تغريدات خامنئي على منصة أكس بدت كأنها تخفف من وقع تصريحات الرئيس بزشكيان، لكنه عملياً لم يقدم تصوراً مختلفاً، ولم يترك لسواه من المسؤولين في الحرس الثوري التابعين مباشرة لمكتبه اُي هامش من الحركة يوحي بتناقض ما مع مؤسسة الرئاسة حول الموقف التصالحي الجديد من الغرب، الذي جاء في لحظة فارقة تبدو غير مناسبة تماماً لهذه الاستراتيجية، إلا إن كانت إيران قد دخلت بالفعل في ترتيبات متفق عليها مع الولايات المتحدة، تحصل فيها إيران على ثمن مناسب مقابل تخليها عن مشروعها التوسعي، وأذرعها من الميليشيات في عموم المنطقة.

لن يكون الأمر سهلاً بطبيعة الحال. فما زال الجناح المتشدد في إيران، ومنه الحرس الثوري، يتعامل مع القوى والميليشيات الحليفة على أنها جزء منه، واستثماره الكبير للسيطرة على المجتمعات والدول التي يعمل فيها. ومن دون هذه الأذرع التي تصارع اليوم للبقاء، لن يكون لإيران سوى أن تنكفئ إلى حدودها، وتعود إلى الحال الذي كانت عليه قبل نحو أربعين عاماً. وهو أمر يدعو لتساؤلات عميقة عن المتغيرات التي أوصلت إيران إلى هذا الحال، في الوقت الذي كان تبدو فيه مسيطرة عملياً على الأرض في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وتحظى بموقف تفاوضي قوي في حال دعت الحاجة الى إعادة ترتيب أوضاع المنطقة.

ليس هناك ضمانة إلى أن سياسة الرئيس بزشكيان تمثل استراتيجية إيرانية جديدة متفق عليها في إيران. وأغلب الظن أن هناك اتجاهاً قوياً عاكساً له من أنصار إيران التوسعية، لكن بيضة القبان في كل ذلك تبقى في موقف المرشد، الذي ما زال صامتاً هو أو مؤسساته إزاء ما يجري، باستثناء دعواته بالنصر. وفي الوقت الذي يمكن أن تشهد إيران صراعاً داخلياً حول استراتيجيتها النهائية، إلا أن ذلك لن يعني لإسرائيل سوى مزيد من الوقت الثمين لتنفيذ أجندة واضحة المعالم بتدمير حزب الله، وأقصى ما يمكن من جغرافية بيئته الحاضنة. وهو أمر سيتكفل لوحده بتغيير جوهري في المناخ العام في المنطقة، وإضعاف القوى التابعة لإيران في العراق وسوريا واليمن التي تعتمد على حزب الله كموجه وقائد. وستكون رسالة التخلي الإيرانية بحد ذاتها، كفيلة بجعل هذه الميليشيات تتحسس رأسها، وربما تنكفئ بشكل جوهري، إن لم تقم إسرائيل بتوسيع حربها لتشمل قوى أخرى في عقر دارها انتقاماً لمشاركتها في قصف إسرائيل خلال الأشهر الماضية.

هذا السيناريو لم يعد افتراضياً، فهو يجري عملياً اليوم، والحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة تتواصل بشكل متصاعد. وفي أحسن الأحوال، يمكن الوصول إلى حل سياسي يتضمن استسلاماً واضحاً لحزب الله (قد يحفظ له ماء وجهه) لكنه سيحوله إلى مجرد ظاهرة صوتية، من دون مخالب، ولا جغرافيا يهدد منها إسرائيل. وهذا الاحتمال هو لوحده كاف لتحقيق الأهداف الإسرائيلية من دون تكبد المزيد من الجهد في الحرب.

وسط هذا الوضع الغريب الذي يتهاوى فيه حزب الله بسرعة غريبة، يعاني المدنيون اللبنانيون من آثار الحرب المدمرة، وتعاني الدولة اللبنانية من دمار أكبر من أن تتحمله، وهذا أيضا سيكون سبباً في تداعيات مقبلة وحادة على المستوى اللبناني.

صبا مدور- المدن

مقالات ذات صلة