مصممو أزياء في كردستان يواكبون صيحات الموضة بدمجها مع التراث

مازالت الأزياء الكردية التراثية حاضرة في كردستان رغم الحداثة، فتجارتها رائجة وتلقى قبولاً بسبب رسوخها في المجتمع والحرص على ارتدائها خاصة في المناسبات باختلاف طبيعتها.

وقد طغت الأزياء الكردية النسائية منها والرجالية على المشهد السائد في أربيل وكبريات مدن إقليم كردستان كالسليمانية ودهوك، دون أن يلغي ذلك ألوان الأزياء القومية الأخرى.

ويقول مظفر هاورد تاجر أزياء كردية ” كل عمل فيه مكسب وخسارة، وفي تجارة الأزياء الكردية أيضاً هناك خسارة وربح لكن المكسب أكبر وليس مادياً فقط. فثمة من أصحاب الجنسيات الأخرى الذين يأتون من الخارج وأعطيهم القماش والخياطة وكل شيء دون مقابل مادي. فأنا أعتبر هذا الزي يمثلني ويمثل تراث بلدي”.

تطوير التصاميم

ومن أشهر الموديلات الكردية النسائية الصايا والكراز والسلطة والألك ولم تتوقف التصميمات الكردية على بدايتها بل حرص الخياطون على تطويرها. ويقول أحد التجار “الزي الكردي مطلوب من عرب وأجانب يطلبونه في المناسبات، في الخطبات بشكل كبير يطلبونه، في الاحتفالات كعيد النوروز وحالياً أيضًا في حفلات التخرج”.

وهناك تصاميم كردستان تركيا وكردستان إيران وأكثرية التصميمات دون ذيل، أما الكردي فلا بد من الذيل ويقوم المصممون بإضافة الكلوش إلى الصايا التي أحيانا تشبه القفطان المغربي، لكنها مع ذلك تبقى مختلفة عنه إذ تبدو اللمسات الكردية واضحة فيها.

ويحتفي المواطنون في إقليم كردستان في العاشر من مارس/آذار من كل عام بالزي الكردي بعد أن خصصت حكومة الإقليم ذلك التاريخ للاحتفال به وارتدائه في الدوائر والمؤسسات الحكومية للحفاظ على أصالة الشعب الكردي وتقاليده وتراثه وثقافته. وأعياد الربيع شكّلت بدورها مناسبة أخرى تضاف إلى النوروز والذي يعتبر عيدا قوميا وتاريخيا يمثل رأس السنة الجديدة في التقويم الكردي المعتمد منذ 27 قرنا.

ومع بداية مارس من كل عام، تزدهر أسواق خياطة الأزياء الشعبية الكردية وبيعها بسبب زيادة الإقبال عليها من مختلف الفئات العمرية، حيث تتطلب طقوس الاحتفال بالأعياد والمناسبات في هذا الشهر ارتداء الأزياء الشعبية ذات الألوان الزاهية.

وفي كل عام يستعد السكان للاحتفال بسلسلة من المناسبات الوطنية والقومية التي تتطلب طقوسها ارتداء الجميع للأزياء الكردية الشعبية المميزة، مما يزيد من الإقبال على أسواق خياطتها وبيعها.

إقبال متزايد

ويتفنن مصممو هذه الأزياء الرجالية والنسائية في عرض أحدث التصاميم لجذب المزيد من الزبائن، فيما يستمر العمل في ورشهم حتى ساعات الفجر، ويقولون إن الإقبال على اقتناء هذه الأزياء في تزايد مستمر رغم تراجع قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، وهناك طلب كبير على التصاميم الجديدة، لذلك يضطرون للعمل حتى ساعات متأخرة من الليل بغية تلبية طلبات الزبائن قبل حلول عيد النوروز، أما أسعارها فتتراوح بين مئة ومئتي دولار للزي الواحد.

وتنتشر بعض الأنماط من الزي الكردي، المصنوع من وبر الماعز، على نطاق أوسع في مناطق زاخو شمالاً وهورامان شرقاً، وتتراوح أسعارها من 600 إلى 3000 دولار.

وقال مسعود عبدالقادر “ارتأيت هذه السنة اقتناء هذا النوع من الزي، لجمال تصميمه وجودة قماشه، الذي تتم حياكته يدوياً وهو سر غلاء أسعاره، كما أنه يعتبر النموذج العريق للزي الكردي القديم، الذي ينتشر في المناطق الشمالية والشرقية من الإقليم وقلما يرتديه الناس في أربيل”.

أما الأزياء النسائية ذات الألوان البراقة فتتم خياطتها بأقمشة تستورد خصيصا لهذا الغرض، وتصل أسعار البعض منها إلى عشرة آلاف دولار.

وتقول خالدة لازار بتو، مديرة إعدادية عنكاوا السريانية للبنات، في إحدى ضواحي أربيل ذات الغالبية المسيحية، إنّ الاحتفال بهذه المناسبة يتّسم بنكهة خاصة، وتضيف “نحن أبناء هذه المنطقة الأصليين من سالف الأزمان، ويحق لنا أن نعتز بانتمائنا القومي والديني، ونحافظ على هويتنا وموروثنا الثقافي والحضاري، في هذا الإقليم الذي نتقاسم فيه مفاصل الحياة مع إخوتنا المسلمين من الأكراد والتركمان والعرب، مثلما نتقاسم أركان السلطة معهم”.

وتقول المصادر إن عدد أنواع الأزياء الكردية بحدود 320 نوعا موزعة بين المدن والأقاليم، ولكل مدينة أو إقليم نوع الزي الخاص بهما وكان قديما للغناء والدبكة والموسيقى الزي الخاص بها.

ويختلف الزي حسب فصول السنة والاحتفالات الموسمية والفعاليات الاجتماعية المختلفة والكثير من هذا الفلكلور كان يتعلق بطقوس الديانات الكردية القديمة.

انعكاس للطبيعة

ويطالب الكثيرون وزارة الثقافة بجمع وتدوين هذا التراث وحفظه من النسيان والذوبان، حيث انعكست طبيعة التضاريس التي يعيشها الكرد على زيهم، وهو ما يميزهم عن باقي سكان بلاد الرافدين، فالجبال والتلال لها ملابسها المختلفة والمستوحاة من الطبيعة، حيث يتألف زي المرأة من قطع عدة، بداية ممّا يلبس على الرأس يسمى “الهريتين” ويتكون من قطعتين ملونتين واحدة تغطي الرأس والأخرى تتدلى فوقه.

وفي القرى والأرياف يكون عبارة عن وشاح ملون ومطرز بخيوط لامعة تمتاز بملمسها الناعم الخفيف، وتعقد من الأمام أسفل الرقبة. وتأتي “الفقيانة”، وهي ثوب طويل يغطي غالبا حتى أخمص القدمين، وفي الغالب يخاط هذا الثوب من قماش شفاف جدا ذي خيوط حريرية ناعمة، ويكون تحت هذا الثوب العريض قميص داخلي رقيق وحريري، ليأتي الجزء العلوي مكملا له، وعادة ما يكون مؤلفا من سترة قصيرة جدا بلا أكمام وذات لون داكن وغير شفاف ليصبح بمثابة خلفية عاكسة للثوب الشفاف.

وتأتزر المرأة بحزام رفيع من الصوف، وأحيانا بحزام من الذهب يكون سميكا بعض الشيء، أما القطعة الأخيرة فهي السروال والذي يكون عريضا أيضا.

أما الزي الرجالي الكردي فيتكون من الشروال (السروال)، والجوغة (السترة) والبشتين وهو حزام من القماش يلف على الخصر، فضلا عن العمامة الملونة.

ورغم التمايز بين التصاميم من منطقة إلى أخرى، إلا أنه من ناحية المعمار يعتمد على نفس القطع، فالقطع الأساسية تتكون من الشروال (سروال).

وهناك أسماء متعددة حسب الأجزاء التي قسمت عليها كُردستان، وما يميز نوعا عن آخر هو طريقة الخياطة فما يلبسه كرد باشورى كردستان أو كردستان العراق يختلف عن كرد روجهلات أو باكورى أو روج آفا، ومهابادي نوع يتميز به كرد روجهلات، والسوراني الموجود في باشوري كردستان وبهديناني في منطقة بهدينان، نوعان منه نسبة إلى سكان منطقة الجزيرة ومنطقة بوطان في شمال كردستان.

وعلى سبيل المثال فإن الكُرد في السليمانية يرتدون ملابس مهابادية أو بهدينانية وهكذا نفس الشيء بالنسبة إلى مدينة مهاباد الموجودة في شرق كردستان.

أما أسعار الزي الكُردي فقد ترتفع وتنخفض بحسب نوع القماش المستخدم والطلب المستعجل، حيث أنّ الفستان النسائي الجاهز لا يرضي رغبات بعض النساء، خصوصا اللواتي يحرصن على ارتداء الزي في مختلف المناسبات للحفاظ عليه والتعريف به، لذا فإن الكثير منهن يرغبن بخياطته رغم ارتفاع سعر أجور الخياطة مع القماش مقارنة بالجاهز الذي يباع في الأسواق.

وتقول مصممة الأزياء الكردية لارا ديزايي المولودة في العاصمة النمساوية فيينا، ونشأت في الولايات المتحدة، إنها تعيش في أربيل منذ 15 عاماً، وكانت تخرجت من جامعة جورج ميسون بشهادة في العلاقات الدولية. حيث شاركت في عروض أسبوع الموضة العالمي في العاصمة الفرنسية باريس.

وأضافت “أجد النساء الكرديات شجاعات للغاية وأنا فخورة بهن. فخورة بقوتهن وبهويتهن، وقد أطلقت خطي الجديد من الأزياء الراقية الكردية مع وضع المرأة الكردية في المحور، وألهمتني المرأة القوية والمحبة في حياتي. المرأة من مثيلات أمي وجدتي وخالاتي، فهن شخصيات قويات لعبن دورًا كبيرًا في المنزل وفي المجتمع”.

وتوضح، لا شك بأن هناك تباينا كبيرا بين الأزياء العربية العراقية وتلك الكردية العراقية، وهو ما يظهر جليا مثلا على مستوى الألوان، فالأزياء العربية في العراق تميل للألوان الداكنة، في الغالب سوداء، وتكمل هذه الألوان طبيعة المشهد الجغرافي لمناطق السكن. أما في المنطقة الكردية، حيث المناطق جبلية بشكل أكبر، تتواءم التصميمات مع الألوان السائدة لتبدو أكثر انسجاما مع المناظر الطبيعية الملونة، ويثري التصميم الكردي الموضة العراقية العامة ويكمل الثقافة العراقية التقليدية، ويمثل هذا التباين بين الأسلوبين نقطة قوة، حيث أن التصميمات الكردية والعربية يكمل بعضها بعضا حتى في الاختلاف. وبرأيي، بالإمكان العثور على جوهر الثقافة العراقية في جمال هذا التباين.

وشهدت السنوات العشر الأخيرة في كردستان العراق اهتمام مصممي الأزياء الكردية بوضع تصاميم جديدة، أدخلوا عليها بعض التغييرات عن أنماطها التقليدية، وبدأوا ينظمون عروضاً لتصاميمهم الجديدة في الإقليم وخارجه، وبعض تلك التصميمات الجديدة أخذت تظهر ويتم تداولها بين السكان.

كما ينظم نادي “مستر أربيل” ملتقى موسميا فصليا لجميع أعضاء النادي في مواقع تاريخية في المدينة، والتي تُستخدم خلفية للكثير من الصور والفيديوهات التي يقوم الشباب بالتقاطها لأنفسهم ولأحدث مظهر لهم.

ويستوحي الشبان أفكارهم من آخر خطوط الموضة الأوروبية، لكن أسلوبهم يعود أيضا إلى عصر الأفندية التاريخي، أو رجال الأكراد المثقفين أصحاب المكانة الاجتماعية العالية والذين ارتدوا أفضل ما لديهم وارتادوا الصالونات والمقاهي.

ويهدف نادي “مستر أربيل” إلى جلب الموضة إلى كردستان، وكذلك أصول الإيتيكت والتعامل الرجولي. ويشمل ذلك إبقاء النادي بعيدا عن الدين والسياسة.

ويقول الرجال الذين أسسوا النادي عام 2016 إنه رغم أن أربيل واحة للهدوء في بلد تمزقه الحرب منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003 إلا أنها غير قادرة على أن تقدم لشبانها الفرص التي يبتغونها وهو ما دفعهم لتغيير ذلك.

ويزين الرجال وهم في العشرينات والثلاثينات من العمر ستراتهم بمناديل أرجوانية وساعات الجيب ويحملون عصي السيلفي وينظمون جلسات تصوير في صالونات التجميل المحلية ثم ينشرون الصور على حساباتهم في إنستغرام.

وفوجئ عمر نهاد أحد مؤسسي النادي بهذا الاهتمام. ويقول الشاب البالغ من العمر 28 عاما والذي كان يعمل في سوق الأسهم إن الممثل جورج تاكي أحد أبطال مسلسل وأفلام ستار تريك – والذي له أكثر من مليوني متابع على تويتر – بعث لهم رسالة على الموقع.

ورغم أن النادي للرجال فقط فإنه يستخدم منصاته على الإنترنت للترويج للنساء اللواتي يعملن لتحسين حقوق الفتيات وفرصهن.

Thumbnail
العرب

مقالات ذات صلة