يلعب اللبنانيون ومعهم “اللجنة الخماسية” في الوقت الضائع… بإنتظار “تسوية خارجيّة”!

يلعب اللبنانيون، ومعهم “اللجنة الخماسية” (اميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر)، في الوقت الضائع، لان زمن التسوية للازمة اللبنانية، التي تتفرع منها انتخابات رئاسة الجمهورية، لم يحن بعد، اذ ان تاريخ لبنان منذ اكثر من قرنين، هو تسويات، بعد حروب وازمات، تتدخل فيها دول، لانتاج تسوية، وهذا ما تخبر عنه اقله مرحلة ما بعد الاستقلال في العام 1943، وهي الاقرب الى ما تلاها من تسويات.

والحوار كان يتقدم دائماً على طرح التسويات، وهذا ما شهده لبنان، منذ اندلاع الحرب ـ الفتنة فيه، منذ بداية السبعينات للقرن الماضي، حيث انعقدت جلسات حوار، مع بداية الحرب في 13 نيسان 1975، وشهدت السراي الحكومي جلسات حوار برئاسة الرئيس الراحل الشهيد رشيد كرامي، وعقدت قمم روحية، وحضر موفدون دوليون وعرب، لمنع تدحرج الحرب الاهلية، فكانت اتفاقات لوقف اطلاق نار، ورافقتها مبادرات سياسية طرحت حلولاً لاصلاح النظام السياسي، الذي كان احد اسباب الخلافات الداخلية حوله، فكانت “الوثيقة الدستورية” التي ساهمت في ولادتها سوريا، التي لم تغب عن الساحة اللبنانية، عبر ايفاد مسؤولين منها الى لبنان، كان ابرزهم عبد الحليم خدام الذي كاني تحرك تحت سقف الامن السوري، بقيادة رئيس الاركان حكمت الشهابي والثلاثي العسكري علي دوبا وعلي اصلان وعلي حيدر.

لكن كل هذه المبادرات لم تنتج حلا سياسياً متوافقاً عليه لبنانياً، اذ كان كل طرف في الحرب الاهلية، يتطلع ان يأتي الحل لمصلحته وخدمة لمشروعه، فتوسع الاقتتال الاهلي، وزاد التدخل الخارجي الدولي والاقليمي والعربي، وباتت ساحة لبنان، مكاناً للصراع بين المحاور، الى ان ظهر اتفاق الطائف، الذي لم يكن ليحصل لولا اتفاق سعودي ـ سوري، برعاية اميركية، وهو الذي اوقف الحرب، وتزامن مع بدء الانهيار في الاتحاد السوفياتي وتفكك المنظومة الاشتراكية، وتمكن السعودية من ان تكون اللاعب العربي الوحيد، الذي انتج تسوية، اوصلت الى انهاء الشغور الرئاسي، الذي حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل في نهاية ايلول 1988.

فلبنان لم يصنع تسوية له، كما لم يكن رئيس الجمهورية من انتاجه، لذلك هو في مرحلة الانتظار، حتى يحين الافراج عن حل لازمته، حيث تشير مصادر سياسية، الى انه في كل ازمات لبنان وحروبه، كانت تجري دائماً محاولات لفك ارتباط ازمته الداخلية، عن صراعات خارجية، لكن مثل هذه المحاولات لم تنجح، وهو ما كان يعطّل مساعي الحوار الداخلي، الذي لم ينقطع، فكان دائماً حاضراً في مبادرات داخلية، ومنها على سبيل المثال الحوار الذي اقامه الرئيس الراحل حسين الحسيني مع البطريرك الماروني الراحل نصرالله صفير، ورعاه الفاتيكان، وانتج توافقاً، تُرجم بعضه في اتفاق الطائف الذي استند الى “الاتفاق الثلاثي” الذي رعته سوريا في العام 1985، بين كل من الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة “امل” و “القوات اللبنانية” التي كان يترأسها ايلي حبيقة.

من هنا، فان في الداخل اللبناني، من يحاول دائماً تحريك الركود السياسي عموماً، والرئاسي خصوصاً، حيث يتقدم انتخاب رئيس للجمهورية على ازمات اخرى، اذ ثمة محاولات لفك مسار الاستحقاق الرئاسي عن الحرب على غزة، وتداعياتها في جنوب لبنان وعليه، حيث حاولت كتل نيابية عديدة، القيام بمبادرات حوارية، وكان اول الداعين للحوار رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي تقدم بمبادرة في ايلول الماضي، بعقد حوار لمدة سبعة ايام، يعقبه انتخاب رئيس للجمهورية في جلسات مفتوحة، لكن اقتراحه لقي رفضاً مسيحياً، فعلق العمل به، ليعقب ذلك، محاولة حوارية من “اللقاء الديموقراطي” الذي يرأسه النائب تيمور جنبلاط، لكنها لم تسلك طريقها، وسعى نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الى الحوار، لكنه لم ينجح، ومثله فعل النائب غسان سكاف، وايد الحوار النائب نعمت افرام، وحاولت “القوات اللبنانية” ان تسعى للحوار بالتقسيط، كما فعلت عند قبولها انعقاد جلسة تشريعية تمدد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، في وقت كان “التيار الوطني الحر”، يعمل لحوار ينتج منه مرشح ثالث، وتقاطع مع ما سمي بمعارضة على اسم الوزير السابق جهاد ازعور، وهو يعمل الآن على تجديد الدعوة للحوار، بالانفتاح على الرئيس بري، لانه يملك مفتاح مجلس النواب.

ولا يختلف تحرك “كتلة الاعتدال الوطني”، عن مسار الدعوى او المبادرات للحوار، وهي تتفق مع “تكتل لبنان الجديد”، ونواب مستقلين، حيث يطرح “تكتل الاعتدال” صيغة من دون اسماء، وفق ما يؤكد مصدر فيه، وكل ما يقدمه هو حصر المنافسة بين مرشحين او ثلاثة، على ان يؤمن النصاب القانوني للجلسات، وهو ما لا يحصل منذ 12 جلسة انتخاب، اذ تنتهي كل جلسة بتعطيل النصاب عندما لا يؤمن اي مرشح ثلثي اصوات مجلس النواب، ليفوز في الدورة لاولى (86 نائباً)، او النصف زائداً واحداً (65 نائباً)، في الدورة الثانية.

والمبادرة التي يطرحها “الاعتدال الوطني”، تدخل في اطار اللعب في الوقت الضائع ايضاً، كما غيرها من المبادرات، التي لا تستند الى توافق داخلي، في ظل تشبث الاطراف اللبنانية بمرشحيها، وفق ما تقول المصادر، اضافة الى ان المبادرات الداخلية، لا تحمل دعماً خارجياً، حيث تؤيد الدول المعنية بالازمة اللبنانية، حواراً ينتج انتخاب رئيس للجمهورية، الا ان هذه الدول والممثلة في “اللجنة الخماسية”، لم تتوصل فيما بينها الى ادارة الملف الرئاسي، وان كانت عناوينه الاساسية معلومة، لجهة الاسراع في انتخاب رئيس، لكن المواصفات الموضوعة من قبل دول ثلاث في اللجنة عندما كانت ثلاثية، لا تتفق مع طرف اساسي هو “الثنائي” (امل، حزب الله)، وقد انضمت مصر وقطر الى اللجنة، لاقامة توازن، إلا أنه لم يتوافر بعد، وهذا ما يسمى بالوقت الضائع.

كمال ذبيان- الديار

مقالات ذات صلة