الضربة عميقة… ما بعد 27 أيلول لن يكون كما قبله: خمس حقائق في اغتيال السيّد!

الجمعة 27 أيلول 2024 محطّة مفصليّة في تاريخ لبنان. تحاكي بأهمّيتها الثلاثاء 14 أيلول 1982 (اغتيال بشير الجميّل) والإثنين 14 شباط 2005 (اغتيال رفيق الحريري).

على مدى ثلاثة عقود شغل السيّد نصرالله الساحة السياسيّة في لبنان. نفوذه تخطّى لبنان إلى المنطقة. وذاع صيته في العالم. غالباً ما نقلت وسائل الإعلام الأجنبيّة خطاباته. ولا نبالغ إذا قلنا إنّ قادة دول انتظروا أحياناً ما سيقوله السيّد ليبنوا سياساتهم في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن. من هنا تداعيات اغتياله ستتخطّى الحزب ولبنان إلى المنطقة. فما بعد 27 أيلول لن يكون كما قبله، خاصّة أنّ هذا الاغتيال أظهر حقائق وأكّد أخرى.

إيران تنأى بنفسها

1- لنبدأ بحقيقة إيران وتعاملها مع أذرعها في المنطقة. بحجّة عدم الوقوع في فخّ الحرب الشاملة، تنأى طهران بنفسها عن المواجهة العسكرية التي كسرت حماس في غزّة وزعزعت بنيان الحزب. إذا كانت المواجهة في غزّة مسؤولية يحيى السنوار الذي قرّر هجوم 7 أكتوبر دون عِلمها، فإنّ حرب الإسناد التي أطلقها السيّد حسن نصرالله هي بطلب من إيران وبتنسيق معها. منذ أسبوعين والحزب يتعرّض للاغتيالات الجماعيّة والفرديّة، تارة بالتفجير وطوراً بالصواريخ، إيران اكتفت بالتهديد والوعيد. هجومها في الأول من الجاري لم يختلف عن هجوم 13 نيسان سوى في قتل فلسطيني. كان هجوماً لحفظ ماء الوجه تجاه الحلفاء ولبعث رسالة لإسرائيل وأميركا مفادها أن استهداف المنشآت الاستراتيجيّة الايرانيّة لن يكون دون ردّ لأن أولوية ايران الحفاظ على النظام وحماية المشروع النوويّ.

بالتالي دور ايران في الحرب على لبنان ستبقى مساعداً للحزب وداعماً له. لن تشارك مباشرة. انقسام الآراء في اجتماع المجلس الأعلى للأمن القوميّ الطارئ الذي دعا إليه مرشد الثورة بعد اغتيال نصرالله أعطى دلالة واضحة. وبيان علي خامنئي بعد اغتيال نصر الله أكّد ذلك. فهو قال إنّ “قوى المقاومة ستقف إلى جانب الحزب”، وليس الحرس الثوري، وإنّ “لبنان سيجعل العدوّ الغازي الشرّير والمنبوذ يندم على فعلته”، وليست إيران. ودعا “المسلمين إلى أن يقفوا إلى جانب الشعب اللبناني والحزب الفخور بإمكانياتهم وأن يساعدوا في مواجهة النظام الغاصب والخبثاء”، وليس الإيرانيين.

خطأ نصرالله

2- الحقيقة الثانية خطأ الحزب وزعيمه الراحل تحديداً في تقدير الموقف العسكريّ منذ بداية حرب الإسناد. فهو كان يعرف التفوّق الجوّي والتكنولوجيّ الإسرائيليّ لكنّه لم يقدّر حجم الخرق الأمنيّ لجهازه العسكريّ والأمنيّ. ما ورد بالأمس في صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية كان قد كشفه لنا جورج مالبرونو، كبير صحافيّي “لوفيغارو”، في مقابلة أجريناها معه على موقع “أساس”. قال مالبرونو إنّ انخراط الحزب في الحرب السوريّة وتطويعه أعداداً كبيرة من الجنود كانا فرصة لإسرائيل لاختراقه أمنيّاً. هذا الخرق هو الذي سمح لجهاز الموساد بتزويد الجيش الإسرائيليّ بمعلومات دقيقة عن وجود المسؤولين العسكريين في الحزب وتنقّلاتهم، حتى وصل إلى مرافقة زعيم الحزب في انتقاله لرئاسة اجتماع في الضاحية واغتياله. وكنّا قد كتبنا في مقال سابق في “أساس” (بتاريخ 1 آب 2024) إثر اغتيال فؤاد شكر أنّ “هذا يعيدنا الى كلام مسؤولين إسرائيليين عن قدرة إسرائيل على استهداف حسن نصرالله نفسه. كلام يجب أخذه على محمل الجدّ بعد استهدف فؤاد شكر”.

3- الحقيقة الثالثة أنّ الحزب، بعد سلسلة الاغتيالات التي بدأت منذ أشهر وطالت قادة عسكريين لديه، لم يستطع تفكيك أيّ من شبكات التجسّس الإسرائيليّة داخل تنظيمه. في إطلالته الأخيرة قال السيّد إنّ قرار الردّ على تفجيرات يومَي الثلاثاء والأربعاء سيكون ضمن دائرة ضيّقة، مشيراً بيديه إلى حجمها. بيد أنّ اغتياله أظهر أنّ الخرق الأمنيّ هو أيضاً داخل هذه الدائرة. وإسرائيل مستمرّة في الاغتيالات. هذا ما أعلنه نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة. وأكّد عليه رئيس أركانه هرتسي هاليفي الذي قال إنّ اغتيال نصرالله ليس آخر ما سنفعله. وبالفعل اغتيالات قادة الحزب تتوالى في لبنان وسوريا.

زعزعة الحزب ودمار لبنان

4- الحقيقة الخامسة أنّ الحزب لم يتعرّض لضربة كبيرة كما قال السيّد في آخر كلمة له فحسب، إنّما تزعزع بُنيانه وهيكله السياسيّ والعسكريّ، خاصّة بعد اغتيال أمينه العام وقادة كبار كانوا مجتمعين معه. وهذا ما يجعله أضعف في مواجهة إسرائيل في هذه الحرب. انتخاب أمين عامّ جديد وتعيين قائد بدل سلفه الذي اغتيل لا يعنيان أنّ الحزب استعاد عافيته وسيستعيد المبادرة. الضربة عميقة. والتعافي منها تلزمه أشهر وربّما سنوات، ومن الصعب تحقيقه خلال هذا النوع من الحروب. ربّما لذلك وافق الراحل نصرالله على وقف للنار كما كشف وزير الخارجيّة عبدالله بو حبيب على شبكة “سي.إن.إن”.

5- أخيراً وليس آخراً، لا بدّ من التذكير بالحقيقة التي يعرفها الجميع وهي أنّ لبنان غير جاهز وغير قادر على تحمّل هذه الحرب سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً. الوزراء يصرّحون يومياً عن عدم قدرة وزاراتهم على تحمّل أعباء النزوح الذي سيبلغ عتبة مليون نازح لبناني وسوري. وإذا ما استمرّت الحرب فإنّ القليل من المساعدات الذي يصل لبنان اليوم سيتوقّف غداً في حال أقدمت إسرائيل على قصف المطار وتطويق المرفأ.

الحرب على لبنان في بداياتها. والمواجهات في الجنوب على أشدّها. والانظار متجّهة نحو الردّ الاسرائيليّ على إيران خاصّة بعدما أصبح معلوماً بأنها ستكون بتنسيق أميركيّ. فهل يكون النوويّ الإيرانيّ هو الهدف؟ وهل سينجح نتنياهو بجرّ واشنطن إلى هذه الحرب؟

الأيام القليلة القادمة ستقدّم الإجابات. وربّما وصلتنا خلال الفترة الزمنيّة الفاصلة بين كتابة هذه السطور ونشرها.

د. فادي الأحمر- اساس

مقالات ذات صلة