خاص شدة قلم: 19 عاماً.. لن أنسى ولن ننسى أو ينسون!
بيروت 14 شباط 2005 تمام 12:55.. صَمَتَ البلد ولم يعلُ إلا صوت الموت.. أنين الإسعافات وصراخ الإطفائيات.. وعويل الصدمة يسأل: ماذا جرى؟!..
19 عاماً مرّت.. 19 عاماً وكأنّها نفس الليلة.. كلّما اقترب هذا اليوم.. قاصداً أو لم أقصد مرغماً أم مُريداً.. تجتاحني مشاعر خوف وصمت رغم ضجيج الحياة وصخبها..
بيروت 14 شباط 2005 تمام 12:55.. صَمَتَ البلد ولم يعلُ إلا صوت الموت.. أنين الإسعافات وصراخ الإطفائيات.. وعويل الصدمة يسأل: ماذا جرى؟!..
مشهد واقعي أفظع وأقسى من قدرة أكبر وأبرع مخرج سينمائي أن يجسّده.. لا خطوط هواتف ولا تواصل.. أسئلة وهلع وهجوم على شاشات التلفزة لمعرفة الخبر.. بعدما انبعث من صوب البحر شبح الدخان الأسود..
إلى أنْ أموت لن أنسى لحظة خروج المُسعف الشهيد أيمن الذهبي وهو يرمي بنفسه خارج السيارة.. والنيران تلتهم جسده والألم يكتويه والروح تفارق الجسد بألم وحده الله كان أعلم به..
إلى أنْ أموت لن أنسى أنّني كنت مشروع شهيد.. لأنّني وقت التفجير كنتُ أتحضّر للنزول إلى فندق فينيسيا للتقديم إلى أحد البرامج العلمية.. الذي يجري تصويره هناك..
وإلى أنْ أموت لن أنسى ليلة التفجير.. غادرتُ جريدة “اللواء” حيث كُنت قد بدأتُ قبل أشهر أولى خطوات مسيرتي في عالم الصحافة.. وطوال الأشهر الماضية كٌنت أعود إلى البيت سيراً على الأقدام.. لا خوف ولا وجل.. بل أمن وأمان واستقرار.. فالطرقات نور على نور.. اللهم إلا من بعض الأزقة المُعتمة.. التي بدورها لم تكن مبعثاً للخوف لأن البلد أكثر من آمن..
تلك الليلة لا لم يكن هناك لا أمن ولا أمان.. كانت المرة الأولى التي أشعر فيها بالرعب والخوف والهلع.. كلها اجتمعت مع بعضها البعض.. ظلام الأزقة حمل إلى نفسي مليون شبح وخيال وفكرة سوداء..
تلك الليلة سلبتني الأمان وأضعت معها بوصلة الحياة.. شعور عرفته لمرّتين في حياتي.. الأولى ليلة اغتيال الرئيس الشهيد.. والثانية ليلة دفن والدي وهو في ريعان الشباب..
تلك الليلة التي لا تذكّرني إلا باليتم.. وأستعيد معها ليلة رحيل والدي.. كانت الطرقات صامتة.. وكذلك يوم عُدت من الجريدة في أول يوم عمل بعد وداع أبي..
تلك الليلة تكلم فيها الصمت.. وصرخ فيها القلق على المصير: ماذا بعد؟!.. إلى أين؟!… وهلأ لوين؟!.. وسواها الكثير الكثير.. وبعد 19 عاماً لم أجد جواباً.. إلى ان قال ما قاله ” ذاك الذي جثم على صدورنا أربع سنوات حين أبلغنا بالفم الملآن أنّه أوصلنا إلى “قعر جهنم”..
بعد 5 سنوات عن تلك الليلة حاولت بلسمة الفراغ.. واخترتُ أن تكون خطوبتي في نفس اليوم.. لكن لم يغب عنّي الخوف ولم يفارقني وجع فقدان الوطن المسفوكة دماؤه على مذبح الأمم.. التي شاهدت وتواطأت وصمتت.. وكبّدتنا ملايين الدولارات.. وختمت الملف بأحكامٍ دون تنفيذ!!
مصطفى شريف- مدير التحرير