقف دائم لإطلاق النار وحلّ طويل الأجل استناداً إلى المبادئ والعناصر التالية:

– الاحترام التامّ للخطّ الأزرق من جانب كلا الطرفين.

– اتّخاذ ترتيبات أمنيّة لمنع استئناف الأعمال القتالية، بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخطّ الأزرق ونهر الليطاني خالية من أيّ أفراد مسلّحين أو معدّات أو أسلحة بخلاف ما يخصّ حكومة لبنان وقوّة الأمم المتحدة المؤقّتة في لبنان، وفق ما أذنت به الفقرة 11، ويُنشر في هذه المنطقة.

– التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف والقرارين 1559 (2004) و1680 (2006) التي تطالب بنزع سلاح كلّ الجماعات المسلّحة في لبنان، حتى لا تكون هناك أيّ أسلحة أو سلطة في لبنان عدا ما يخصّ الدولة اللبنانية، عملاً بما قرّره مجلس الوزراء اللبناني المؤرّخ في 27 تموز 2006.

– منع وجود قوات أجنبية في لبنان من دون موافقة حكومته.

– منع مبيعات أو إمدادات الأسلحة والمعدّات ذات الصلة إلى لبنان عدا ما تأذن به حكومته”….

كلير شكر- اساس

مقالات ذات صلة