ما علاقة “الطلاق الأسود” “Black Divorce” بإدمان الأطفال على لعبة “Roblox” الخطرة على “Tik Tok”؟
إختصاصيّة إجتماعيّة: البيوت المدمّرة ليست التي انتهت بالطلاق فقط… بل التي لا تزال “إكلينيكياً ” على قيد الحياة!
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا ال “تيك توك” منصة رئيسية للشباب والمراهقين، مما انعكس سلبا على حياتهم الاجتماعية والنفسية. بالموازاة، أثار انتشار الألعاب والتحديات الخطرة على هذه المنصات مخاوف كبيرة حول سلامة المستخدمين من الناشئين، اذ ان الجنوح نحوها غالباً ما يرتبط بالظروف العائلية الصعبة، والصراعات الزوجية المستمرة بين الوالدين، ويولد تأثيرات نفسية عميقة فيهم، لا سيما عندما يكون هناك “طلاق أسود” في المنزل، فيبدأ هؤلاء البحث عن ملاذ آمن في الألعاب الإلكترونية التي توفر لهم شعورا بالسيطرة والأمان.
تحديات مهلكة!
وفي هذا المجال، قال الخبير في التحوّل الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي جورج سمعان لـ “الديار”: “لقد نتج من بعض هذه التحديات إصابات جسيمة وحالات انتحار بين المراهقين، الذين يشعرون بالضغط للمشاركة في هذه الأنشطة، بغية الحصول على قبول اجتماعي أو لتجنب السخرية من قبل أقرانهم. فعلى سبيل المثال، “تحدي الملاعق”، الذي يتطلب من المشاركين بلع كميات كبيرة من القرفة في وقت قصير، أدى إلى العديد من حالات الاختناق والإصابات التنفسية”.
العاب لا تزال قائمة!
وأشار الى “استمرار وجود بعض الألعاب الخطرة على منصات التواصل الاجتماعي من بين هذه التحديات:
1- Skull Breaker Challenge : يقوم شخصان بركل أقدام شخص ثالث من الجانبين عندما يقفز في الهواء، مما يتسبب في سقوطه ارضا وإصابته بجروح في الرأس أو العمود الفقري.
2- Outlet Challenge: يتضمن إدخال عملة معدنية جزئياً في مقبس كهربائي، مما قد يؤدي إلى صدمات كهربائية أو حريق.
3- Hot Water Challenge: يتطلب سكب ماء مغلي على شخص آخر أو على الذات، مما يؤدي إلى حروق بليغة.
ماذا عن لعبة Roblox؟ يجيب “هي منصة متعددة الاستخدامات على الإنترنت تسمح بإنشاء الألعاب وممارستها، وهي آمنة نسبيا بالمقارنة مع بعض التحديات التي ذكرتها سابقا، لكنها لا تخلو من المكاره بالنسبة للمستخدمين الأصغر سنا، بسبب الاخطار المحتملة التالية:
1- الباطن غير الملائم: على الرغم من أن Roblox تحاول تطبيق سياسات صارمة لمنع المحتوى غير المطابق، إلا أن بعض الألعاب أو المضامين ليست جيدة للأطفال.
2- الغرباء: يمكن للمستخدمين التفاعل مع لاعبين آخرين عبر الدردشة والنشاطات الجماعية، مما يعرضهم للتنمر والاستغلال، أو لمحتوى غير لائق.
3- المشتريات: تتضمن زمرة من الألعاب خيارات شراء داخل اللعبة باستخدام عملة Roblox (Robux)، مما قد يؤدي إلى إنفاق مبالغ كبيرة من المال دون علم الأهل.
4- الأمان والخصوصية: عدم وعي الأطفال بأهمية الحفاظ على معلوماتهم الشخصية، قد يعرضهم لمخاطر الاختراق أو الاستغلال.
5- الإدمان: يمكن أن ينجم عن بعض الألعاب مواظبة الأطفال عليها، مما ينعكس على دراستهم ونومهم وحياتهم الاجتماعية.
في حال اصرّ المراهق، هل يمكن استخدام Roblox بأمان! يجيب سمعان مقدما بعض النصائح المهمة للأهل مثل: “مراقبة وقت اللعب والتأكد من أن الأطفال لا يقضون وقتا طويلًا على المنصة، وضبط إعدادات الخصوصية وتوعيتهم بالتهديدات المحتملة، وتقديم نصائح حول كيفية التصرف في المواقف غير المريحة، وتفعيل القيود على عمليات الشراء، والتحدث معهم بانتظام حول تجربتهم في اللعبة، والتيقّن من أنهم يستمتعون بها بشكل آمن ومسؤول”.
وتطرق الى المضمون في Roblox الذي “يشمل عدة أنواع من المحتويات التي قد تكون غير ملائمة للأطفال والمراهقين، كالمشاهد التي تتضمن عنف شديد، سواء كان ذلك عنفا جسديا، نفسيا أو خياليا. الى جانب استخدام لغة غير لائقة أو مهينة، بما في ذلك الشتائم أو العبارات العنصرية. وتتمثل الطامة الكبرى بالفحاوَى الجنسية (إشارات جنسية وصورا أو مشاهد غير لائقة)، بالإضافة الى التنمر والترويج لتعاطي المخدرات او الكحول والتمييز والتطرف”.
لماذا يلجأ المراهقون الى هذا النوع من التسالي؟ يؤكد سمعان “ان المراهقين قد يلجؤون إلى اللهو بألعاب خطرة، ومشاركة تحديات غير آمنة على منصات التواصل الاجتماعي لعدة أسباب، مثل البحث عن الإثارة والرغبة في الانتماء، التوتر والضغط العاطفي، شد الانتباه إليهم، الشعور بالوحدة ونقص الرقابة”.
الطلاق الأسود و Roblox
من جهتها، اوضحت الاختصاصية النفسية والاجتماعية الدكتورة غنوة يونس لـ “الديار” ان “البيوت المدمرة ليست تلك التي انتهت بالطلاق فقط، بل التي لا تزال “إكلينيكياً” على قيد الحياة، لكنها ماتت اجتماعياً وعاطفياً ونفسياً. اذ ان هذه البيوت تبدو جميلة من الخارج مع أطفال يلبسون ويتعلمون، وزوجة تضحك بتصنّع أمام الناس، وزوج يرتدي قناعاً اجتماعياً خارجياً بينما، يتعامل داخل المنزل بالماديات والخلافات فقط. لذلك يصل الزواج إلى حالة رمادية خانقة من اللاسلم واللاحرب، حيث يكون قد فقد محتواه وترك هيكلاً هشاً يراه الناس”.
لماذا يستسلم معظم الأزواج لهذه الحالة؟ تجيب يونس “لأن الحلول باهظة جداً وتتمثل بالتالي:
– الحل الأول الإصلاح: يتطلب جهداً حقيقياً ومستمراً من الزوجين، وقبل السعي يحتاج الى نشاط. وعادةً ما تكون الطاقة في هذه المرحلة عند الصفر الجليدي، وقد تتجاوز الصفر إلى الكراهية والنفور الصريح. وخلال هذا الوقت يكون الزوجان قد استنفدا جميع وسائل الترقيع التقليدية حتى نضب الحاحهما تماماً، ووصل كل منهما إلى قناعات قاتمة وثابتة عن الطرف الآخر. وقد يكون الجبر ممكناً، لكنهما يُعرضان عنه لعدم رغبتهما فيه، بعد أن استهلكا كل ما لديهما من ود وحب ورحمة.
– الحل الثاني الطلاق : فيستوجب فهماً عميقاً وصحيحاً لحكمته وطرقه وتبعاته، لكن هذا الفهم تم طمسه في مجتمعاتنا واستبداله بوصمات العار، الشر والفشل”.
رعب عائلي!
واضافت “من ناحية الزوجة، هناك خوف من المستقبل المجهول، وظهورها كأنثى فاشلة لم تستطع الحفاظ على بيتها، والجزع من الرجوع تحت إمرة أهل يرونها وأطفالها مسؤولية ثقيلة وسمعة سيئة للعائلة، والخشية من فقدان الرزق إذا لم يكن لديها مصدر دخل ثابت، والهلع على أطفالها من التأثيرات السلبية والوحدة والفتنة، وغيرها من الهواجس التي تشلها وتجعلها تستسلم للهيكل الفارغ ولزيجة فارغة من مضامين الزواج”.
وأضافت “من ناحية الزوج، هناك وجل من تبعات الطلاق المادية، ومشكلاته مع أهل الزوجة، وتجميد تنفيذه إذا كان الرجل يجد احتياجاته النفسية أو الجسدية مع امرأة أخرى خارج الاقتران. وبناء على كل هذه العوامل يحذف العديد من الأزواج خيار الانفصال من قائمة اختياراتهم، ويستسلمون لمنطقة اللاسلم واللاحرب. أما إذا تخطّيَا كل هذه العقبات، قد يتجهان الى الافتراق مباشرة، وهؤلاء قلة”.
التأثيرات النفسية والاجتماعية
وأشارت يونس الى التأثيرات النفسية والاجتماعية في الأطفال مثل:
1- اللجوء إلى الألعاب الإلكترونية: على سبيل المثال لعبة Roblox التي أصبحت شائعة في كل بيت. ففي ظل غياب الاستقرار العاطفي، يلجأ الأطفال إلى الألعاب الإلكترونية كمهرب من الواقع المرير، حيث توفر لهم بيئة بديلة تُشعرهم بالنفوذ والتحكم والأمان، الذي يفتقدونه في حياتهم اليومية.
2- تطوير سلوكيات انسحابية: قد يصبح الأطفال منعزلين، يفضلون الاختلاء مع الألعاب الإلكترونية بدلاً من التفاعل مع الأسرة أو الأصدقاء، مما يعوق تنمية مهاراتهم الاجتماعية.
3- اضطرابات في الانتباه والتركيز: تؤدي البيئة العائلية المتوترة إلى زيادة مستويات التوتر والقلق لدى الأطفال، مما ينعكس سلبا على قدراتهم التركيزية في الدراسة أو الأنشطة اليومية.
4- انخفاض توقير الذات: غالبا ما يعاني الأطفال في هذه البيوت من ضعف تقدير الذات، حيث يشعرون بأنهم غير مهمين أو غير محبوبين من قبل ذويهم، وهذا الاحساس قد يستمر معهم طيلة حياتهم.
5- التعرض لمشكلات سلوكية: قد يظهر الأطفال سلوكيات عدوانية أو تصرفات غير ملائمة، كنوع من رد الفعل على الصراع المستمر بين الوالدين، وقد يتطور هذا السلوك في المستقبل مثل الجنوح أو التورط في افعال خطرة.
6- نموذج غير سليم: ينشأ الأطفال وهم يشاهدون مثالا غير صحي للعلاقات الزوجية، مما يؤثر في تصوراتهم حول الارتباط والعلاقات العاطفية في المستقبل، فيتبنّون سلوكيات غير صحية مشابهة في علاقاتهم الشخصية عندما يكبرون.
7- الصحة النفسية: ينتج من التعرض المتواصل للعراك الأسري اضطرابات نفسية: الاكتئاب والقلق واختلالات النوم، مما يؤثر بشكل كبير في جودة عيشهم ونموهم النفسي الصحيح.
كيف يمكن انقاذ الاطفال؟ توضح يونس “من خلال تقديم الدعم النفسي وجلسات العلاج الفردية أو الجماعية، لمساعدتهم على التعبير عن مشاعرهم ومعالجة التوترات التي يعيشونها. كما يجب على الوالدين، حتى في حالة وجود خلافات، العمل على خلق بيئة منزلية مستقرة وآمنة، بعيدا عن المشاحنات المباشرة، وتحفيزهم على الانخراط في أنشطة خارج نطاق الألعاب الإلكترونية، مثل الرياضة والفنون والهوايات، التي تدعم بناء مهارات جديدة وتفريغ طاقاتهم بشكل إيجابي، وتعليمهم تقنيات التعامل مع الضغوط مثل التنفس العميق والتأمل وممارسة الرياضة بانتظام”.
ندى عبد الرزاق- الديار