جورج صليبي لموقعنا ضمن فقرة “من اهل البيت”: نعم انا “منحاز”… والسياسيون هم أصل العلّة والأزمات!

نحن لا ندّعي التكريم أو التبجيل في فقرتنا “من أهل البيت”.. بل نوجّه تحية وكلمة شكر لأهل مهنة المتاعب.. فننحني إجلالاً أمام قدير نتعلّم منه.. ونصفّق لزميل برع وأجاد ونجح.. ونحاول أن نسلّط الضوء على مغمور علنّا نكون باب عبور.. من صنّاع الخبر والرأي إلى الجمهور والقرّاء..

ننقل إليكم خبرات أجيال متنوّعة ونستقرئ آراءهم في واقعنا الإعلامي.. السياسي.. الفني.. أو الاجتماعي.. عارضين لواقع مهنة المتاعب بعدما أصبحت “صناعة الخبر” لا تحتاج لأكثر من هاتف.. بينما الخبر اليقين يناضل من أجله الصحافي الحقيقي.. واللقاء اليوم مع الإعلامي الناجح والرصين جورج صليبي.

* الإعلام براء من إثارة الفتن والسياسيون هم أصل العلّة والأزمات
* في اللحظات المصيرية من عمر الوطن وأهله أنا “انحيازي” بإمتياز

* الخلطة السحرية للنجاح: إتقان العمل وعدم الاستسهال والتسرّع

*سقف الحرية في “الجديد” عالٍ جداً وتطوير الأفكار يولد بالنقاش
* اخترت البقاء في لبنان لإيماني بهذا البلد رغم العروض العربية
 *مواقع التواصل بدأت تشكّل خطراً على الإعلام خصوصاً المرئي
* أتابع مراتب “الترند” بعدما أصبح جزءاً من “اللعبة الإعلامية”
 * كإعلامي ألتزم مسافة واحدة من كل الضيوف فأحصد احترام الكل

 

 

 

يستقبلك بالترحاب وابتسامته العريضة.. فتحاوره مُخترقاً هيبة “نشرة الأخبار”
مخضرمٌ في أرشيفه حوالى 30 عاماً على الشاشات.. ولا يزال “شيخ الشباب”
واثقٌ من خطواته ومؤمنٌ بنجاحاته احتراماً لمهنته ورفضاً للاستسهال بقيمتها
يؤمن بأنّ الحياة استمرارية.. وسيحين زمن الرحيل في وقته وميعاده دون تأجيل
بسيطٌ دون تكلّف وعميقٌ باختيار الألفاظ والعبارات ودسمٌ بمضمون أفكاره وآماله
يتمنى “يوما ما” الإنتقال من عالم السياسة الى عالم الثقافة  .. فمن موقعنا كل التوفيق عند تحقّق المٌراد للزميل المتألّق دوماً جورج صليبي

 

*****************************

حاورته رئيسة التحرير: إيمان أبو نكد

وفي ما يلي نص الحوار:

 

* الإعلام عموماً والسياسي خصوصاً إلى أين؟ وهل أصبح الإعلام سبباً لإثارة الفتن والأزمات؟
– بشكل حاسم وثقة بالكلمات، جزم صليبي ببراءة الإعلام من إثارة أي فتن أو أزمات وأوضاع مزرية تعصف بالبلد، وأكد أنّ الإعلام دوماً مُتّهم ومظلوم، فيما المسؤولون بالدرجة الأولى عن الفتن والأزمات هم السياسيون والزعماء وكل مَنْ يتولّى شؤون الناس، أما الإعلام فليس أكثر من ناقل للخبر والمعلومة وكاشفٍ للحقيقة، وفاضحٍ للملفات والمخالفات والتجاوزات.

وفي زمن الـ”سوشيال ميديا” والفضاء المفتوح دون حدود، لم يعد بالإمكان اتهام الإعلام بإثارة الفتن والمشاكل، وحروب مواقع التواصل خير دليل على الصراعات والمواجهات سواء سياسية، طائفية، مناطقية وانمائية و”عم نشوف كيف عم يقبّروا بعضهم”، لذلك وبغض النظر عن أي خبر ينشره الإعلام، فإنّ الشعب ومناصري الأحزاب يتولّون مهمة إشعال الفتن، إذ خبر ينتشر عبر مجموعات الـ”واتساب” يشعل أزمة، لكن يبقى الإعلام مسؤولاً عن تصويب الأخطاء، وتسليط الضوء على الأزمات.

*هل أصبح الزمن الحالي لـ”سوشيال ميديا” والبساط ينسحب من تحت أقدام الإعلاميين؟
– “طبعاً اجتياح وسائل التواصل لعالمنا اليوم، أصبح يشكّل خطراً على الإعلام عموماً والمرئي على وجه التحديد، وهناك جيل جديد وشريحة كبيرة من الجمهور لا تحصل على المعلومة إلا من خلال وسائل التواصل، شرط أنْ لا يتجاوز وقت الخبر الدقيقتين، من هنا يمكن القول بأنّ جمهور التلفزيون أصبح شريحة محدودة جداً، ومحصورة بفئة عمرية معينة.

ولكن على المقلب الآخر، لوسائل التواصل دور إيجابي، إذ كإعلاميين نستعين بوسائل التواصل للوصول إلى كل شرائح المجتمع ككل، سواء الصغار أو الكبار، حيث أصبحت كل القنوات التلفزيونية تمتلك حسابات على وسائل التواصل، تبث عبرها برامجها بشكل متوازٍ مع العرض التلفزيوني، وعلى سبيل المثال برنامجي “وهلق شو؟!”، تُقتطع منه مقتطفات ويتم نشرها عبر حسابات الـ”سوشيال ميديا” التابعة لقناة “الجديد”.

أيضاً من قواعد اللعبة الجديدة، أنْ يكون الإعلامي على تماسٍ دائم مع مستجدات عالم وسائل التواصل، لذلك أصبحتُ أكثر إلماماً وأكثر انفتاحاً، لكنّني لستُ من المهووسين بهذا العالم أبداً، إلا أنّني بدأت أهتم بـ”الترند” وتحقيق متابعات ومشاهدات، كونه أمراً مهماً لأي برنامج، لاسيما عند اختيار ضيف الحلقة، وهو ما يشكّل جزءاً أساسياً من “اللعبة الإعلامية”.

*ما هي قواعد الاستمرارية من وجهة نظرك شكلاً ومضموناً ليبقى برنامجك “وهلق شو؟” في عمر الشباب؟
– بداية الخبرة ومرور الزمن يسمحان للإعلامي بإتقان وحرفية مهنته، والتمكّن من “أصول اللعبة التلفزيونية”، يُضاف إليها العمل والجهد المتواصل، كي يبقى الإعلامي مواكباً للمستجدات والتطوّرات سواء في الأحداث أو التكنولوجيات، وفقاً لمعايير الإعلام الحقيقي بالأسلوب والمضمون والشكل أيضاً، وعلى سبيل المثال في المضمون قد يتبدّل مزاج الجمهور في فترة ما ويستغني عن متابعة الفقرات الطويلة، عندها نلجأ إلى تقسيم الحلقات على عدّة فقرات وضيوف مختلفين وموضوعات متنوّعة.
أما في الأسلوب، فطُرُق التحليل والاستنتاج وطرح الأسئلة التي يتجاوز طولها الجواب نفسه أصبحت أموراً مرفوضة تماماً، والجمهور يحتاج إلى الرشاقة في الكلمة وأسلوب طرح هذه الكلمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّه سيتم اقتطاع مقتطفات من الحلقة لنشرها على الـ”سوشيال ميديا” بما لا يتعدّى الدقيقتين، فيراعي الإعلامي هذا الأمر بالطلب من الضيف ألا تطول إجاباته وتتعقّد وترهق المشاهد.

وأخيراً في ما يتعلق بالشكل، علينا كإعلاميين الحفاظ على وضعنا “الشببلكي” وطلتنا يجب ان تكون مليئة بالحيوية والحياة خلال الظهور على الشاشة، وألا نشكّل عبئاً على الجمهور أو نشعره بأي أزعاج، لأن الأمر لا يكلفهم أكثر من كبسة زر ويستبدلون المحطة، وهو ما يعني فقدان الإعلامي للبريق والجذب، و للنبض الحي في شخصيته وضبط إيقاع حلقات برنامجه.

*إلى أي درجة يستطيع الإعلامي الصمود واعتماد الموضوعية في ظل الحروب السياسية الكبرى؟
– تُعتبر الموضوعية أساس عمل الإعلامي، ولو كان مؤمناً بأنّ من يحاوره يكذب فعليه اعتماد الديبلوماسية، أما في القضايا الكبيرة والمهمة، والتي تمس مصالح وحياة الناس على اختلاف أوجهها فأنا اعلنها انني لستُ حيادياً أبداً، بينما سياسياً للأسف “في لبنان السياسة وجهة نظر”، وكل طرف يروي نفس “الخبرية” من وجهة نظره ويكاد يقنع الآخرين بها.

لذلك ألتزم عدم إبراز انتمائي الى أي طرف كان على الشاشة، وأمتنع عن استعراض أفكاري ومعتقداتي الخاصة، لأن مَنْ يسعى للاستعراض على الشاشة فليترك الإعلام ويتوجّه إلى العمل السياسي. أما مَنْ يعمل في الصحافة والإعلام ويظهر على الشاشة محاوراً فعليه الالتزام بمسافة واحدة من جميع الأطراف، ولو كان “شخصياً” قريباً من هذا الفريق أو ذاك، ليبقى أنه في اللحظات المصيرية من عمر الوطن وأهله أنا انحيازي تماماً.

 

*إلى أي مدى تؤثّر “الجديد” على المضمون الذي يقدمه جورج صليبي، وما هو سقف الحرية في العمل؟
– سقف الحريّة في قناة “الجديد” عالٍ جداً، فلا تتدخّل الإدارة في أي حلقة، وأنا مَنْ أقوم باختيار ضيوفي والاتصال بهم، بل أضع سيناريو حلقتي كاملاً، ثم أبلغ إدارة البرامج في القناة، ولكن وانطلاقاً من خبرتي الطويلة وثقة القناة بي، كوني أصبحتُ أتقن مفاصل اللعبة جيداً، فإن عملية اختيار الضيوف تتم تبعاً لأحداث الساعة والعناوين الأساسية في البلد، وعلى أساسها أرسم حلقتي كاملة، مع هامش حرية واسع جداً لاختيار الضيف، وطرح السؤال الذي أريد ولكن ضمن إطار احترام قواعد المهنة وعدم خدش الخطوط الحمراء.

*بعد سنوات من الحضور والنجاح على قناة “الجديد” هل يفكر جورج صليبي بالانتقال إلى قناة أخرى محلياً أو عربياً؟
– تلقيتُ الكثير من العروض من محطات عربية لمغادرة “الجديد”، ومنذ فترة طويلة حاولت قناة محلية استقطابي، لكنّني بعد دراسة الأمور، اخترتُ البقاء في “الجديد”، لأنّني منذ انتمائي الأول إلى هذه القناة تمتعتُ بموقع جيد على صعيد الأخبار، وبرزتُ كمذيع أخبار درجة أولى منذ البدايات.
وبصراحة السبب الأساسي لرفض العروض العربية سابقاً هو تمسّكي بهذا البلد وإيماني به، ولكن بعد سنوات الأزمة وتبدّل الأحوال طرحتُ العديد من الأسئلة على نفسي حول صوابية خياري أم عليَّ إعادة حساباتي، فخلصتُ إلى تقضيل أن أكون في بلدي “رقماً أساسياً” ولا أنْ أكون في الخارج “واحد من الناس”.

 

*ماذا يقول جورج صليبي لمن يعتبرون أنه آن الأوان لترك تقديم نشرة الأخبار لأنه أصبح “أكبر منها” قيمة… مع الإحترام للجميع؟!
– رغم أنّ برنامجي يعتبر البرنامج السياسي الأساسي على قناة “الجديد”، الأمر الذي منحني حالة من الاكتفاء الذاتي والمعنوي، إلا أنّني لن أتوقف عن تقديم نشرة الأخبار، لأنها فن قام بذاته ولا يشكّل انتقاصاً لشخصي، بل يزيدني تألقاً، فقليلون جداً الذين يتقنون هذا الفن بحرفية واقتدار، في مقابل نسبة كبيرة استسهلوا تقديم الأخبار فأساءوا إلى الوقار الذي يتقنه مذيع الأخبار.

 

 

 

*مَنْ من الزملاء حقّق انتقاله إلى الإعلام العربي بصمة مهمة؟.. وعلى صعيد “الجديد” مَنْ ينافسك أو “قد ينافسك”؟
– لا يمكنني إجراء تقييم بالأسماء للزملاء الذين غادروا إلى محطات عربية، لأن كل شخص غادر لبنان أدرى بوضعه وما كان وأصبح عليه، ولكن لا بد من لفت النظر إلى أنّ فكرة العروض التي أتحدث عنها كانت من فترة طويلة، واليوم الإعلام يعتمد على الترويج من خلال صفحات وسائل التواصل، وأي إعلامي انتقل إلى محطة عربية لا جمهور لها في لبنان، ستوفر حساباتها عبر الـ”سوشيال ميديا” انتشاراً وحضوراً أينما كان، فما عادت القواعد كما كانت في السابق، لذلك أفضل أن أكون الرقم الصعب في بلدي.
على صعيد “الجديد” أنا أتعامل بواقعية مع الزملاء، فيوم دخولي إلى “الجديد” كانت المحطة تضم أسماءً كبيرة وغادروها لاحقاً، ولا استمرارية لأحد مدى الحياة، ومنطق الحياة يعني التجارب المستمرة، وكل إنسان سيعيش تجربته ويرحل، وأنا متصالح مع فكرة الرحيل في أي وقت، ولكن طبعاً لا يزال الأمر مبكراً جداً، وليس الآن.

 

*أين الابتكار في البرامج السياسية أو المنوّعات في ظل التقليد واتهام القنوات باستنساخ البرامج عن بعضها البعض؟
– برامجي الحوارية مرت بالعديد من المحطات والمراحل على مدار 22 عاماً، ونحن دائماً نسعى إلى التطوير والتغيير والتجديد، ويولد التطور والتجديد من خلال أفكار أطرحها على مديرة الأخبار والبرامج السياسية مريم البسام، ونائب رئيس مجلس الإدارة والمدير العام كرمى خياط، حيث نناقش الأفكار حتى نصل إلى الصيغة المناسبة.

 

*لماذا الاحتفاظ دوماً بالهالة الجدية رغم تمتعك بالروح المرحة.. هل لأن تقديم البرامج السياسية الأقرب إلى شخصك؟
– وبعد ضحكة من القلب وابتسامة عريضة… قال صليبي: عادة بعيداً عن الشاشة والبرامج الحوارية والإخبارية، يعرفون الأصدقاء والزملاء أنّني مرح وشخصيتي مختلفة، لكن اغلب الظن أنّ نوعية البرامج التي أقدمها فرضت حالة الهيبة والوقار ومعايير الجدية الرصانة، التي أكسرها أحياناً خلال نشرات الأخبار من خلال حوار مع زميلي أو زميلتي، أما خلال برنامجي فحين تسنح الفرصة تظهر هذه الروح، لكنني شخصياً لا أتقصد إظهارها واستعراضها.

ومؤخراً يدور في بالي تقديم برنامج ثقافي، رغم أنّه للأسف غير مطلوب في الزمن الحالي، إلا انّني أهوى الحوارات الثقافية الكلاسيكية، التي تتناول مواضيع إنسانية وفلسفية ووجودية قادرة على أن تعمّر لمدى العمر.

*كيف تقيّم رحلتك مع الضيوف وأنواعهم كل هذه السنوات؟
– طبعاً على مدار سنوات العمل التلفزيوني، تعرضتُ لضيوف “متطلبين”، يكون همّهم الأول معرفة من سيشاركهم في الحلقة، وعندها قد يرفضون الظهور مع فلان أو علان، أو قد يوافقون إذا كانوا يمتلكون الجرأة مثلاً، ولكن في ما يتعلق بشخصي أنا، أبداً لم أتعرض رغم كل السنوات أن رفض ضيف الظهور في برنامجي أو أنّه رفض التعامل معي شخصياً.

 

*كلمة أخيرة لجيل الإعلاميين الجدد؟!
– لكل صحافي جديد وراغب في دخول عالم الإعلام من بابه العريض والصحيح، عليه بكل بساطة إتقان العمل وعدم الاستسهال والسعي للوصول بسرعة على حساب الدقة والحرفية، فالإسم والشهرة والمكانة سيحصل عليهم في الوقت المناسب، أما إذا استسهل فحتماً سيصل بسرعة ثم يختفي لأنه سيكون كالفقاعة، وسيكون وصوله على حساب حرفيته وإتقان عمله… وبالتوفيق للجميع..

خاص Checklebanon
رئيسة التحرير: إيمان ابو نكد
مدير التحرير: مصطفى شريف

مقالات ذات صلة