هل تهجير الشيعة اللبنانيين إلى العراق مخطط قابل للتطبيق؟

قد يكون لإسرائيل هدف سياسي أبعد وهو تشتيت السكان المدنيين عبر التهجير القسري أو خلق ظروف غير مناسبة للسكن تجبرهم على الانتقال إلى مناطق أبعد داخل لبنان، مما يزيد الضغط على البنية التحتية اللبنانية. وهذا التهجير يؤدي إلى نقمة شعبية ضد الحزب، إذ إن هناك فريقاً واسعاً من اللبنانيين يحملونه مسؤولية التصعيد والحرب الإسرائيلية على لبنان.

منذ إعلان الجيش الإسرائيلي بدء العملية البرية “سهام الشمال” خلال الـ30 من سبتمبر (أيلول) الماضي قال إنها “محددة الهدف والدقة” ضد أهداف لـ”حزب الله” في المنطقة القريبة من الحدود داخل جنوب لبنان، وهو يواصل مسح قرى حدودية من على الخريطة عبر تفخيخها وتفجيرها في عملية تجريف لخلق منطقة مهجورة.

ووفقاً للباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين فإن “نحو 29 قرية ومدينة تمتد على طول 120 كيلومتراً من الناقورة غرباً إلى شبعا شرقاً، دمرت معظمها بصورة كلية”، وإن “عدد الوحدات السكنية المدمرة هناك يبلغ نحو 25 ألف وحدة”.

حماية العمق الإسرائيلي

ويبدو أن الهدف الإسرائيلي الواضح من وراء عملية التجريف والتدمير الممنهج للقرى الواقعة على الحدود مع إسرائيل خلق منطقة عازلة أو مهجورة بعمق قد يصل إلى 20 كيلومتراً، وربما أكثر كجزء من استراتيجياتها الأمنية والعسكرية، إذ تعد هذه المنطقة خط دفاع إضافياً لحماية المستوطنات الإسرائيلية الشمالية من الهجمات الصاروخية وعمليات التسلل، في ظل الحرب المستعرة بينها و”حزب الله”.

وتهدف إسرائيل من وراء ذلك تقليل خطر الصواريخ قصيرة المدى التي يطلقها “حزب الله”، ذلك أن تلك الصواريخ تكون أكثر دقة وأثراً كلما كان الإطلاق من مسافة قريبة، وعبر خلق المنطقة المهجورة يمكن لها تقليل هذه الفعالية.

أضف إلى ذلك أنه بهذه الطريقة تمنع عمليات التسلل البري بخلق منطقة يصعب الوصول منها أو عبرها، وتعطي الجيش الإسرائيلي مساحة كافية لتنفيذ عمليات عسكرية داخل لبنان عند الحاجة دون المخاطرة بتعريض مستوطناته القريبة للخطر.

الضغط على “حزب الله” والمدنيين اللبنانيين

ولكن قد يكون هناك هدف سياسي أبعد وهو تشتيت السكان المدنيين عبر التهجير القسري أو خلق ظروف غير مناسبة للسكن تجبرهم على الانتقال إلى مناطق أبعد داخل لبنان، مما يزيد الضغط على البنية التحتية اللبنانية. وهذا التهجير يؤدي إلى نقمة شعبية ضد الحزب، إذ إن هناك فريقاً واسعاً من اللبنانيين يحملونه مسؤولية التصعيد والحرب الإسرائيلية على لبنان، إضافة إلى سعي إسرائيل إلى تحويل هذا الجزء إلى “منطقة عازلة دائمة”، شبيهة بتجربة “جيش لبنان الجنوبي” خلال احتلالها لجنوب لبنان (1978-2000) لتكون حاجزاً دائماً يحمي الحدود ولكن هذه المرة دون سكان أو أي أثر للحياة، وذلك عبر تدمير البنية التحتية والمنازل لإجبار السكان على المغادرة واستخدام وسائل دعائية لتحذير السكان من البقاء في المناطق الحدودية، واستهداف المرافق الحيوية عبر ضرب محطات الكهرباء والمياه والمستشفيات لتصبح المنطقة غير صالحة للسكن.

ولكن ذلك دونه تحديات عديدة، إذ إن تهجير السكان المدنيين قد يواجه إدانة دولية باعتباره انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، أيضاً قد يتخذ “حزب الله” خطوات استباقية لمنع إسرائيل من تحقيق هدفها مثل إطلاق الصواريخ من مناطق أبعد أو تعزيز الدفاعات الحدودية

كما أن عملية إنشاء منطقة مهجورة قد تستلزم تصعيداً عسكرياً واسعاً وقد لا تكون إسرائيل مستعدة لتحمل عواقبه وقد تحقق إسرائيل هدفها الأمني موقتاً، وذلك عبر نزع سيطرة الحزب عن المناطق الحدودية، لكن التهديدات طويلة المدى (الصواريخ البعيدة المدى) ستظل قائمة.

كل ذلك سيفاقم حتماً الأزمات الإنسانية والاقتصادية داخل المناطق الحدودية المهجرة، ووفقاً لرأي قسم كبير من اللبنانيين أنه لو قبل الحزب بالمساعي الدولية والتي تحدثت عن خلق منطقة خالية من السلاح كان من شأنها أن توفر على لبنان وعلى الحزب نفسه الدمار في مناطق بيئته، والخسائر الهائلة في الأرواح والممتلكات.

ترانسفير شيعي إلى العراق

وتداول الإعلام اللبناني خلال الفترة الأخيرة الحديث عن مشروع “ترانسفير شيعي” إلى العراق يجري تنفيذه مع موجات النزوح التي تتم عبر الحدود اللبنانية السورية العراقية. وتحدثت مصادر “الثنائي الشيعي” عن أن تهجير الشيعة إلى العراق ليس وليد الحرب الحالية بل كان مطروحاً خلال حرب يوليو (تموز) 2006، ويضعون ذلك في إطار استراتيجية أميركية لوقف التهديد ضد إسرائيل المتأتي من الحدود الجنوبية اللبنانية، ولكن حينها حال “حزب الله” دون تنفيذ ذلك.

وكان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري رفض الخوض في النقاش الدائر حول مستقبل الشيعة في لبنان، قائلاً “لأنني لا أتفاعل مع هذا النوع من الخطاب الطائفي”، وأشار في حديث صحافي إلى أنه “خلال عام 2006 عندما جرى وقف إطلاق النار دعوت أهل الجنوب للعودة إلى منازلهم فعادوا خلال اليوم التالي، واليوم في حال التوصل إلى وقف إطلاق النار سيعود أهل الجنوب والبقاع والضاحية إلى قراهم ولو ناموا على الأرض. خلال عام 2006 دعوتهم إلى العودة وعادوا فوراً واليوم سأعيد الكرة مرة ثانية وسيعودون في اليوم التالي”.

في حين رأى النائب السابق وليد جنبلاط أن هناك تدميراً ممنهجاً للجنوب، متابعاً أنه “كلما تقدم الإسرائيلي ودخل أية قرية سيدمرها ويمحوها من الوجود، لأن هناك مشروعاً قديماً جديداً من أيام الانتداب الفرنسي قبل أن تولد إسرائيل لترحيل شيعة لبنان من جبل عامل إلى العراق. ولا تزال هذه الأفكار قائمة”.

العراق ملجأ آمن لبيئة “حزب الله”

إذاً لم يعد سراً الحديث الذي يدور حول فكرة “الترانسفير الشيعي” كحل لتخفيف التوترات الطائفية والسياسية في بعض دول المنطقة، وخصوصاً في لبنان وسوريا. ويتمثل الترانسفير في إعادة توطين بعض المجتمعات الشيعية في العراق نظراً إلى كونه موطناً تاريخياً وحاضناً للطائفة الشيعية ووجود نفوذ سياسي واجتماعي لهم هناك.

مع موجات النزوح الكبيرة والتي تجاوزت مليوناً و500 ألف من المناطق الشيعية ومع تدمير قرى وبلدات بأكملها، فإن بعض هؤلاء أصبح مهجَّراً إذ لا منزل للعودة إليه، من هنا فإن فكرة “تهجير شيعة لبنان إلى العراق” لم تعد مجرد افتراضاً حتى داخل “حزب الله” بعد موجات الاغتيالات التي طاولت وتطاول قيادات الصف الأول والثاني وربما الثالث منه، إذ لم يعد هناك ملجأ آمن لهم، بحيث أنهم حتى لو حاولوا السكن في مناطق مختلطة فإن الاستهدافات الإسرائيلية تطالهم، أينما حلوا في لبنان.

اندبندنت

مقالات ذات صلة