«قصة «إبريق زيت» الإيجارات لا تنتهي… وفيها الكل مستفيد ومتضرر: ميقاتي يتراجع

القانون الجديد، بحسب معنيين، جاء لمصلحة المالكين على حساب المستأجرين والمصلحة العامة

في جلسته التشريعية في 15 كانون الأول الماضي، وفي حمأة الصراع السياسي لتمرير اقتراح قانون التمديد لسن تقاعد قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية، مرّر مجلس النواب، على عجل، اقتراح قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية، بحجة أنه «أخذ حيّزاً واسعاً من النقاش في اللجان النيابية المشتركة».

ومع أنّ إقرار قانون يتعلق بالإيجارات غير السكنية بات حاجة ضرورية بعدما صارت بدلات الإيجار زهيدة جداً ولا تتعدى دولاراً واحداً شهرياً في بعض الأماكن المأجورة، إلّا أنّ القانون الجديد، بحسب معنيين، جاء لمصلحة المالكين على حساب المستأجرين والمصلحة العامة. وبالتالي، وبسبب تأثيره المباشر على الأنشطة الاقتصادية، «كان بحاجة إلى مزيد من الدرس، خصوصاً أنه بصيغته الحالية يشعل نزاعات بين المالكين والمستأجرين بموجب عقود قديمة (قبل 23 تموز عام 1992)». لذلك، وبعدما «راحت السكرة وجاءت الفكرة»، قرّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في 26 الشهر الماضي ردّ القانون، مع قانونين آخرين أقرهما مجلس النواب، رغم المآخذ الدستورية على مثل هذه الخطوة.

وينصّ القانون على تحرير عقود الإيجارات غير السكنيّة القديمة بعد 4 سنوات من صدوره، على أن يتم رفع البدلات تدريجيّاً خلال هذه المدة (25% من قيمة بدل المثل في السنة الأولى، و50% في الثانية، و100% في السنتين الثالثة والرابعة). علماً أنّ بدل المثل يوازي 8% من قيمة المأجور. ويحق للمالك، بموجب القانون، تقصير المدة الانتقالية إلى سنتين مقابل التنازل عن الزيادات التدريجية، أو استرداد المأجور قبل انتهاء المدة في حالات معيّنة مقابل تعويض يصل إلى 15% من القيمة البيعية للمأجور.

على سبيل المثال، إذا كانت قيمة المأجور 100 ألف دولار، فإن بدل المثل يساوي 8 آلاف دولار. يسدّد المستأجر ألفي دولار في السنة الأولى (167 دولاراً شهرياً)، و4 آلاف دولار في السنة الثانية (334$ شهرياً)، و8 آلاف في السنتين الثالثة والرابعة (667$ شهرياً)، قبل أن يسترد المالك المأجور.
رئيس «لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين القدامى في لبنان» كاسترو عبد الله، وصف بدلات الإيجار التي يفرضها القانون بأنها «مبالغ فيها لأنها تفوق بكثير قيمة الإيجارات الجديدة. لذلك لن يصمد معظم المستأجرين القدامى 4 سنوات، وسيُجبرون على الإخلاء الفوري منذ السنة الأولى»، لافتاً إلى أنّ «عدداً كبيراً من المدارس الرسمية والمهنيات ومكاتب الضمان الاجتماعي وغيرها من مؤسسات الدولة تندرج في خانة الإيجارات القديمة». وإلى بدلات المثل «التعجيزية»، يعتبر عبد الله أنّ «مهلة تحرير الإيجارات غير كافية لتسليم المأجور من دون أي تعويض للمستأجر، الأمر الذي يخالف مبدأ التنازل عن المؤسسة التجارية والأماكن غير السكنيّة والحقوق المكتسبة في التعويض والخلوّ التي تمّ التعاقد على أساسها». أضف إلى ذلك أن «القانون جاء مبهماً، فلم يحدد، مثلاً، المعيار الذي على أساسه يساوي بدل المثل 8% من قيمة المأجور»، كما أنه لم يعالج «بدعة» الخلوات. إذ دفع بعض المستأجرين الأساسيين للمالكين منذ زمن طويل خلوّات تضمن لهم استمرارية التعاقد، وباعوا الإيجارات، تحت اسم «بيع خلو»، لمستأجر آخر طمعاً بتدنّي قيمة الخلو مقارنة بثمن المأجور وبدلات الإيجار الزهيدة. ومع تحرير الإيجارات سيخسر المستأجر بدل الخلوّ الذي دفعه.

لن يصمد معظم المستأجرين القدامى 4 سنوات، وسيُجبرون على الإخلاء الفوري منذ السنة الأولى

في المقابل، يشدّد رئيس نقابة مالكي الأبنية المؤجّرة باتريك رزق الله على أن «لا علاقة للمالك إن قرر المستأجر المقامرة بإيجار قديم سيحرّر يوماً ما ويعود الملك إلى صاحبه»، لافتاً إلى «أننا دفعنا التعويضات عندما تنازلنا عن كسورات بدلات الإيجار المستحقّة طوال خمسين عاماً».

وينفي أن يكون بدل المثل المحدد في القانون الجديد مضخّماً «مقارنة ببدل المثل عن الإيجارات السكنية غير الربحية الذي يساوي 5% بموجب قانون الإيجارات عام 2014، وقياساً بالأرباح التي يجنيها التجّار بعد دولرة السلع، والذين يدفعون منها بدلات إيجار أقل بعشر مرات من قيمة الضريبة على الأملاك المبنية». عضو مجلس نقابة المحامين سعد الخطيب يصف القانون الجديد، بأنه «غير عادل لأنه يحقق مصلحة طرف على حساب الآخر»، لافتاً إلى أثره على الأنشطة الاقتصادية والمؤسسات التجارية «كونه يضرّ بعنصر الزبائن، وعنصر الموقع الذي إن انقطع عن صيدلية، مثلاً، قد يخسرها الرخصة. كذلك الأمر بالنسبة إلى المصالح والمؤسسات التي تخضع لشروط المسافات، عدا عن أثره على حق الإدارة الحرة والاستثمارات التي تمتد عقودها لمدة تتجاوز مهلة تحرير الإيجارات».

غير أن سعد يلفت إلى أن قرار رئيس الحكومة بردّ القانون بعدما أقره مجلس النواب «مخالفة دستورية، لأنه ليست هناك آلية دستورية تسمح له بالتراجع عن قانون أصدره، وهذه صلاحية محصورة برئيس الجمهورية ولا تنتقل إلى أحد بغيابه». ورغم الملاحظات على قانون الإيجارات غير السكنية، إلّا أنّه «من الناحية الدستورية، يُعَدّ نافذاً ويجب نشره في الجريدة الرسمية، وسلوك الطرق القانونية لمعالجة ثغراته كالطعن به أمام المجلس الدستوري أو التقدّم بمشاريع قوانين لتعديله».

قصة «إبريق زيت» الإيجارات لا تنتهي، وفيها الكل مستفيد ومتضرر: هناك متعهدون اشتروا عقارات تخضع لنظام الإيجارات القديمة بسعر متدنّ لجني أرباح طائلة بعد تحريرها، ومستأجرون قدامى لا أماكن لهم يذهبون اليها ولا قدرة لهم في ظل الأزمة على دفع بدلات الايجارات الجديدة، ومالكون لا تكفي عائدات أملاكهم لإطعامهم. فيما الدولة التي تغاضت عن وضع حدّ لهذا الوضع عندما مدّدت عقود الإيجار القديمة، انحازت للمالكين عندما فكرت في الحلّ، ولمّا استدركت أنّ المستأجر لن يتخلّى عن مأجوره بسهولة، تراجعت عن الخطأ… بخطأ دستوري.

زينب حمود- الاخبار

مقالات ذات صلة