بين ثقافة “الانتصار” و”الهزيمة” في لبنان: هل الانتصار لمن تعرض لخسائر فادحة؟
يشارك الناشطون اللبنانيون وعدد من الاعلاميين منذ مدة في النقاشات حول مبدأ “الانتصار” و”الهزيمة”، فيجري الحديث من جهة عن الدمار والقتل، في مقابل الحديث عن إفشال الأهداف الاسرائيلية، وهو أمر كالعادة يسبب جدلاً في الرأي العام اللبناني، وتبدأ حملات الجيوش الالكترونية والحفلة المعتادة على مواقع التواصل الاجتماعي عند كل استحقاق.
في الواقع، لا تحتسب المعارك العسكرية بالخسائر البشرية والدمار، بل بالأهداف الاستراتيجية وأي فريق يتمكن من تحقيقها أو يمنع الفريق الاَخر من ذلك. وفي التاريخ أمثلة عديدة، فلا أحد يقول ان روسيا خسرت الحرب في ستالينغراد، أي خلال الحرب العالمية الثانية، وهي المعركة التي دمرت فيها المدينة بالكامل، وقتل أكثر من مليون روسي، وتعتبر من أعظم معارك التاريخ، ويسجل الانتصار فيها لروسيا على الرغم من الخسائر الكبيرة. وكذلك تعتبر روسيا عموماً أنها انتصرت في الحرب العالمية الثانية على الرغم من الدمار الكبير الذي لحق بأراضيها، ومقتل أكثر من 20 مليوناً من مواطنيها وجنودها.
وكذلك في الحرب العالمية الثانية يسجل لبلجيكا انتصار في الحرب العالمية الثانية، علماً أن البلاد سحقت بالكامل، وذلك بسبب تمكنها من صد الجيش النازي لنحو أسبوعين.
وعبر التاريخ هناك العديد من المعارك التي يسجل فيها الانتصار لمن تعرض لخسائر فادحة، إلا أنه يعتبر منتصراً بالمعنى الاستراتيجي. ولذلك في لبنان يسجل الانتصار لاسرائيل في حال استطاعت أن تفرض املاءاتها كالمنطقة العازلة على حدود لبنان أو السماح لها بتنفيذ عمليات ضد ما تعتبره “تهديداً” في الداخل اللبناني.
والمشكلة أساساً في لبنان هي الخلاف على السلاح، وهناك فريقان متعارضان، الأول يعتبر أن سلاح “المقاومة” هو ضمانة تحمي لبنان من الاعتداءات عموماً والاسرائيلية خصوصاً، بينما الفريق المعارض يعتبر أن الضمانة الوحيدة للبلد هي الدولة وليس “ميليشيا” مسلحة مدعومة من بلد اَخر، بل ويعتبر أن هذا السلاح يجلب الخراب للبلد ويفرض سياساته على بقية الأطياف بقوته.
يقول مصدر سياسي وسطي لموقع “لبنان الكبير”: “ان المشكلة في لبنان هي التطرف في المواقف، صحيح أن الدولة هي الضامن الوحيد، ولكن لا يمكن حل مشكلة مثل سلاح الحزب بأخذ موقف متطرف ضده، لا سيما أن السلاح له جذور في البيئة الحاضنة، ويعود سبب وجوده أساساً إلى إهمال الدولة تاريخياً لجنوب لبنان ما دفع الجنوبيين إلى اعتمادهم بالفطرة على هذا السلاح بدلاً من الدولة، ويمكن ملاحظة ذلك عند لجوء الجنوبيين عموماً والشيعة خصوصاً إلى المسؤول الحزبي بدل مؤسسات الدولة”.
ويرى المصدر أن المشكلة الأكبر في شأن السلاح هي حصرية القرار باستعماله عند “حزب الله”، وكون تمويله من إيران فيبدو بالنسبة الى بقية الفرقاء أن هدف السلاح هو تنفيذ الأجندات الايرانية. وما زاد من هذه الهواجس تدخل الحزب في الحرب السورية، ما عدّه الفريق المعارض للحزب في لبنان تنفيذ أوامر إيرانية دفاعاً عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بكل ما لدى هذا الفريق من حساسيات مع الأسد.
أما من الجهة الأخرى، فيشير المصدر الى أن الفريق المؤيد للحزب وسلاحه لم تقدم له ضمانات حقيقية، ويعتبر أن هناك “فيتو” على تسليح الجيش بصورة قد تشكل تهديداً لاسرائيل، ولا يكتفي بالضمانات الدولية، بل يعتبر أن المجتمع الدولي يصب في صالح اسرائيل لا في صالحه. ويعتبر المصدر أن الجنوبيين والشيعة ليسوا من عشاق إيران، بل ان الغالبية لا “تقلد” ولاية الفقيه، و”التقليد” هو من الأساسيات في العقيدة الشيعية، ولكنهم يجدون أنفسهم مجبرين على الاعتماد على إيران لعدم وجود ضمانات داخلية مثل “تسليح الجيش”، ولا ضمانات دولية رادعة لاسرائيل، ولعل هذه الحرب ستترك أثراً مضاعفاً لدى الشيعة بأن المجتمع الدولي عاجز، مع عدم تمكن أميركا حتى من وقف الحرب الاسرائيلية على غزة، ولا على لبنان.
ولا يأمل المصدر أن تحل هذه المشكلة في المدى المنظور، بحيث أن المواقف الداخلية لا توحي بتفهم الفرقاء في الداخل لهواجس بعضهم البعض، بل كل فريق يتشدد في وجهة نظره أكثر مع مرور الوقت.
وبالنسبة الى جدل الانتصار والهزيمة، يقول المصدر: “لا فائدة من هذه الجدلية العقيمة، وهي تستحدم فقط للنكد بين المواطنين، فلا معنى لانتصار على دماء الأبرياء، ولا معنى لنشر ثقافة الهزيمة بين الناس، لا سيما أن الحروب الحديثة لا تنتهي بطرف يسحق الاَخر، بل تنتهي بمفاوضات ترضي الأطراف المتنازعة ولا ترضيها في الوقت نفسه”.
محمد شمس الدين- لبنان الكبير