زخم فني وثقافي بين مصر والسعودية ذو خلفية سياسية

عبّرت زيارة رئيس هيئة الترفيه السعودية المستشار تركي آل الشيخ إلى القاهرة، وما حوته من تفاهم حول مشروعات فنية مشتركة مع مصر، عن حراك ثقافي قد يمتد إلى جوانب سياسية بين البلدين، في الوقت الذي أثار فيه بطء الاستثمار السعودي في مصر جدلاً واسعا، دفع البعض إلى الحديث عن وجود برودة في العلاقات بين البلدين.

وعقدت وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني اجتماعا مع تركي آل الشيخ تطرق إلى آليات التعاون في مجالات فنية مختلفة، من بينها إقامة حفلات بدار الأوبرا في القاهرة، ومشاركة فرق مصرية في ليالي الأوبرا السعودية، وإنتاج 20 عملاً مسرحيًا مشتركاً، ودخول المملكة كطرف أصيل في إنتاج بعض الأعمال السينمائية المصرية، وتم التطرق أيضا إلى أوجه التعاون الرياضي بين القاهرة والرياض.

وعكس تواجد المستشار تركي آل الشيخ في القاهرة حرارة قد تشهدها العلاقات السياسية بين البلدين قريبا، فزيارته تؤكد أن هناك تغيرا طرأ عليها مؤخرا.

وكان غيابه الفترة الماضية مؤشرا على برودة أو فتور بين البلدين، وجاءت هذه الزيارة بعد تراشق إعلامي على منصات التواصل الاجتماعي بين دوائر قريبة من حكومتي البلدين، ما جعل مراقبين يتعاملون مع الأمر بجدية.

وتوحي زيارة المسؤول السعودي الكبير بتفكيك جوانب مما تردد حول أزمات مكتومة بين البلدين، كما أن النشاط الذي ظهر على مستوى الزيارات الدبلوماسية والذي بدأه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في نهاية الشهر الماضي يعزز هذه النتيجة.

وقام وزير الإعلام في المملكة العربية السعودية سلمان بن يوسف الدوسري بزيارة إلى القاهرة، بعد ذلك أتت زيارة رئيس هيئة الترفيه، ما يبرهن على ملامح سياسية إيجابية قد تظهر خلال الفترة المقبلة.

وأكد سفير السعودية بالقاهرة أسامة النقلي في تصريحات إعلامية أن زيارة تركي آل الشيخ هي استمرار لسلسلة الزيارات المتبادلة بين البلدين، وأن التعاون مستمر بين قياداتهما في مجالات مختلفة، وهناك تنسيق كامل في كافة الملفات، وأن العلاقة وصلت إلى أعلى مستوياتها للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

ويعد تسليط الضوء على التعاون الإعلامي والفني والثقافي والرياضي بين البلدين مدخلاً مناسبًا لإزالة شوائب لحقت بالعلاقات مؤخرا، والنفخ في الخلافات تم من خلال وسائط عبّرت عن تنافس خفي بينهما، وبدت الحساسية تجاه استعانة الرياض بقوى ناعمة مصرية من أوجه الخلاف الذي ظهرت تجلياته على مستويات شعبية وليست دبلوماسية، بالتالي فالتحرك من خلال تلك المجالات يعني تجاوز أسباب الجفاء.

وقال الكاتب والمحلل السياسي محمود العلايلي إن “السعودية تشهد طفرة اجتماعية، مصحوبة بطفرات اقتصادية وفنية ورياضية، ومن الطبيعي حدوث تعاون بين البلدين تفرضه دواعي تلك الطفرة وقد تكون لها انعكاسات جيدة على مصر”.

وأضاف العلايلي، في تصريح لـ”العرب”، “من المأمول ألا يقتصر التعاون على المجالات الفنية والثقافية، ومن المهم أن تكون للنشاط الحالي انعكاساته الاقتصادية والاستثمارية، فكل المجالات تسير في سياق واحد يرتبط بالحاجة إلى التعاون في منطقة تعج بالأزمات”.

وعززت الصفة الرسمية التي جاء بها المستشار تركي آل الشيخ إلى القاهرة هذه المرة، على عكس مرات سابقة اتخذت فيها زياراته طابعا شخصيا، التأكيد على أن مسارات التعاون في المجالات الفنية والثقافية تتم برعاية قيادتي الدولتين، وأن الشراكات ستأخذ قدرا أكبر من الاهتمام لتفويت الفرصة على شائعات ربما يجري توظيفها.

ومثلت الزيارة مؤشرا مهمّا على النظرة المستقبلية التي تمتلكها السعودية تجاه الفنون بوجه عام، وهو ما يجعلها تعمل على الاستفادة من القوة الناعمة العربية عموما كمدخل يسهم في تعزيز حضورها، مستفيدة من الطاقات الفنية الداعمة لمشروعها الثقافي.

وأوضح الناقد الفني المصري طارق الشناوي أن الإقرار بوجود حساسية تجاه نجاح المملكة الفني عبر أنشطتها إقرار خاطئ، لأن الحركة الفنية المتطورة في السعودية تستفيد منها المنطقة بأكملها، في مقدمتها مصر التي تتواجد بكثافة في هذه الأنشطة.

وقال الشناوي، في تصريحات لـ”العرب”، “بالنظر إلى الوضع الراهن فإن الأفلام المصرية مهيمنة على ما يتم عرضه بدور السينما السعودية، ومصر الدولة الأكثر تمثيلاً في حفلات موسم الرياض بالتواجد القوي للمطربين والموسيقيين والعازفين ومهندسي الإضاءة وغيرهم”.

ولفت الشناوي إلى أهمية الاستعانة بالممثلين والمخرجين وغيرهم من الكفاءات المصرية لتقديم فنون بإنتاج سعودي، وهو أمر لا يجب أن يسبب حساسية، لأنه يعبر عن الفن المصري، لذلك فإن لقاء تركي آل الشيخ مع وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني والرئيس التنفيذي للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية عمرو الفقي يكفي لوقف التصعيد الذي تعرض له فنانون تواجدوا في فعاليات سعودية في الفترة الماضية.

احمد جمال- العرب